لندن: يعكف علماء ألمان على رسم خريطة فائقة الدقة والتفصيل لمدينة حلب القديمة على أمل أن تساعد ذات يوم في إحياء المدينة المدمرة وكنوزها الأثرية المسجلة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

وبسبب الحرب أُحيلت حلب التي تعتبر من أقدم مدن العالم، على واجهات مهدمة وبيوت مطحونة وهياكل أبنية مقفرة، ولكنّ الباحثين في ألمانيا يتطلعون الى اليوم الذي سيُعاد فيه بناء المدينة برسم خريطة ذات دقة فائقة في تفاصيلها.

استحدثت جامعة كوتبوس في شرق المانيا مكتباً خاصاً لرسم الخريطة. ونشر المهندس المختص بتخطيط المدن كريستوف فَسلينغ خريطة عملاقة في مكتبه مساحتها 2 X 2.5 متر ممرراً سبابته على احياء حلب وأزقتها وشوارعها واسواقها التاريخية بكل تفاصيلها.

وبمقياس رسم 1 الى 500 تكون الخريطة وثيقة ذات أهمية استثنائية تعيد بناء حلب القديمة بأسواقها وحماماتها ومساجدها وكنائسها وبيوتها السكنية بدقة متناهية وتفاصيل حميمة لمعالم المدينة المأهولة باستمرار منذ ما يربو على 6000 سنة. وأنجز الباحثون حتى الآن تخطيط نحو 16 الف رقعة أرض. 

وقال الباحث فسلينغ الذي زار حلب عدة مرات قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد في عام 2011 ان حلب مدينة فيها "درر مخفية". واضاف انه "في حلب يدخل المرء بيتاً واجهته المتواضعة لا تعني أي شيء وفجأة يجد نفسه امام سلسلة من ثلاث باحات داخلية ساحرة ذات اعمدة مترعة بالنقوش التزيينية". 

انقسام عاصمة سوريا

تلك كانت الحياة قبل ان تنقسم عاصمة سوريا التجارية الى شطر غربي تسيطر عليه قوات النظام وآخر شرقي تسيطر عليه المعارضة.

وشهدت حلب الى جانب الدمار المادي مأساة انسانية كبيرة اواخر 2016 قبل ان تسيطر على شطرها الشرقي قوات النظام المدعومة من ايران وروسيا.

ستُنجز خريطة حلب التي يشارك في رسمها ستة خبراء بكلفة 60 الف يورو خلال الاسابيع المقبلة وتكون متاحة على الانترنت لكل من يريد المساهمة في إعادة بناء المدينة في المستقبل.

وتتولى الاشراف على المشروع جامعة كوتبوس بمشاركة وزارة الخارجية الالمانية ومعهد الآثار الالماني. وقالت الجامعة ان الخريطة ستكون على الانترنت بكل التصاميم والصور والاوصاف لأي مكان محدَّد في المدينة.

وأوضح فيسلنغ قائلا "نحن لسنا سياسيين بل مخططي مدن وأردنا ان نضع اساساً" يساعد المدينة على ان تستعيد ذات يوم روعتها الفريدة.

واضاف "ان المؤمل ألا تجرف شركات البناء خرائب حلب وتقيم على أنقاضها القديمة فنادق واسواقاً تجارية حديثة".

ولفت الطالب السوري زيدو زيدو الذي يدرس في جامعة كوتبوس لنيل شهادة الدكتوراه الى ان هناك مناطق اخرى في حلب ذات طراز معماري أحدث لا تقل حاجة الى الحماية مثل الأبنية التي تعود الى أواخر القرن التاسع عشر حين كانت حلب من المدن الرئيسة في الامبراطورية العثمانية. واشار زيدو الى عدم وجود خطة لحماية هذه المناطق التراثية غير المدرجة على قائمة اليونسكو.

المدينة القديمة أُصيبت بأضرار جسيمة

وقال باحثون في قسم الهندسة المعمارية في جامعة كوتبوس ان إعادة بناء حلب ستكون تحدياً هندسياً هائلا.

وبحسب تقديرات اليونسكو فان 60 في المئة من المدينة القديمة أُصيبت بأضرار جسيمة وان 30 في المئة من هذه المساحة دُمر بالكامل. ففي سوق حلب القديمة التي كانت من أكبر الأسواق المغطاة في العالم أُحيلت الدكاكين والأبواب الخشبية على رماد. وانهارت مئذنة المسجد الأموي الشهير قبل اربع سنوات وتعرضت القلعة ، ذلك المعلم التاريخي الكبير ، الى اضرار كبيرة وكذلك محطات القوافل التي كان يستخدمها التجار على طريق الحرير. 

وقع الاختيار على جامعة كوتبوس لرسم الخريطة بسبب علاقات التبادل العريقة بين قسم الهندسة المعمارية في الجامعة ونظيره في حلب. كما ان المانيا بعد الدمار الذي لحق بها خلال الحرب العالمية الثانية اكتسبت خبرة واسعة في إعادة بناء مدنها وترميم الكثير من المراكز الحضرية فيها.

يقول الطالب زيدو ان حلب مبنية بنوع خاص من الحجر يمنحها لوناً فريداً وانه يشعر بأن الخريطة التي يرسمها الخبراء الالمان مهما كانت دقيقة لا تستطيع ان تعيد هذه النكهة. 

 

اعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف عن موقع «لوكال»، الأصل منشور على الرابط التالي

https://www.thelocal.de/20170526/german-map-project-to-aid-future-rebirth-of-aleppo