لندن: كان هلموت كول الذي توفي يوم الجمعة عن 87 عاماً شخصية عملاقة في فترة ما بعد الحرب، أعاد توحيد المانيا بعد 45 عاماً من الحرب الباردة وطرح رؤية لوحدة اوروبا، كان شديد التمسك بها ونال ثناء موسكو وواشنطن على تعامله الحاذق مع سقوط جدار برلين.

يتذكر كثيرون المستشار الالماني الراحل بأنه سياسي من العيار الثقيل أعاد تشكيل البناء السياسي في اوروبا بإزالة حقول الالغام وابراج المراقبة على امتداد الستار الحديدي واستعاض على المواجهة الخطيرة بين جيوش حلف الأطلسي وحلف وارسو بتعايش مديد بين الغرماء السابقين.

عمل كول الذي كان ضخم البنية من اجل مصالح بلده المانيا بتصميم عنيد واصفاً نفسه بأنه يمكن ان يصبح "فيلا في متجر للخزف الصيني". وتمكن من تذليل المعارضة الاوروبية لتوحيد المانيا مستخدمًا طريقته في التعامل مع المعارضة السياسية في الداخل، أي بقوة شخصيته التي تجمع بين الود والسطوة.

وبخلاف الكثير من الالمان كان كول لا يخجل من التعبير عن اعتزازه بما كان يسميه في احيان كثيرة "وطننا، وطن الآباء" حتى عندما كانت هذه التسمية تثير قلق كثيرين عانوا على يد بلده في الحرب العالمية الثانية.

كان كول سياسياً طيلة الشطر الأعظم من حياته. وتولى منصب المستشار 16 عاماً ابتداء من 1982، أطول من أي زعيم الماني آخر منذ بسمارك. وقاد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي كأنه ضيعته.

انتهت حياة كول السياسية بهزيمة في انتخابات 1998 وتلوث سجله لاحقاً بتداعيات فضيحة تتعلق بجمع اموال لحزبه.

ولكن هذه لم تكن الصورة التي ظهرت في الكثير من الكتابات والتصريحات، التي تنعى كول منذ اعلان وفاته يوم الجمعة.

ميركل: سيدخل التاريخ

واعلنت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل " أن حياته انتهت لكنه سيدخل التاريخ". واضافت بصوت متهدج " بعد مرور بعض الوقت سندرك جسامة ما فقدناه حقاً".

واشاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالمستشار الالماني الراحل على دوره في توحيد المانيا وتعزيز الصداقة الفرنسية ـ الالمانية. وأمر رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر بتنكيس اعلام الاتحاد الاوروبي تكريمًا لكول. 

عاش كول سنواته الأخيرة معتلاً على كرسي متحرك بعد ان اسفرت سقطة عن اصابة في رأسه عام 2008 أضعفت قدرته على النطق. وبدلا من تركيز المنتقدين على انجازاته اخذوا ينبشون في حياته الخاصة. وانتحرت زوجته الأولى هانيلورا كول عام 2001 بسبب حساسية نادرة من الضوء فرضت عليها العيش في الظلام. 

وبعد فترة وجيزة على حادثة سقوط كول في عام 2008 اعلن نيته في الزواج من رفيقته مايكة ريختر، التي تصغره 35 عاماً، وكانت تعمل مستشارة اقتصادية في مكتب المستشار. واتُهمت لاحقاً بمنع الوصول اليه والى ارشيفه. 

امضى كول حياته السياسية كلها بعد الحرب في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي حديث الولادة وكان هدفه الأول والأخير إعادة بناء المانيا في اطار اوروبا موحدة.

أقام علاقات قوية مع بوش الأب

كان كول يدرك أن إعادة توحيد المانيا ليست ممكنة من دون دعم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. فأقام علاقات قوية مع الرئيس جورج بوش الأب والرئيس ميخائيل غورباتشوف. كما اقام علاقة ودية مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران الذي ساعده على تبديد مخاوف رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر من اعادة توحيد المانيا.

وحين اهتزت الوحدة الاوروبية تحت وطأة الركود الاقتصادي في السنوات الأخيرة كان كول صريحاً في انتقاد من جاؤوا بعده قائلا انهم "دمروا اوروبتي". وأخذ عليهم ، من بين اشياء أخرى، اصرارهم على التقشف المالي بعد الركود العالمي الذي بدأ عام 2007. ولكنه نفى انه وصفهم بالبلاهة كما نُقل عنه في كتاب يتناول سيرة حياته وتركته السياسية. 

وبصرف النظر عن الضغائن التي لاحقت كول في الداخل، فإن مكانته بين الحلفاء السابقين على المسرح الدولي ظلت رفيعة. وكتب الرئيس الاميركي السابق بيل كلنتون في مذكراته الصادرة عامة 2004 أن كول "كان ، في اكثر من حجم بنيته، أكبر شخصية في القارة الاوروبية على امتداد عقود". وفي بيان اصدره بوش الأب وصف كول بأنه "صديق حقيقي للحرية والرجل الذي اعتبره من اعظم القادة في اوروبا بعد الحرب".

 

أعدّت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف عن «نيويورك تايمز». الأصل منشور على الرابط التالي:

https://mobile.nytimes.com/2017/06/16/world/europe/helmut-kohl-german-chancellor-dead.html?_r=0&referer=