خاص "إيلاف" من دافيد فرنانديز بويانا: أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في 9 ديسمبر 1948، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 13 يناير 1951. كللت هذه الاتفاقية سنوات من الجهد الذي بذله خبراء في مقدمهم الحقوقي رفائيل ليمكان. ويبلغ عدد الدول التي صادقت على الاتفاقية أو وقعت عليها 143 دولة حتى الآن. 

مبادئ ملزمة

أعلنت محكمة العدل الدولية في رأي استشاري بشأن التحفظات عن الاتفاقية أنها أُقرت لأغراض إنسانية وحضارية بحتة. ويصعب أن نتخيل اتفاقية ذات طابع مزدوج بهذا القدر، لأنها تجمع بين حماية وجود جماعات بشرية من جهة، وتأكيد أبسط المبادئ الاخلاقية من الجهة الأخرى.

كما أكدت محكمة العدل الدولية أن أصول الاتفاقية تبين عزم الأمم المتحدة على إدانة جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، بموجب القانون الدولي، لأنها جريمة تنكر على جماعات بشرية كاملة حقها في الوجود، وهو إنكار يهز ضمير الانسانية، ويسفر عن خسائر جسيمة، ويتعارض مع القانون الأخلاقي وروح الأمم المتحدة وأهدافها. 

أول ما يترتب عن هذا الطرح أن مبادئ الاتفاقية تعترف بها البلدان المتحضرة بوصفها ملزِمة. وثانيًا، الاتفاقية ذات طابع عالمي، سواء في إدانة جريمة الإبادة الجماعية أم التعاون المطلوب "لتحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة" (توطئة الاتفاقية).

 

لقراء النص باللغة الانكليزية
Prevention and punishment of genocide 

 

الإبادة جريمة

لاحظت محكمة العدل الدولية أن الاتفاقية والقانون الإنساني الدولي وثيقتان من القواعد المتميزة تسعيان إلى تحقيق أهداف مختلفة. فالاتفاقية تعمل من أجل منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها بموجب القانون الدولي، في حين يحدد القانون الانساني الدولي قواعد خوض العمليات القتالية في النزاعات المسلحة، ويسعى إلى حماية الأشخاص بصرف النظر عن انتماءاتهم. 

تنص المادة الأولى على أن الفرقاء المتعاقدين يؤكدون أن إبادة الجنس، سواء ارتكبت في زمن السلم أم زمن الحرب، جريمة بموجب القانون الدولي. وتحدد المادة بعد هذا التعريف سلسلة من الأفعال التي تمثل انتهاكًا خطيرًا للحق في الحياة، وسلامة أفراد الجماعة البدنية أو العقلية. 

في المادة الثانية، تحدد الاتفاقية الأفعال التي تشكل أعمال إبادة. وعلى الرغم من اتفاق "الفرقاء المتعاقدين" على التعريف الذي يتحدث عن "قتل أفراد الجماعة"، فإنهم يختلفون على ما إذا كان إلحاق أذى جسدي أو عقلي بأفراد الجماعة يسهم في تدميرها بالكامل أو جزئيًا، بحيث يشكل إبادة جماعية. كما يختلف الفرقاء على معنى ونطاق "إلحاق أذى عقلي خطير بأفراد الجماعة". 

في جرائم الحرب

محكمة العدل الدولية تخلص إلى أن جريمة الابادة الجماعية هي "تدمير جماعة معينة بالكامل أو جزئيًا وأن ترحيل افراد الجماعة أو تشريدهم حتى إذا جرى بالقوة لا يعادل بالضرورة تدمير الجماعة، ولا يكون مثل هذا التدمير نتيجة تلقائية للتشريد". 

في الختام، أقرت المحكمة بأن الاغتصاب وغيره من أعمال العنف الجنسي قادرة على أن تشكل عملًا من أعمال الإبادة الجماعية. 

في يونيو 1998، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمرًا في روما لاستكمال معاهدة تنص على "نظام المحكمة الجنائية الدولية". وفي 17 يوليو 1998، أُقر نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية بأغلبية 120 صوتًا مقابل 7 أصوات وامتناع 21 دولة عن التصويت. وبعد مصادقة 60 دولة، دخل نظام روما حيز التنفيذ في الأول من يوليو 2002، وأُنشئت المحكمة الجنائية الدولية رسميًا. 

تشمل اختصاصات المحكمة النظر في جريمة الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة بحق الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان. 

تشير عبارة "جرائم الحرب" إلى انتهاكات خطيرة للقانون الانساني الدولي، تُرتكب ضد المدنيين أو العدو خلال النزاعات المسلحة الدولية أو المحلية. 

أعمال غير إنسانية

من جهة أخرى، يرد تعريف "الجرائم بحق الإنسانية" في المادة 7 من نظام روما، وهو يشمل جرائم مثل القتل والتصفية والاغتصاب والملاحقة والأعمال غير الإنسانية المشابهة كلها التي تُرتكب في إطار هجوم واسع أو منهجي على أي جماعة سكانية مدنية.

أخيرًا، عمل مجلس حقوق الانسان خلال السنوات الماضية، بتوافق الأعضاء، على منع جريمة الإبادة الجماعية مؤكدًا باستمرار الدور المهم لمنظومة حقوق الانسان في إطار الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان والهيئات الخاصة ذات العلاقة التي تواجه التحدي المتمثل بجمع المعلومات عما يرُتكب من انتهاكات خطرة ومنهجية على نطاق واسع ضد حقوق الانسان، وبذلك المساهمة في إيجاد فهم أفضل وتوفير إنذار مبكر عن أوضاع معقدة يمكن أن تؤدي إلى إبادة جماعية. 

*ترجمة: عبد الإله مجيد