مجدي الورفلي من تونس: أحدثت برمجة عرض للكوميدي الفرنسي التونسي ميشال بوجناح ضمن الدورة 53 لمهرجان قرطاج الدولي جدلا واسعا، ففي مقابل عديد الدعوات للمطالبة بإلغاء عرض الكوميدي اليهودي التونسي بسبب "مواقفه الداعمة لإسرائيل والصهيونية"، ظهرت اصوات داعمة لميشال بوجناح وللإبقاء على العرض المبرمج في 19 يوليو الجاري وهو ما أكده مدير المهرجان.

ويتواصل جدل برمجة عرض للكوميدي الفرنسي التونسي ميشال بوجناح ضمن الدورة 53 لمهرجان قرطاج الدولي، حيث تطالب منظمات واحزاب سياسية عدة بإلغاء عرض بوجناح، وهو يهودي تونسي، بسبب ما قيل عن "مواقفه الداعمة دون شروط للكيان الصهيوني ولإسرائيل" وهو ما تتحجج به الجهات الرافضة لصعوده على ركح مسرح قرطاج.

ورغم ان المسألة تتعلّق بعرض فني، إلا أنها أصبحت محلّ إهتمام الرأي العام في تونس واتخذت منحى سياسيا بحتا بعد دخول الإتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في تونس (حصلت على جائزة نوبل للسلام لسنة 2016)، على خطّ المطالبين بإلغاء عرض ميشال بوجناح المبرمج ليوم 19 يوليو، ودعا الاتحاد وزارة الثقافة إلى تحمّل مسؤولياتها والتحرّي في كلّ العروض التي تبرمج.

معلقة اشهارية لعرض ميشال بوجناح المُبرمج ليوم 19 يوليو الجاري

وأوضحت النقابة العمالية التونسية المعروفة بمساندتها اللامشروطة للقضية الفلسطينية، ان مطالبتها بإلغاء عرض ميشال بوجناح المبرمج في مهرجان قرطاج الدولي ليس بسبب ديانته اليهودية إنّما لـ"مواقفه الصهيونية ولمناصرته لكيان عنصري فاشي ووقوفه إلى جانب السفّاح شارون وقيادته تظاهرات داعمة له" وفق ما ورد في نص بيان صادر عن المنظمة القوية في تونس، وتحصّلت "إيلاف" على نسخة منه.

فتح المنافذ أمام إسرائيل

الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين زياد لخضر إعتبر في تصريح لـ"إيلاف" ان مهرجان قرطاج كان يعكس صورة تونس، ومثّل قِبلة كبار المسرحيين والقامات الفنية من كل أنحاء العالم التي تدافع عن ثقافة تقدمية، اما اليوم فقد أصبح - من وجهة نظر لخضر- مرتعا لأي كان،ولا يُستغرب ان يعتليه ميشال بوجناح، والأهم انه من المعروف عن ميشال بوجناح دعمه اللامشروط للكيان الصهيوني.

وتابع قائلا "معركتنا مع الكيان الصهيوني معركة تاريخية... معركة بقاء العرب او تذرّرهم ونحن نعيش حاليا مرحلة عصيبة، وبالتالي الإطاحة بكل الصمامات التي تحفظ الموقف العربي الموحد تجاه الكيان الصهيوني وفتح المنافذ امامه، تحت اي تعلّة كانت، يُعتبر جريمة وانا أرفضه قطعيا".

وأكد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين والنائب عنه بالبرلمان خلال حديثه لـ"إيلاف" رفضه القطعي لصعود ميشال بوجناح على ركح قرطاج، مستدركا أن مردّ رفضه ليس ديانة بوجناح اليهودية، وذكر أمثلة عن يهود تونسيين كانت لهم مواقف مناهضة للصهيونية ولإسرائيل وعلى رأسهم السياسي والنقابي اليهودي التونسي جورج عدّة.

تظاهرة

من جانبها، دعت "الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني" إلى "تحرّك احتجاجي يوم الجمعة للمطالبة بإلغاء عرض الصهيوني ميشال بوجناح"، كما ورد في الدعوة.

كما حضّت الحملة على الإمضاء على عريضة الكترونية تطالب بالغاء عرض الكوميدي.

يذكر ان ميشال بوجناح ولد في 3 نوفمبر 1952 في تونس ودرس سنواته الأولى فيها قبل أن يهاجر مع أسرته عام 1963 إلى فرنسا ضمن موجة هجرة اليهود إلى أوروبا.

وبوجناح مخرج وممثل كوميدي تناول في أعماله موضوعات عدة من بينها أوضاع اليهود التونسيين المهاجرين في أوروبا.

تجدر الإشارة الى ان نحو 1500 يهودي يقيمون حاليًا في تونس ويحملون الجنسية التونسية، ويسكن معظمهم في جزيرة جربة وفي العاصمة. وقبل الاستقلال عن فرنسا سنة 1956، كان يعيش في تونس نحو مئة ألف يهودي لكنهم غادروا البلاد نحو وجهات عدة واساسًا فرنسا.

بوجناح مواطن تونسي

في مقابل تلك الدعوات لإلغاء عرض اليهودي التونسي، ظهرت أصوات مساندة له وللإبقاء على برمجة صعوده على ركح قرطاج، حيث إعتبر الامين العام لحركة "مشروع تونس" محسن مرزوق، وهو حزب ممثل بـ23 نائبا في البرلمان، أن ميشال بوجناح "مواطن تونسي دافع عن تونس في كل الفضاءات الإعلامية العالمية موظفا شهرته الدولية، وكلما تحدث عن تونس تسبق دموعه كلماته". 

وتابع السياسي التونسي مؤكّدا ان "ما يقوم به البعض من حملة لمنع هذا الفنان التونسي من تقديم عرض ثقافي له... هو درس جديد في الاستخفاف بالمصلحة الوطنية، بحجة دعم زائف أهوج للقضية الفلسطينية التي هي قضيتنا جميعا"، وفق تعبير مرزوق في تدوينة على فايسبوك.

الدعوة لتطبيع تام مع إسرائيل

في ذات سياق مساندة عرض بوجناح، طالب "الحزب الليبرالي التونسي" بتحييد الفن والفنانين عن التجاذبات الحزبية وعدم إستعمالهم في الحملات السياسية بالإضافة الى ضرورة إحترام حرية رأي ميشال بوجناح في أي قضية سياسية خاصة في ما يتعلّق بـ"نزاع بين طرفين أجنبيين"، وفق ما ورد في بيان صادر عن الحزب، تلقت "إيلاف" نسخة منه.

كما اعتبر الحزب انه وفي حالة عدم متابعة القائمين على حملة التحريض ضدّ ميشال بوجناح قانونيا فإن الحزب يعتبر الدولة مسؤولة عن حصول أي مكروه له.

ودعا الحزب الى "تطبيع كامل مع إسرائيل في كل المجالات"، وذكّر بوجود 200 ألف تونسي مقيمين في إسرائيل وممنوعين من زيارة بلدهم.

تجدر الإشارة الى ان سلاح الجو الإسرائيلي قصف سنة 1985 مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة حمام الشط التونسية، وقد أوقع الهجوم عشرات القتلى من التونسيين ومن القيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية.

وعند مداولات سنّ دستور تونس الجديد بعد رحيل زين العابدين بن علي في 2011، خاض التونسيون جدل تجريم التطبيع السياسي والثقافي والاكاديمي مع إسرائيل، وطالب كثيرون جينها بفصل يجرّم التعامل مع الاسرائيليين، لكن توافق الكتل الكبرى في المجلس التأسيسي، حال دون ادراج هذا الفصل، في حين يناضل آخرون من أجل ادراج تجريم التطبيع ضمن القوانين العادية.

وزارة الثقافة لا تتدخل ولكن...

وزارة الثقافة أكدت بعد إحتدام الجدل بخصوص عرض ميشال بوجناح، أنها لا تتدخل في المضامين والمحتويات التي يتفق حولها أعضاء الهيئات والجمعيات المديرة للمهرجانات والتظاهرات الثقافية، ولكن في المقابل ذكّرت بان مناصرة القضية الفلسطينية من ثوابت السياسة التونسية بما فيها الثقافية.

واعلنت وزارة الثقافة التونسية من خلال بلاغ إطلعت عليه "إيلاف" "انه نظرا لحساسية الموضوع واتخاذه مسارا سياسيا خرج عن سياقه الثقافي فإن الوزارة ستقوم بالمشاورات لإتخاذ قرار ينسجم مع المصلحة العليا الوطنية". 

العرض لن يُلغى

حتى الساعة، لم تُعلن إدارة مهرجان قرطاج رسميا عن إلغاء العرض رغم المطالب المتعدّدة، ولكن مدير مهرجان قرطاج مختار الرصّاع قال في تصريحات إعلامية "هذا الفنان معروف بمواقفه المدافعة عن تونس في المنابر الدولية ولم يسئ أبدا إلى بلده ومن حقه كفنان أن يكون حاضرا في مهرجانات موطنه الأصلي".

وتساءل الرصّاع "كم من مطبّع مع إسرائيل دخل إلى تونس قبله أمام صمت الجميع...؟"، وقد نقلت عنه منذ يومين تصريحات إعلامية أكد من خلالها أنه لن يتم إلغاء عرض الكوميدي الفرنسي التونسي ميشال بوجناح.

وتقام الدورة الحالية لمهرجان قرطاج الدولي في الفترة من يوليو إلى حدود 19 أغسطس.