سجلت نسبة المشاركة في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية تراجعًا كبيرًا بعد ظهر الأحد، وبلغت 35.33 في المئة مقارنة بـ40.75 في المئة في التوقيت نفسه يوم 11 يونيو، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية.

إيلاف - متابعة: يصوّت الفرنسيون الأحد بأعداد قليلة في الدورة الثانية من انتخابات تشريعية يتوقع أن تمنح غالبية ساحقة من النواب للرئيس إيمانويل ماكرون، مطلقة يده لتنفيذ إصلاحاته في مواجهة معارضة ضعيفة.

واذا استمر هذا المنحى، فإن المشاركة قد تتراجع الى مستوى ضعيف تاريخياً في هذه الانتخابات، التي يتوقع ان يحقق فيها حزب الرئيس ايمانويل ماكرون فوزًا ساحقًا.

وحده حجم انتصار حزب "الجمهورية إلى الأمام" الرئاسي ما زال موضع تساؤلات. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيفوز بما بين 400 و470 مقعداً نيابياً من اصل 577 في الجمعية الوطنية، محققاً واحدة من أكبر الغالبيات حجمًا في حقبة الجمهورية الخامسة التي بدأت عام 1958، ولن يبقى سوى فتات للأحزاب الأخرى.

وازاء هذا المد المعلن، لم يبدِ الناخبون الكثير من الاهتمام، الأمر الذي برره خبراء السياسة بملل الفرنسيين، بعد سلسلة طويلة من عمليات الاقتراع، بدأت في نوفمبر مع الانتخابات التمهيدية لليمين.

لم يتخطَ عدد الذين أدلوا بأصواتهم حتى الساعة 10,00 ت غ 17,75% من أصل 47 مليون ناخب مسجل، بتراجع كبير عن نسبة التصويت في الدورة الأولى في 11 يونيو (19,24%)، وأقل أيضًا من الدورة الثانية في 2012 (21,41%). وبهذه الوتيرة، فإن الامتناع عن التصويت قد يتخطى المستوى التاريخي الذي سجل في الدورة الأولى، وبلغ 51,29%.

وقالت المدرسة ناتاشا دوميه (59 عامًا) لدى الخروج من مكتب تصويت في بانتان بمنطقة باريس، "إن نسبة امتناع مماثلة ليست أمراً طبيعياً. إن قلة الاكتراث العامة هذه تكشف عدم الاهتمام السائد في البلاد. المشكلة أن الناس سينزلون بعد ذلك إلى الشارع للشكوى".

وتفتح مكاتب التصويت أبوابها حتى الساعة 16,00 ت غ وحتى الساعة 18,00 ت غ في المدن الكبرى. وأدلى الرئيس ماكرون بصوته في الصباح في منتجع توكيه الساحلي، حيث يمتلك مع زوجته بريجيت مسكناً ثانوياً. ولم تكن زوجته بجانبه، خلافاً للانتخابات السابقة. وبعد ذلك، قضى الرئيس وقتًا طويلاً يصافح الحشود ويلتقط صور "سيلفي" مع مؤيدين له، وعلى وجهه ابتسامة عريضة.

وبعدما كان مجهولاً تمامًا من الرأي العام قبل ثلاث سنوات، بات أصغر رئيس عرفته فرنسا حتى الآن، والذي فاز في سن 39 عامًا على شخصيات سياسية بارزة، على وشك كسب رهانه الأخير، وهو الحصول على غالبية واسعة في الجمعية الوطنية (مجلس النواب في البرلمان الفرنسي) تمكنه من الشروع في إصلاحاته الليبرالية الاجتماعية.

وأعلن ثلاث أولويات في مشروعه، هي فرض معايير اخلاقية على الحياة السياسية واصلاح قانون العمل وتعزيز سبل مكافحة الارهاب.

بحث يائس عن معارضة
في الدورة الاولى، فازت الحركة التي اسسها ماكرون منذ عام فقط بـ32,3 في المئة من اصوات المقترعين وازاحت حزبي اليمين واليسار التقليديين، اللذين كانا يهيمنان على الحياة السياسية الفرنسية منذ عقود.

واحتل المرتبة الثانية لكن بفارق كبير حزب الجمهوريين اليميني الذي حصل على 21,5 بالمئة من الاصوات، ثم اليسار الراديكالي (13,7 بالمئة) فاليمين المتطرف (13,2 بالمئة) والحزب الاشتراكي الذي حصل على 9,5 بالمئة من الاصوات. وهذا يعني ان المعارضة تشكل نسبة ضئيلة بسبب نظام الغالبية الفرنسي.

عنونت صحيفة "لوباريزيان" السبت "بحث يائس عن معارضة"، ملخصة بذلك القلق حيال جمعية وطنية يطغى عليها لون واحد.

ولا يمكن لليمين أن يأمل سوى بستين إلى 132 مقعدًا في الجمعية الوطنية، حسب التقديرات، مقابل اكثر من مئتين حاليًا، في حين أن الحزب الاشتراكي الذي كان يشغل نصف مقاعد الجمعية الوطنية المنتهية خلال الولاية الرئاسية لفرنسوا هولاند، لا يمكنه الاعتماد على اكثر من بضع عشرات من النواب.

اما اليمين المتطرف واليسار الراديكالي، اللذان كان كل منهما يطمح لقيادة المعارضة، فلم يتمكنا من الحصول على النتائج الجيدة نفسها التي سجلاها في الانتخابات الرئاسية.

فاستطلاعات الرأي ترجح فوز مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، التي خسرت امام ماكرون في الانتخابات الرئاسية، في معقلها الشمالي اينان بومون، لكنها قد تكون النائبة الوحيدة لليمين المتطرف في الجمعية الوطنية.

اما حزب فرنسا المتمردة بزعامة جان لوك ميلانشون والحزب الشيوعي، فيأملان في الحصول على عدد كافٍ من النواب (15) يسمح بتشكيل كتلة برلمانية. في مواجهة "موجة ماكرون"، كان سياسيون كثيرون يكافحون لإنقاذ مقاعدهم، بينهم الوزير العمالي السابق مانويل فالس والنائبة اليمينية عن باريس ناتالي كوسوسكو موريزيه.

وبتأهل 222 فقط من النواب المنتهية ولاياتهم الى الدورة الثانية، ونسبة نساء مرشحات تصل الى اربعين بالمئة، ستنبثق عن هذه الانتخابات جمعية وطنية تم تجديدها بعمق وتتسم بمشاركة نسائية كبيرة. ويبدي البعض استياءه من هذا التغيير الكبير الذي يتجلى في وجود عدد كبير من النواب الجدد، حيث أن نصف نواب "الجمهورية الى الامام" ينتمون الى المجتمع المدني، ولم يسبق لهم أن شغلوا مناصب بالانتخاب من قبل.

وقال النائب الاشتراكي أليكسي باشليه الذي هزم في الدورة الأولى، لصحيفة لوباريزيان، "يكفي إلصاق رأس ماكرون، ويصبح بإمكان أي فأر صغير إحراز 40%" من الأصوات. وقال الخبير في الدستور ديدييه موس: "قضينا على كل ما يمثل نظامًا سابقًا وإننا نختبر شيئاً مغايرًا"، متوقعاً أن تؤدي الانتخابات إلى "أكبر عملية تجديد للطاقم السياسي منذ 1958 وربما منذ 1945".