صبري عبد الحفيظ من القاهرة: مع هزيمة "داعش" في العراق، وانحسار المناطق التي يسيطر عليها في سوريا وليبيا، بدأ عناصر التنظيم في إعادة ترتيب أوراقهم، والعودة إلى بُلدانهم، في حين يرى خبراء أنه بات من الضروري اتخاذ استراتيجية جديدة للتعامل مع من يطلق عليهم "العائدون من داعش".

وبعد أن لقي تنظيم "داعش" هزيمة شديدة في العراق بخسارته مدينة الموصل، وانحسار المناطق التي يسيطر عليها في سوريا وليبيا، ظهرت مشكلة جديدة تعرف بـ"العائدون من داعش"، الذين بدأوا التوافد على بلدانهم الأصلية مرة أخرى، ومع انتشار ظاهرة "الذئاب المنفردة"، أصاب القلق الأجهزة الأمنية ومختلف الشعوب.

وحسب وجهة نظر محمد الرفاعي، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، فإن هزيمة داعش في العراق وتحرير المناطق التي كان يسيطر عليها تعتبر "أخطر ضربة للإرهاب في العالم خلال هذا العام".

وأضاف لـ"إيلاف" أن عناصر التنظيم اتجهوا نحو سوريا للدفاع عن آخر معاقلهم فيها، مشيرًا إلى أن قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب تضيّق عليهم الخناق، وسوف يتعرضون لهزيمة قاسية أيضًا.

ولفت إلى أن الغالبية العظمى من عناصر "داعش" ليسوا من أهل العراق أو سوريا، بل ينحدرون من بلدان مختلفة من أوروبا وآسيا وأفريقيا، وسوف يعودون إلى دولهم الأصلية بعد تفرّق جمعهم، وانفراط عقد التنظيم.

وأوضح أن انهيار التنظيم سوف يؤدي إلى عدم وجود قيادة لعناصر، متوقعًا أن يسفر ذلك عن تجفيف منابع التمويل المالي والتسليح، وسوف يفكر عناصر التنظيم في العودة إلى بلدانهم مرة أخرى.

وحسب وجهة نظر اللواء فؤاد حسين، الخبير في مكافحة الإرهاب الدولي، فإن عودة عناصر داعش إلى بلدانهم تمثل خطورة شديدة على الأمن القومي لتلك البلدان.

وأوضح لـ"إيلاف" أن مكمن الخطورة يتمثل في عدة نقاط، منها، أن داعش أطلق مجموعات تابعة له للعمل وتنفيذ تفجيرات والقيام بعمليات إرهابية في البلدان التي يقيمون فيها أو عادوا إليها وتعرف بـ"الذئاب المنفردة"، لافتاً إلى أن عناصر من التنظيم نفذوا عمليات إرهابية في فرنسا وألمانيا وأميركا، ومصر والسعودية.

ونبه إلى أن الخطورة الأكبر تتمثل في أن العناصر العائدة، لديها احترافية في العمل الإرهابي، لاسيما أنهم تلقوا تدريبات على صناعة المتفجرات وحرب الشوارع، وغيرها من فنون القتال، منوهًا بأن عناصر داعش لديهم عقيدة تكفيرية وعدوانية تجاه المجتمعات التي سيعودون إليها.

ودعا إلى ضرورة أن تتحلى الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في مختلف البلدان باليقظة، وأن يكون هناك تعاون مشترك لرصد العائدين من داعش، وإعادة تأهيلهم مرة أخرى للحياة السوية في مجتمعاتهم.

وقال جان بول لابورد رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، إن أوروبا ستواجه هذا العام تدفقًا لمقاتلي تنظيم "داعش "الذين انهزموا فى سوريا والعراق والذين يعتبرون أكثر خطورة من العائدين السابقين وأكثر خبرة بالحروب والمعارك.

وأوضح لابورد، في تصريحات له، أن عدة دول أوروبية تُقدر أن معدلات تدفق المقاتلين العائدين من مناطق النزاعات ازدادت بنسبة الثلث خلال العام الأخير.

وأضاف أن مستويات التهديد مرتفعة في غرب أوروبا بعد موجة هجمات أسفرت عن مقتل العشرات خلال العامين الأخيرين وتشعر عدة دول بالقلق حيال قدرتها على حماية حدودها.

وقال لابورد إن المقاتلين الأجانب الذين يسعون إلى العودة لأوروبا الآن "أكثر خطورة" بكثير من العائدين السابقين إذ يملأهم السخط بعد سنوات من المعارك.

ووفقًا لتقرير صادر عن المركز الأوروبي لمحاربة الإرهاب، فإن "ثلث أعضاء تنظيم داعش على أقل تقدير سيختارون خلال الفترة القليلة المقبلة، العودة إلى بلدانهم الأصلية ومن بينهم من سيعود وهو ينوي القيام بعمليات إرهابية".

وحذر "مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة" التابع لدار الإفتاء المصرية من التداعيات التي تصاحب عودة المقاتلين الأجانب في صفوف "تنظيم داعش الإرهابي" إلى بلدانهم، وتنفيذ عدد غير قليل من "ذئابه المنفردة" عمليات انتحارية في قلب تلك الدول انتقامًا لهزائم داعش في دول الشرق الأوسط.

جاء ذلك في تعليق "مرصد الإفتاء" على الهزائم المتلاحقة التي تعصف بالتنظيم الإرهابي على جميع الجبهات، والتي تؤذن باندحاره ونهايته، وهو ما يؤدي إلى هروب عدد كبير من مقاتليه إلى دول المنشأ، وقال المرصد، إن داعش "جنَّد نحو 20% من مقاتليه من الدول الغربية؛ ما يمثل تحدِّيًا رهيبًا أمام تلك الدول، لما يشكله هؤلاء العائدون من مخاطر محدقة على الأمن القومي والاستقرار المجتمعي والفكري فيها".

وأضاف المرصد أن دول أوروبا "باتت تعيش حالة من التأهب لمواجهة تهديدات مقاتلي داعش العائدين إليها، خاصة دولًا مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا، حيث دخل الإرهاب الداعشي مستوًى خطيرًا من خلال شن هجمات إرهابية في العديد من المدن الأوروبية انتقامًا من الهزائم المريرة التي لحقت به في سوريا والعراق وليبيا".

وحسب تقرير "مرصد الإفتاء" فإن محاربة الإرهاب لا تتحدد في جغرافية، وأنه لا توجد دولة بمأمن عن الإرهاب، لذلك ينبغي أن توجد معالجات حقيقية لمحاربة الإرهاب والتطرف، وعدم اقتصار ذلك على تهديدات المقاتلين الأجانب في أوروبا فقط بل في جميع أنحاء العالم.

ودعا المرصد جميع دول العالم إلى "مراجعة السياسات الأمنية والدفاعية وتشديد الإجراءات على حدودها البرية والبحرية وفي موانيها الجوية أيضًا ما لا يدع مجالًا لتسلل مقاتلي داعش أو غيره من التنظيمات المتطرفة، خاصة أن هؤلاء المقاتلين أصبحوا على دراية بسلوك طرق ملتوية واستخدام وثائق سفر مزورة للعودة إلى أوطانهم، فضلًا عما يحملونه من أفكار متطرفة وأساليب مخادعة يمكنهم بها جذب المزيد من العناصر لتشكيل خلايا صغيرة تعمل على تنفيذ عمليات انتحارية وإثارة القلاقل في تلك الدول".

كما دعا "مرصد الإفتاء" دول العالم إلى تطوير المزيد من الأدوات لتعطيل التطرف العنيف، وأن تعمل على احتواء العناصر المتطرفة العائدة من مناطق الصراع بدلًا من إلقاء القبض عليهم أو محاكمتهم، حيث ينبغي توجيههم إلى الرعاية النفسية والتأهيل المجتمعي". مؤكدًا أن دول العالم "بحاجة إلى توسيع أدوات التعامل مع المقاتلين العائدين إلى بلدانهم".