إيلاف من واشنطن: لا شيء هادئاً في عهد دونالد ترمب. ربما لا منطق أيضًا، ولا فرصة لالتقاط الأنفاس، بل حوادث متسارعة وتصريحات جنونية وتيار جارف لا يهدأ من السخرية. 

هكذا تحوَّل الإعلام في عهد ترمب: حالة احتدام وانقسام استثنائية يشهدها الشارع الأميركي، تنعكس بدورها على الشاشات التي رفعت وتيرة التصعيد إلى الحد الأقصى، لنجد تيارًا إعلاميًا وترفيهًا كاملًا، كل عمله السخرية من ترمب الذي لا يترك فرصة هو الآخر، ليؤكد من خلال كثير من تصرفاته وتغريداته أنه "أضحوكة".

هكذا وصفت صوفيا ماكالين، الكاتبة المختصة في الكتابات الساخرة والحاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن وتأثيرات الثقافة السياسية على المجتمع، أسباب زيادة التيار منتقد ترمب على المنصات الإعلامية الساخرة، وبحث تلك الظاهرة إعلاميًّا ومجتمعيًّا.

السخرية... جماهيرية

تقول ماكالين لـ"إيلاف": "للسخرية دور كبير في إنارة العقل، وكشف الأقنعة، وتعرية الحقائق، وكأنها وسيلة لإعلامك أن تنتبه أن هناك شيئًا غير صحيح يحدث، فهذا ما تقوم به، بينما الأخبار لا تفعل ذلك في الأغلب، ولنكن واضحين، فبرامج السخرية السياسية أكثر صدقية من الأخبار الجادة وذلك يرجع لسبب واضح؛ تلك الأخبار سيئة لا تتمتع بالصدقية الكافية، بينما على العكس من مقدمي البرامج الساخرة، فهم ليسوا صحافيين، ولا يريدون أن يكونوا كذلك، بل هم كوميديون وترفيهيون، وأغلبية الجمهور تبحث عن السخرية والكوميديا في الدرجة الأولى، لكن في نفس الوقت يريدون منصات غير تقليدية لاستقبال الأخبار، ووسيلة لكشف ما يحدث حولهم.

ترد مكالين زيادة موجات السخرية في عهد ترمب إلى مجموعة من الأسباب: أولها أن ترمب نفسه شخص يمكنك أن تطلق عليه أنه شخص افتراضي، خارج قاموس الشكل الرئاسي أو حتى السياسة بشكل عام، فهو لا يكف عن خلق العداوات المتجددة وإشعالها، وإطلاق المسميات الساخرة على الشخصيات، إضافة إلى الحدة وتوجيه الانتقادات اللاذعة لكل شيء ضد قناعاته تقريبًا، والأمر لا يقتصر على الفترة الرئاسية الحالية فحسب. فحتى قبل الانتخابات الرئاسية، كان ترمب وسادة الملاكمة التي يوجه إليها مقدمو برامج الكوميديا انتقاداتهم وفقراتهم.

مشاهدات وإعلانات

توضح صوفيا أن هناك عوامل أخرى تفسر ذلك، ترتبط بطبيعة العمل الإعلامي عمومًا، فنجد أن التقويمات الأخيرة لكل من سيتفين كولبرت وتريفور نوح - هما مقدما أشهر برامج السخرية السياسية - قد وضعتهما في أعلى نسب المشاهدة التي حققاها، والسبب في ذلك يرجع أولًا إلى أنهم أصبحوا الأكثر جرأة في التحدث إلى السُلطة، وتوجيه الانتقادات المباشرة لها. 

من جهة أخرى مرتبطة بالناحية التجارية والإعلانية، للسخرية - وتحديدًا من ترمب - عامل قوي في جذب المشاهدات، وبالتالي جذب المعلنين، وطالما العقود الإعلانية موجودة، فملاك القنوات سيطالبون بالمزيد ويفتحون الفرص أكثر لذلك، لهذا وجدنا عددًا من البرامج الساخرة الجديدة تنطلق في الأفق وتؤدي الدور نفسه في السخرية من ترمب ومؤسسة الرئاسة.

أمّا توماس مينون، المدون والناشط عبر "يوتيوب"، فيقول لــ"إيلاف" إن الإعلام الليبرالي بشكل عام كان منحازًا ضد ترمب من الوهلة الأولى، "فالأمر لم يختلف بعد نجاحه في الفوز بالرئاسة، ما مثَّل صدمة لهم، لكل ممثلي هذا التيار من داخل أميركا أو في أوروبا، لذلك كان هناك تعمُّد واضح في الانقضاض على ترمب منذ اللحظة الأولى من فوزه بالرئاسة، وهو ما يستمر إلى الآن، فضلًا عن أن أغلب تلك المنصات موظفة سياسيًّا وإعلاميًّا، وكثير منها يدعم توجهات الحزب الديمقراطي، فلجوء ترمب لـ"تويتر"، على الرغم من الانتقادات الموجهة إليه عبر ذلك، كان من وجهة نظره باعتباره وسيلة بديلة لا تُخضعه تحت ضغوط المنصات الإعلامية التقليدية التي أعلن عبر أكثر من مرة تعمدها نشر الأخبار الكاذبة عنه واختلاق القصص الوهمية بهدف تخريب رئاسته وإطاحته، وأمر معلوم أن تيارات كثيرة تريد ذلك، وسط حالة الانقسام الشديدة التي يعيشها المجتمع الأميركي في الفترة الحالية.