إيلاف من برلين: يعرف العلم منذ زمن بعيد بوجود فرق ظاهر بين خلايا الجهاز العصبي المركزي وخلايا الجهاز العصبي المحيطي في القابلية على ترميم نفسها. وبينما يمكن للخلايا العصبية (الاكسون) في عصب صغير في اصبع اليد أن يرمم نفسه بعد تضرره، تعجز الخلايا العصبية في الدماغ أو النخاع الشوكي أو العين عن ترميم نفسها بنفس الشاكلة.

وطبيعي، فإن عدم القدرة على ترميم النفس في أعصاب النظام المركزي يؤدي إلى حالات الشلل الدائم بعد السكتات الدماغية، أو بعد التعرض إلى حوادث خطيرة أو الإصابة بمرض التصلب المتعدد. ويمكن لتحفيز قدرة الأعصاب على النمو ان ينقذ الملايين من الحركة على كرسي المقعدين ومن العمى.

وذكرت جامعة هاينريش هاينه في دسلدورف في تقرير صحفي لها أن البروفيسور ديتمار فيشر، المتخصص بجراحة الأعصاب في جامعة سلدورف الطبية، توصل إلى معرفة سبب الفرق بين قابلية الأعصاب المركزية والمحيطية على ترميم نفسها. كما نشر العلماء تقريرهم في العدد الجديد من مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences PNAS.

دور مهم لانزيم GSK3

ركز فيشر وفريق عمله في أبحاثهم على دور انزيم معين في صناعة الفرق في القدرة على النمو في الخلايا العصبية في الجهازين العصبيين المركزي والمحيطي. ولاحظ فريق العمل أن الانزيم الذي يحمل اسم(Glycogen synthase kinase-3, GSK3) كان يحفز نمو الأعصاب الصغيرة الممتدة من العصب الفخذي(عرق النسا)، لكنه يكبح قابلية نمو الخلايا العصبية في العصب البصري الذي يعتبر جزءًا من النظام العصبي المركزي.

وحينما كبح العلماء نشاط انزيم GSK3 في العصب البصري، وفي الجهاز العصبي المركزي عموماً، أدى ذلك إلى تحفيز نمو خلايا هذا العصب على النمو بشكل ظاهر.

توصل فريق العمل من دسلدوف أيضاً إلى السبب في اختلاف نشاط هذا الانزيم، وبالتالي الفرق في القدرة على ترميم النفس بين النظامين العصبيين المركزي والمحيطي. إذ انهم في الوقت الذي عثروا فيه على انزيمGSK3 المكبوح في خلايا الجهاز العصبي المركزي، وقعوا على بروتين آخر نشط في خلايا الأعصاب المحيطية يحمل اسم CRMP2 (Collapsin Response Mediator Protein-2)ويلعب دوراً حاسماً في قدرتها على ترميم نفسها.

وفي خطوة لاحقة عمل العلماء، في نماذج عصبية مصممة وراثياً، على تنشيط بروتين CRMP2 بشكل كبير في الجهاز العصبي المركزي. وادى ذلك ليس إلى وقف تأثير انزيم الكابح GSK3 فحسب، وإنما إلى تحويله إلى عنصر فاعل في تحفيز اعادة ترميم الخلايا العصبية في المركز.

إعادة ترميم الأعصاب

ويرى فريق العمل من جامعة هاينريش هاينه أن تحفيز GSK3في النظام العصبي المركزي سيؤدي إلى تحفيز نموها كما هي الحال في النظام العصبي المحيطي. وهذا يحمل أملاً كبيراً للمكفوفين أيضاً، لأن عملية النمو التي شهدها العصب البصري أثناء التجارب كانت من أعلى ما سجلت مقارنة بالأعصاب الأخرى، واستطاع العصب ان يعيد الوشائج مع الدماغ بعد ثلاثة أسابيع من العلاج فقط.

وكتب فيشر في مجلة PNASان فريق العمل أجرى تجاربه على الفئران، وعلى نماذج مصممة بالهندسة الوراثية، لكن النتائج تفتح آفاق التجارب في الواقع العملي. ويخطط فريق العمل لاجراء التجارب مستقبلاً على اعصاب بشرية متضررة مثل النخاع الشوكي والعصب البصري.

الجدير بالذكر أن البروفيسور الألماني فيشر يعمل في مجال إعادة ترميم الأعصاب المقطوعة منذ سنوات. وسبق له في العام الماضي ان تحدث عن استخدام عشبة برية في إعادة ترميم العصب البصري المتضرر عند المكفوفين. ونشر فيشر، من جامعة"هاينريش هاينه" في دسلدورف، في "جورنال العلوم العصبية"، أن خلاصة "عشبة الأم" سرعت عملية ترميم وتجديد الخلايا والألياف العصبية، في فئران الاختبار، بشكل يعد بعلاج جديد لحالات تضرر الأعصاب. وينطبق ذلك على الكثير من الحالات الطبية الناجمة عن مضاعفات مرض السكري، أو عن الإفراط في شرب الكحول وغيرها من الأمراض، كما تسري على الأضرار العصبية نتيجة الحوادث.

أجريت التجارب على فئران تعاني من أضرار بليغة لحقت بالعصب الوركي(عرق النسا)، واستطاعت خلاصة النبتة أن ترمم وتسرع عملية اعادة البناء بشكل لا يقاس بالسرعة الطبيعية. ويأمل الأطباء الآن أن تفعل"عشبة الأم" ذات المفعول على الأعصاب البشرية المتضررة.