في خطوة غير متوقعة، طالب عدد من أئمة المساجد في تل أبيب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بزيارة إسرائيل من أجل إلقاء كلمة عن وسطية الدين الإسلامي في إطار تجديد الخطاب الديني، الذي تتبناه مصر والأزهر منذ ثورة 30 يونيو.&

إيلاف من القاهرة: وجّه أئمة مساجد في مدينة يافا وحيفا وعكا دعوة رسمية إلى شيخ الأزهر جاء في نصها: "نهنئ فضيلتكم بحلول شهر رمضان المبارك، ونتشرف بتقديم دعوة إلى فضيلتكم أو من ينوب عنكم"، والدعوة موجّهة من الشيخ سليمان سطل، إمام وخطيب مسجد النزهة في "يافا" والشيخ سميح الطوخي، إمام وخطيب مسجد المحمودية في "تل أبيب"، وذلك "لزيارة إسرائيل وإلقاء كلمة عن وسطية وسماحة الإسلام في الموعد المناسب لفضيلتكم".&

دعوة شيخ الأزهر لزيارة تل أبيب جاءت بالتنسيق مع أئمة مساجد كائنة في تل أبيب وعمر سالم (الباحث الإسلامي الأميركي من أصل مصري وصاحب فكرة تأسيس فرع لجامعة الأزهر في تل أبيب).

تأييد ورفض
صاحبت طلب زيارة الإمام الأكبر لتل أبيب ردود فعل&قوية، سواء داخل الشارع المصري أو بين علماء ومؤسسات الأزهر، حيث عبّر البعض عن ترحابه بالزيارة، وخرجت تصريحات من داخل مؤسسة الأزهر تناشد الإمام الأكبر الدكتور الطيب بقبول الدعوة في حال وصولها إلى المشيخة بشكل رسمي.&

ومن بين الأصوات المؤيدة للزيارة الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى السابق، كما علمت "إيلاف" بوجود أعضاء داخل هيئة كبار العلماء في الأزهر يؤيدون زيارة الطيب لتل أبيب، من هؤلاء الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، والدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف السابق.&

على الجانب الآخر، ترفض اللجنة الدينية في مجلس النواب قيام شيخ الأزهر بالذهاب إلى إسرائيل تحت أي ظرف، في ظل استمرار "الاحتلال" الصهيوني للأراضي الفلسطينية، تساند هذا الموقف الرافض قيادات المؤسسات الدينية في &مصر، وعلى رأسها دار الإفتاء ووزارة الأوقاف وجامعة الأزهر.

لم تصل رسميًا
شهدت الساعات القليلة الماضية جدلًا كبيرًا حول حقيقة وجود دعوة&لشيخ الأزهر لزيارة تل أبيب من عدمها، ففي الوقت الذي أكد فيه الدكتور عمر سالم، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الهدى والنور للتقارب بين الأديان وصاحب الدعوة، أنه تم توجيه الدعوة بصفة رسمية عبر البريد الإلكتروني، خرج المكتب الإعلامي لمشيخة الأزهر لينفي تمامًا وصول دعوة للطيب لزيارة تل أبيب حتى الآن، مؤكدًا على موقف الأزهر الواضح بشأن مساندة القضية الفلسطينية، ورفضه التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وعلى مدار السنوات الماضية، تشهد قضية التطبيع بين الأزهر وإسرائيل جدلًا كبيرًا داخل تلك المؤسسة الدينية العريقة، كانت البداية في عهد الإمام الأكبر الدكتور جاد الحق علي جاد الحق، أبرز شيوخ الأزهر السابقين، الذين دافعوا عن قضايا الأمة العربية عامة والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، فقد أعلن رفضه لقرار الكونغرس بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ورفض لقاء الرئيس الإسرائيلي عيزرا وايزمان خلال زيارته إلى القاهرة، وأفتى بعدم إمكان زيارة القدس.

بين جاد الحق وطنطاوي
كما رفض الشيخ جاد الحق سياسة التطبيع مع تل أبيب، وأفتى بأن «من يذهب إلى القدس من المسلمين آثم آثم.. والأولى بالمسلمين أن ينأوا عن التوجّه إلى القدس حتى تتطهر من دنس المغتصبين اليهود»، وأكد أن تحرير القدس لن يتم إلا بالجهاد والاستشهاد في سبيل الله، لكن الموقف تغير بعض الشيء في عهد الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق، الذي ساند التطبيع السياسي المصري مع تل أبيب، وأفتى بأن الإسلام لا يحرّم التطبيع مع الدول الأخرى، خاصة إسرائيل، طالما كان التطبيع في غير الدين.&
إلى أن جاء المشهد الذي لقي جدلًا كبيرًا داخل مصر وقتها والمتمثل في قيام شيخ الأزهر السابق في عام 2008 &بـ "مصافحة حميمة" مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، في مؤتمر حوار الأديان، الذي عقد في الأمم المتحدة.

التطبيع مع تل أبيب كان محور تأييد البعض داخل قيادات المؤسسات الدينية في تلك الفترة وما بعدها، حيث أفتى الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف السابق في عهد حكم مبارك عام 2009 ، بضرورة ذهاب المسلمين إلى القدس، معتبرًا ذلك واجبًا دينيًا. وفي 19 إبريل عام 2014 قام الشيخ علي جمعة، مفتي الجمهورية وقتذاك، بزيارة المسجد الأقصى مع الأمير غازي بن محمد، وهو الممثل الشخصي للملك عبد الله بن الحسين ومستشاره للشؤون الدينية، وقد أثارت هذه الزيارة موجة من الانتقادات.

شرط أساس
من جانبه، أوضح الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، أنه في عهد الدكتور أحمد الطيب تغيّر موقف الأزهر مجددًا تجاه التطبيع مع إسرائيل، حيث رفض الإمام الأكبر التطبيع الديني وتبادل الزيارات الدينية وإرسال وعاظ الأزهر لإحياء ليالي شهر رمضان؛ بسبب دخولهم إلى الأراضي الفلسطينية بتأشيرة من السفارة الإسرائيلية في القاهرة، مؤكدًا لـ"إيلاف" أن شيخ الأزهر يرى أن حل القضية الفلسطينية شرط أساسي لزيارة علماء الأزهر لدولة فلسطين أو المسجد الأقصى.

وأشار إلى أن الأزهر ليست له علاقة بالتطبيع السياسي الحالي الذي تقوم به الدولة مع "الكيان الصهيوني"، فهذا الأمر جائز في إطار اتفاقيات السلام بين القاهرة وتل أبيب.

وأوضح وكيل الأزهر أن "الأزهر وشيخه يرفضان زيارة تل أبيب أو المسجد الأقصى أو المساجد هناك في ظل وجود الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وهذه ثوابت، وما حدث من قبل بزيارة علماء في الأزهر للقدس جاء بشكل فردي، وكذلك بالنسبة إلى الآراء التي طالبت بزيارة الأراضي الفلسطينية والقدس".

وعن الدعوة الأخيرة لزيارة الطيب من قبل أئمة مساجد (حيفا ويافا)، قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر: "إن المشيخة لم تتلقَ أي دعوة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، بجانب أن مشيخة الأزهر لا تتعامل مع المدعو عمر سالم، الذي لا يمثل الأزهر بشيء، ويدّعي كذبًا انتماءه إلى الأزهر".

رفض برلماني&
في السياق عينه، قال الدكتور عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية في مجلس النواب: "إن اللجنة الدينية ترفض تلك الزيارة في حال وصولها بشكل رسمي إلى المشيخة"، معتبرًا الزيارة في حال حدوثها "تخدم دولة إسرائيل"، حيث ستستغل جيدًا "لترويج الحكومة الصهيونية بأنها دول تنشر السلام وتحتوي الأديان كافة على أرضها، وهذا ما يتعارض تمامًا مع ما يقوم به الاحتلال الصهيوني من اقتحام المسجد الأقصى بصفة دورية".

وطالب الأزهر والكنيسة بالتمسك برفض التطبيع الديني مع تل أبيب إلى حين حل القضية الفلسطينية بشكل يرضي الشعب الفلسطيني الشقيق.