يقر القيادي البارز بحركة النهضة التونسية، عبد الحميد الجلاصي، في حوار مع "إيلاف"، بأنّ قانون المصالحة مع فاسدين في نظام بن علي والذي تقدم به رئيس الجمهورية، يخالف الدستور، مبديًا ثقته في نوايا رئيس الحكومة الذي أطلق حربًا ضدّ الفساد.


حاوره مجدي الورفلّي من تونس: إعتبر القيادي التاريخي في حركة النهضة التونسية، عبد الحميد الجلاصي، في حوار خصّ به "إيلاف"، أن قانون المصالحة المثير للجدل الذي تقدمت به رئاسة الجمهورية للعفو عن رجال أعمال وموظفين تورطوا في نهب مال عام، "يتعارض مع حملة الفساد التي أطلقتها الحكومة في الآونة الأخيرة"، كما رأى أن "هناك نقصًا في التضامن بين مكونات حكومة الوحدة الوطنية، واكثر النيران الموجهة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد هي نيران صديقة، وأولها من حزبه حركة نداء تونس".

وبخصوص ما يٌعرف بقضية "الفصل بين الدعوي والسياسي في حركة النهضة" أو "التخصّص"، فقد وصفها القيادي المؤثر في النهضة بـ"المغامرة"، ولكنها "نجحت وأتاحت لمناضلين في الحركة اختيار المناشط التي يمكنهم ان يبدعوا فيها اكثر، وهو ما لم يكن متاحًا قبل الثورة بإعتبار ان الدولة الشمولية يجب مواجهتها بتنظيمات تنحو نحو الشمولية"، على حدّ تعبيره.

في ما يلي نص الحوار كاملا:

ما تقييمكم كحركة النهضة لعمل حكومة يوسف الشاهد منذ توليها الى الساعة؟

إنجازات حكومة السيد الشاهد بعد عشرة اشهر من توليها مهامها متفاوتة حسب المسارات والملفات، إذ يمكن اعتبارها مقبولة&في ملف مقاومة الارهاب حيث لم تشهد بلادنا والحمد لله أي عملية ارهابية، بما يعني أن المؤسسة الأمنية تراكم الخبرة وتبني على ما تحقق من إصلاحات وتحسينات منذ سنوات، في حين أن الأداء الأمني في ما يتعلق&بمكافحة الجريمة اكثر تواضعًا.

أما بخصوص أداء الحكومة الحالية في الملفّ التنموي، فهو متواضع رغم المجهود المبذول في دفع البنية الاساسية، حيث مازلنا نشتغل بمنهج العلاجات الموضعية ولم نفلح بعد في بعث رسالة امل قوية للتونسيين عمومًا وللشباب خصوصًا، مفادها ان الاصلاحات الكبرى قد انطلقت وأن عجلة الاقتصاد تدور بما يوفر مواطن شغل لائق، وآمل أن يستخلص الجميع الدرس مما حصل في محافظة تطاوين (جنوب) وان نشرع في سياسة تنموية شاملة واستباقية لا تكون مجرد متنفس عبر خلق حلول وقتية تندلع بعده المطلبية في اكثر من جهة.

من اليسار إلى اليمن: عبد الحميد الجلاصي، راشد الغنوشي (رئيس حركة النهضة)، علي العريض (أمينها العام)

وفي ما يخصّ ملفّ مقاومة الفساد فلم يتحرك الملف الا متأخرًا، وقد لاقى ترحيبًا من الجميع، ونأمل ان يتواصل، وأن يكون سياسة ومسارًا بعيدًا عن شبهات الانتقائية وخرق الدستور.

بصفة عامة&ما يحسب لحكومة السيد يوسف الشاهد انها حافظت على الاستقرار، ولكنها بدت مترددة في الانجاز، ضعيفة في التواصل وفي التضامن، اما عن الجهة المسؤولة عن تواضع هذا الأداء، فاعتبرُ ان الحكومة تتحمل نصيباً كبيراً من المسؤولية، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على المنظومة الحزبية أساسًا وعلى تفاوت التضامن بين مكوناتها.

غياب التضامن الحكومي

هل تعني أننا الآن لا نتحدث فعلاً عن حكومة وحدة وطنية؟

من الناحية الشكلية يمكن الحديث عن حكومة وحدة وطنية ولكن فعليًا لا، فالواضح ان هناك نقصًا في التضامن بين مكونات حكومة الوحدة الوطنية، واكثر النيران الموجهة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد هي نيران صديقة وأولها من حزبه حركة نداء تونس، وكذلك من بعض الاحزاب الصغيرة التي تستعد للانتخابات البلدية القادمة من خلال التشكيك والابتزاز ومحاولة احتكار ملف مقاومة الفساد، في حين ان عددًا من مسؤوليها تحوم حولهم شبهات، مع الإشارة الى أن نفس السلوك أُعتُمد مع رئيس الحكومة السابق السيد الحبيب الصيد &يعتمد حاليا مع السيد الشاهد.

ولكن لا تزال أمامنا فرصة لتكون الحكومة حكومة وحدة وطنية حقيقة بشرط أن يبدي رئيس الحكومة شيئًا من الصرامة، وإحساسًا بالمسؤولية من الاحزاب وخاصة تلك المكونة للحكومة على غرار&حركتي النهضة ونداء تونس، وبطبيعة الحال المنظمات الوطنية الكبرى. وبالمناسبة، أعبر عن كثير من الارتياح لأداء الإتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) ودوره في دفع المصلحة الوطنية العليا.

آفة الفساد&

بالحديث عن ملفّ الفساد، وبعد اعتقال رؤوس كبيرة، ما رأيكم في حملة الشاهد ضدّ الفساد؟ هل تعتقدون أنها جدية وستكون شاملة ومتواصلة؟ أم فرضها الواقع على فئة من "الفاسدين" فقط، تحت ضغط صندوق النقد الدولي لمحاربة التهريب والإقتصاد غير الرسمي؟

الفساد سرطان ينخر البلاد، وهو منتشر في مفاصل الدولة لدرجة انه اصبح واقعًا يتعايش معه التونسيون، وبالتالي، مواجهته اكثر من ضرورة بل لعلنا تأخرنا في ذلك، كما انه ليس هناك أي ضير أن تلتقي سياستك في بعض النقاط &مع سياسة بعض شركائك، وما يمكن ان أؤكده أن لي ثقة في جدية رئيس الحكومة السيد الشاهد.

اجتماع سابق لمجلس شورى حركة النهضة

حتى على افتراض وجود نوايا وحسابات من طرف السيد الشاهد، فإن المبادرات تصبح بمجرد طرحها مجالاً للتدافع، لذلك أدعو الاحزاب والمنظمات لاحتضان هذا المسار، والدفع حتى يكون مسار محاربة الفساد شاملاً غير انتقائي، ومنضبطًا للدستور، وعلى كل حال معركة الفساد واسعة وقد تكون شرسة مما يستوجب تشجيع رئيس الحكومة للتقدم واستكمال ما قد يوجد في الخطوات المقطوعة لحد الآن من نقائص.

ألا ترون تعارضًا بين الحملة على الفساد و"قانون المصالحة"، الذي يستعد البرلمان للعودة الى مناقشته؟

نعم بلا شك يوجد تعارض، فقانون المصالحة في صيغته الحالية يثير اكثر من اشكال في علاقته بالدستور وبمسار العدالة الانتقالية، كما يثير اكثر من إشكال في السياق الحالي المتسم بالاحتجاج الاجتماعي وبداية حملة مقاومة الفساد، إذ أنّ طرح القانون حاليًا يعطي رسالة سلبية اولى، وهي تجاهل "تونس المحظوظة لصوت "تونس المهمشة"، كما يلقي كثيرًا من الظلال حول جدية الحكومة في مقاومة الفساد.&

في تقديري من الأحرى أن يتم تأجيل طرح مشروع قانون المصالحة أو تجريده بصفة كلية من شبهات تعويض مسار العدالة الانتقالية وخرق الدستور والتساهل مع الفساد، خاصة ان هناك أفكارًا كثيرة مطروحة في البرلمان من طرف الكتل البرلمانية أهمها الفصل بين التجاوزات التي قام بها موظفو الادارة عن التجاوزات ذات الطبيعة المالية والإقتصادية مع استكمال بعض النقائص في قانون العدالة الانتقالية.

ولكن المهم بالنسبة لنا أن رئاسة الجمهورية، الجهة المبادرة بمشروع قانون المصالحة أعلنت عن إنفتاحها على كل المقترحات والتعديلات التي يقع التوافق عليها تحت قبة البرلمان.

التوافق بين "النهضة" و"النداء"

رغم مرور سنتين على ما وقع تسميته بـ"تحالف النهضة والنداء" إلا أن الإنتقادات للحركة لم تتوقف وأحدثها تلك التي تلت الإعلان عن "الهيئة المشتركة" بين الحزبين؟

نتائج انتخابات 2014 لا تعطي خيارات كثيرة في الحكم، فلا حزب نداء تونس يمكنه ان يحكم حكماً مستقراً دون حركة النهضة، ولا النهضة وجدت وضعاً مستقراً يمكن ان تختار معه موقع المعارضة، ولما يتشارك حزبان في الحكم من الطبيعي أن يبحثا عن آليات للتنسيق.

سنبحث عن آليات للتنسيق الثنائي ومتعدد الأطراف ايضًا.

في هذا السياق، يعتبر كثيرون أن نظام الإقتراع &الحالي لا يتيح لحزب الحكم الفوز بأغلبية مريحة وواضحة، ويدعون الى تغيير النظام السياسي الذي يوصف بانه يفتت آليات الحكم وإتخاذ القرار، ويعتبرون أن الأنسب لتونس هو النظام الرئاسي. ما تعليقك؟

في تقديري لا يتم الحكم على الأنظمة السياسية والانتخابية بصورة مجردة والا لكانت لنا صورة واحدة لكليهما هي الصحيحة وغيرها خاطئ، فهذه الأنظمة يحكم عليها من منطلق التناسق الداخلي وايضًا ضمن سياقاتها التاريخية وكلا النظامين صيغا في بلاد عانت من استفراد حزب واحد بشؤونها لعقود كما عانت من مساوئ النظام "الرئاسوي"، وبالتالي كان النصان (المنظمين للانتخابات والنظام السياسي المعتمد) مسكونين بتوسيع قاعدة التمثيل السياسي والتصدي لتركز السلطة، وكثيرون ايضًا ناقشوا القوانين في سياق التفوق النسبي لحركة النهضة.

وقد إتضحت الان نتائج هذه الخيارات، ومع ذلك لا أظن انه سيتم تغييرها لان الجهة المشرّعة هي الجهة المستفيدة منها، كما اعتقد ان البلاد محتاجة سياسيًا الى نظام انتخابي يساعد على التوافق، فلا حزب بامكانه، ولا من مصلحته، الحكم &منفردًا حتى ان سمحت له نتائجه بذلك.&

الإنتخابات البلدية

هل يمكن الحديث عن فرضية تحالف النهضة والنداء في الإنتخابات البلدية المقبلة؟

الاخوة في حركة نداء تونس اختاروا التقدم بقائمات خاصة بهم، ونحن نحترم الخيارات السيادية للاحزاب.

هناك أحزاب ترفض تاريخ الإنتخابات البلدية، وتعزز موقفها نظرًا للوقت الذي يتطلبه سد الشغور في هيئة الإنتخابات، وصعوبة المصادقة على قانون الجماعات المحلية قبل التاريخ المعلن سابقا؟

تونس تستعد لانتخابات بلدية مهمة ودستورها الجديد يقرّ لا مركزية الحكم

تأخرنا كثيرًا في إجراء هذه الانتخابات، وإنجازها سيخفف الضغط عن السلطة المركزية، اما وضع هيئة الانتخابات والإستقالات الثلاث في صلبها فستُعالج في أسرع وقت، وسيتم سدّ الشغور الحاصل، كما ان اللجنة البرلمانية المختصة تعمل بنسق سريع وجدي حتى تكون مجلة (قانون) الجماعات المحلية جاهزة لعرضها للتصويت في الجلسة العامة خلال شهر أكتوبر المقبل، مما يعني انه لو تضافرت الجهود سيكون موعد ديسمبر 2017 مجديًا لإجراء الإنتخابات البلدية.

بما أن فكرة التحالف غير قائمة لدى النهضة، هل ستدفع بمرشحين في كل الداوئر البلدية (350 دائرة) بقوائم من منتسبيها، أم ستضطر للإستنجاد بمقربين منها أو مستقلين ؟

سنشارك في كل الدوائر الإنتخابية، وسنكون منفتحين على كفاءات محلية تتسم بنظافة اليد ولنا نقاط إلتقاء معها في البرامج، فهذه الانتخابات ستدفع الحركة الى مزيد من الانفتاح، وهو خيار تنظيمي قديم وقع تدعيمه في المؤتمر العاشر لحركة النهضة.

بين السياسي والدعوي..

هل يمكن القول إنه بعد إنتهاء المؤتمرات الجهوية للحركة ينتهي مسار الفصل بين الدعوي والسياسي هيكليًا؟

المؤتمرات الجهوية لها مقاصد عديدة منها تجديد هياكل اشتغلت في ظروف صعبة منذ ربيع 2012 وساهمت في حماية الدولة من مواقع مختلفة فأصابها الإنهاك، ومن بين مقاصد المؤتمرات الجهوية دعم مسار التشبيب والتأنيث والدعم بكفاءات جديدة. فمتوسط العمر في النهضة يتقدم والشباب في تونس ينفر من العمل السياسي، والطاقات النسائية رغم انها تكتسح الجامعات والمسؤوليات العليا في الادارة والقضاء ومؤسسات الانتاج إلا ان التمكين السياسي للمرأة في الدولة والاحزاب والمجتمع المدني لا يزال ضعيفًا، إذن هذه أحد اهم مقاصد المؤتمرات الجهوية أو الورشة الديمقراطية الواسعة التي شملت كامل تونس خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

وكذلك من مقاصد الانتخابات الجهوية تنزيل خيار التخصص أي الفصل بين المناشط السياسية المتعلقة بالحكم والتنافس عليه لتقوية الدولة، والمناشط المجتمعية، ومنها المنشط الدعوي، والتي تهدف الى تقوية المجتمع لإحداث توازن مع الدولة وللاستفادة من المناخ الديمقراطي الذي يرى فيه الجميع الهدية الكبرى لثورتنا، حيث يتم التمايز بين المجالات والفضاءات ويصبح لكل منها كراس شروطه الخاص.

فالدولة المستبدة والشمولية تواجَه بتنظيمات تنحو هي ايضاً نحو الشمولية، اما في الوضع الديمقراطي فلا تقبل لا هيمنة الدولة ولا شمولية الاحزاب خاصة قانونيًا، كما ان مقتضيات النجاعة وحُسن التصرف في الموارد البشرية تستدعي انتشاراً جديدًا.

وعلى كل، أرجو ان يستفيد اخواننا في الاحزاب التونسية من هذه التجربة /المغامرة بتنزيل التخصص أو الفصل بين المناشط.

هل خسرت النهضة قيادات وعناصر فاعلة في إطار الفصل بين الدعوي والسياسي، بمعنى قيادات إختارت الدعوي وتخلت عن الفعل السياسي الحزبي ؟

لم تخسر حركة النهضة، ولكن البلاد والمجتمع المدني والساحة الدينية كسبت وجوهًا رصينة ومنفتحة وتجديدية، كما انه أتيح لمناضلين اختيار المناشط التي يمكنهم ان يبدعوا فيها اكثر، وهو ما لم يكن متاحاً قبل الثورة الديمقراطية.

بإنتهاء الفصل بين الدعوي والسياسي أو إعتماد التخصّص أي قول يستوي: النهضة خرجت من عباءة الإخوان المسلمين أم انها تمثل تطورًا لتيار الإخوان فرضته الاحداث والتغييرات المحلية والإقليمية ؟

نحن نحترم كل التنظيمات السلمية المعتدلة ونكبر تضحياتها ونتعاطف مع الضحايا ونرفض سياسات الاستئصال، ونؤكد ان النهضة حركة تونسية نهلت من موارد متعددة، إسلامية بما فيها من التيار الاخواني ويسارية وقومية وليبرالية ونقابية، ولذلك فان خاصية التجدد والتطوير هي خاصية بنيوية في النهضة.

وبالطبع، فان السياق الديمقراطي ما بعد الثورة سمح للحركة ان تخرج من معركة المحافظة على الوجود الى معركة التجديد، وخلال ذلك نتفاعل ونتكيف مع الاوضاع، ففي السياسة يمكن ان تصل الى مواقف وسط، اما في ما يخصّ الأفكار، فالتجديد الأصيل والدائم هو الذي ينطلق من حاجة وقابلية داخلية.

جدل المُفطرين

ما رأيك في اصدار احكام بالسجن على مفطرين أو معاقبة المجاهرين بالافطار بتهمة المجاهرة بالفحش طبق القانون الجزائي الحالي؟

من الناحية الإجرائية البحتة لمّا توضع القوانين، فإنما توضع للتطبيق، وتعدل ان اتضح عدم نجاعتها او تناقضها مع مبادئ دستورية عليا، اما من الناحية السياسية اعتبر ان سعي البعض لطرح بعض المواضيع الحساسة ذات العلاقة بالدِّين في هذه المرحلة دليل على ضياع البوصلة، بقطع النظر عن صواب الموقف او خطأه، لان مجرّد الطرح سيصبّ في مصلحة التيارات المتشددة خاصة اننا في مجتمع محافظ بطبعه.&

الجلاصي: المجاهرة بالافطار في رمضان استفزاز

اما من الناحية الانسانية فإن التجاهر بالإفطار هو استفزاز واعتداء على قواعد العيش المشترك.

الداعمون لسجن المفطرين يستندون إلى فصل دستوري يقر حماية الدولة للمقدسات، والرافضون يسندون على أنّ الدولة تضمن حرية الضمير، الا ترون تناقضًا في الدستور مما سيولّد اشكالات خلال صياغة أو تعديل القوانين الجديدة؟

توجد التأويلات المتناقضة عادة، وفي ذلك يتم اللجوء الى استقصاء مقاصد المشرع عند وضع النصوص، وكذلك الى السياقات الحافلة بالمراجعات او التعديلات.

الأزمة القطرية

ما موقفكم من الازمة التي جدت بين دول الخليج وقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر؟

لا يمكن لأي عربي أن يسر بأي خلاف يحصل في المنطقة التي اصبحت للاسف المنطقة الرخوة في العالم، فاداء الجامعة العربية باهت، واتحاد المغرب العربي في حالة موت سريري، وبالتالي كنا نعول على مجلس التعاون الخليجي كإطار يحمل آمالنا في العمل المشترك، و ربما خميرة لوحدة قد تأتي يومًا ما.

ما حصل خطأ في المضمون والتوقيت والمنهجية، فكثيرا ما تحصل أزمات بين دول متجاورة، ويقع اللجوء الى الوساطة والتحكيم والتدرج في العقوبات، وهذا لم يحصل. على كل لا يمكن لعاقل ان يقبل حصاراً شاملاً لشعب بأكمله في شهر رمضان ولا يمكن لعاقل ان يحصل التلبيس بين الارهاب والمعارضات السلمية، ولا يمكن لأحد أن يفهم أو يتفهم وصم المقاومة الفلسطينية بالارهاب.

والخشية ان تكون جهات لا تريد الخير لأي طرف هي التي تشعل فتيل الخلاف وتدق طبول الحرب من اجل مصالح تجارية وإستراتيجية لا تخفى على أحد، ولكن المطمئن انه بعد اندفاعات الساعات والايام الاولى للأزمة أصبحنا نرى صوت العقل يحتل مكانه والجميع يسعى لاحتواء الموضوع ونزع فتيل التنازع بين الإخوة في الخليج العربي.

هل يمكن ان تكون لتلك الازمة تأثيرات على الداخل التونسي ؟

ربما تكون بعض الجهات خططت لتصدير الأزمة الى تونس، غير ان التجربة بينت ان التونسيين قد يختلفون حتى اختلافات عميقة احيانا، و لكن لا يصل بهم الخلاف الى تهديد تجربتهم الديمقراطية ولا الى خيانة دماء شهدائهم، ولذلك فإن التونسيين وفي إطار تفاعلهم مع الأزمة اصطفوا وراء خيار الحكمة وتجميع الاشقاء. وفي معارك الاشقاء لا أحد بامكانه ان يزعم أنه فائز.