أخبار البصرة اليوم لا تسر أهلها ولا اهل العراق فشط العرب ونهر العشار يختنقان وارض البصرة يذبحها نفور الملح وشوارعها تغص بالنفايات حتى بات البصريون يرددون وبنسخة عراقية شعار "طلعت ريحتهم ".

إيلاف من البصرة: تهدد أكوام النفايات التي تغص بها شوارع البصرة سكان المحافظة بعد توقف شركة كويتية عن العمل لتأخر الحكومة المحلية التي تعاقد معها في دفع مستحقاتها، فيما الخشية من كارثة بيئية باتت هاجس سكان المحافظة الذين أخذوا يرددون شعار "طلعت ريحتهم" وهم يحملون الحكومة المحلية والحكومة العراقية في بغداد مسؤولية تراكم النفايات في الاحياء السكنية.

محافظ البصرة الأسبق وعضو المجلس الحكم السابق القاضي وائل عبد اللطيف قال لـ"ايلاف" إنه في كل عواصم الدنيا ومدنها " تنهض البلدية بمسؤولية التنظيف ، وفي العراق هناك دائرة خاصة للكهرباء وهناك دائرة للماء والمجاري وهناك دائرة متخصصة بشؤون البلدية وهي التي تمنح إجازة البناء وتشرف على أعمال النظافة إضافة الى مهام أخرى".

عبد اللطيف : أين بلديات البصرة ؟

ان "الوحدات البلدية في البصرة كانت ثمانية اقسام بلدية تتوزع على كل محافظة البصرة وقد جهّزتهم يوم كنت محافظا للبصرة بالملابس والعربات لكن مشكلة الطمر الصحي هي التي كانت معضلة كبيرة في العراق".

وأوضح ان "هناك شركات كبيرة جاءت لتشتري النفايات وتحولها الى كهرباء او غازات صناعية او غازات تستخدم لأغراض طبية كما يحصل في العديد من دول العالم ؛ لكن هذه الشركات اصطدمت برفض الحكومات المتعاقبة وعادت أدراجها وظل الطمر الصحي مشكلة يعاني منها العراق".

ونبه عبد اللطيف من ان "ابرز وأخطر مشاكل البيئة والنفايات في البصرة والعراق هي مياه الصرف الصحي ومياه المعامل وكلها تقذف في الأنهر والناس تشرب منها ماء من دون ان تعلم".

وأضاف "يمكن ان نبدأ من مدينة الطب على نهر دجلة " مبينا ان "هناك أنبوبا بقطر 8 انجات يلقي بمياه سوداء في النهر امام انظار اكبر مؤسسة طبية في العراق رغم وجود قانون شرع في البرلمان يوجب معالجة مياه الصرف الصحي قبل القائها في الأنهر".

وعن البصرة اوضح القاضي وائل عبد اللطيف ان "الأقسام البلدية الثمانية ضاعفتها الى 16 قسما ثم قام بعدي المحافظ المرحوم محمد مصبح الوائلي ليضاعفها الى 32 قسما وهذا يعني اننا نتحدث عن كادر موجود ضمن ملاك الدولة والوظيفة العامة ويتلقى رواتب وامتيازات واجورًا".

ومضى الى القول "السؤال الان : اين هؤلاء ؟ حتى تُقدم محافظة البصرة الان على التعاقد مع شركة كويتية لتنظيف المحافظة ".

اكوام النفايات دليل على الفساد

ورأى انه مع وجود الأقسام البلدية وكادرها كان يتوجب شراء آليات بعقد الشركة الكويتية الى هذه الأقسام وان تتولى هي مسؤولية تنظيف المحافظة وجمع النفايات ولما حدثت هذه الكارثة البيئية وهو ان تعزف الشركة على التنظيف وتتوقف عن العمل فتغص البصرة بالنفايات.

واردف عبد اللطيف "نفتقد الى مسألتين بعد عام 2003 تتعلق الأولى بمفهوم التنفيذ المباشر للقطاع العام وهنا اسأل الوزارات المعنية والمحافظات ودوائرها عن دوره المفقود ؟ والثانية هي تعطل الأقسام البلدية في محافظة البصرة بل في كل محافظات العراق".

ودعا عبد اللطيف البصريين الى الخروج بتظاهرات كمل فعل اللبنانيون ليكنسوا النفايات التي تتشبث بالكراسي من دون ان تقدم خدمات للبصرة، حسب تعبيره.

وخلص الى القول "طلعت ريحتهم ! هكذا اقولها ولم يعد لهم دور نافع ومفيد للمواطن في إدارة الدولة في المرحلة القادمة ، وعلى هيئة النزاهة اذا كانت تريد دليلا على الفساد فهذا هو متكدس في الشوارع وعلى الجماهير ان لا تكرر الخطأ وألا تعيد تأهيل الفاسدين مرة أخرى اذ ستكون النتيجة أسوأ من هذه النفايات".

فشل ذريع

من جهتها قالت النائبة شروق العبايجي والتي جمدت عضويتها في لجنة الزراعة والمياء والاهوار " في كل العالم أصبحت النفايات مصدرا للطاقة وثروة كبيرة، وفي اليابان يعملون منها جزرا صديقة للبيئة ، حيث وضعت طرقا متنوعة لإعادة تدوير النفايات بما يخدم الانسان والاقتصاد والبيئة ".

وأضافت "اما في العراق فالامر معكوس تماما حيث تتحول هذه النفايات الى مجمعات من الازبال تتسع أحيانا لتكون مساحات شاسعة من اكوام النفايات وتملأ الشوارع والطرق واخيرا ترمى في الأنهار والسواقي ومجاري المياه"، مبينة ان "هذه الحالة تؤشر ليس فقط إلى فشل ذريع في إدارة هذا الملف المهم والحساس وانما على تجاهل كامل من اصحاب القرار لأبسط مقتضيات المصلحة العامة".

وقالت انه "لإزالة النفايات والازبال لا نحتاج لشركات أجنبية . نحن بحاجة فقط الى إدارة صحيحة يمكن ان تحول هذه النفايات الى فرص عمل وموارد مالية ومصادر للطاقة وأيضا إعادة تدوير المواد العضوية بما يخدم الصناعات العراقية ".

طلعت ريحتهم في البصرة بنسخة عراقية

وسخرت النائبة شروق العبايجي من تكدس اكوام النفايات في البصرة قائلا " طلعت ريحتهم اليوم بنسختها العراقية هي اكبر مما كانت بنسختها اللبنانية، ما حدث في بيروت كنا نشاهده بشكل يومي في بغداد والمحافظات اما ما يحدث اليوم في البصرة فهو كارثة بيئية اجتماعية وصحية".

ورأى ان "هذه النفايات واكوامها المتكدسة هي عنوان للفساد الذي اهمل شركات عالمية كبيرة كانت مستعدة لتنظيف بغداد والمدن مجانا مقابل الاستفادة من النفايات لكن الفاسدين في بغداد والمحافظات ساوموا هذه الشركات على مبالغ وكوميشنات".

وقالت "انا جمدت عضويتي في لجنة الزراعة والمياه والاهوار بسبب المحاصصة التي عطلت الأداء الرقابي والتشريعي وكنت اشير باستمرار الى مخاطر التعدي على الأنهر في العراق والمسطحات المائية وانبه واحذر منذ سنوات من اخطار التلوث البيئي على الأنهر".

كل شيء ملوث في البصرة

بدوره قال رئيس المركز الإنمائي للطاقة والمياه د. ليث شبر " هذه النفايات الظاهرة في الشوارع هي لا تساوي عشر ما تعانيه البصرة (ثغر العراق وخزائن خيرات العراق) من تلوث بيئي وعلى كل المستويات .. الماء ملوث والأرض ملوثة والهواء ملوث".

وأضاف ان "شركات النفط الاحتكارية لاتسمح لأي فريق عراقي بيئي بزيارتها ومسح نشاطاتها.. كم مرة حاول مركزنا وبالتنسيق مع الوزارات المعنية والجهات الأمنية القيام بجولات ميدانية فلم نستطع، هذه الشركات لا أحد يمكن له ان يخترقها".

اما التلوث الاشعاعي من الحروب الصدامية والأميركية، والحديث للدكتور ليث شبر، فقد "بلغ نسبا عالية جدا وتشير التخمينات الى 1 من 10 للحالات السرطانية سببه تلوث اشعاعي ".

وأضاف "اما تلوث المياه بسبب رمي الملوثات في الانهار من قبل الجميع سواء كانت شركات او مشافي وحتى المجتمع فلا مجال لحصرها ومحظور فتح هذا الملف" ، مشيرا الى ان "التلوث في الهواء بسبب الشركات الاحتكارية بلغ معدلات كبيرة".

وقال شبر " التلوث البيئي في البصرة الفيحاء هو الأول عالميا.. والانسان البصري يعيش اليوم في بيئة ملوثة لا تصلح للعيش ابدا".

رائحة الحشيشة ورائحة النفايات

الشاعر العراقي طالب عبد العزيز وهو احد رموز البصرة الثقافية قال "حكومة البصرة الاسلامية تمنع الخمر وتسمح للحشيشة في المحافظة وتقبل بالنفايات وسط شوارعها .. لان رائحة الحشيشة مع رائحة النفايات (الزبالة) أطيب لأنوفهم !".
وأضاف "رئيس مجلس المحافظة صباح البزوني في السجن والمحافظ ماجد النصراوي يحزم حقيبته اليه".

وتابع ساخرا " ضمن هذه التصورات عليك التكملة .. نغمة بائع الغاز الحزينة وصورة النفايات ورائحة الفساد صورة عاصمة العراق الاقتصادية ويمكن ان تختم هذه الصورة بهاشتاغ طلعت ريحتهم!".

من جهته قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة البصرة د. محمد عطوان وهو مثقف وناشط بصري إن "قضية النفايات في البصرة تحولت لاحقاً من كونها تقصيراً إدارياً يمكن أن يُلام عليه ممثلو الحكومة المحلية ودوائر البلديات والعقود المالية المبرمة مع شركات التنظيف الخاصة إلى موضوع جاهز للتوظيف الانتخابي القادم".

وأضاف "بالفعل حصل ما حصل فقد انبرى إلى ذلك سياسيون من نوع وزير النفط الذي اوعز لجميع شركاته وعامليها مع آلياتهم لرفع هذه النفايات، وحل أزمة العفونة التي خيمت على سماء البصرة لأسبوع كامل".

ووجد عطوان ان "أزمة النفايات كناية رمزية عن المرذول من العمل السياسي، والتطفل على قذاراته المتراكمة".

وقال حسن التميمي ناشط من البصرة " نعمل على ان تكون التظاهرة المقبلة تحت شعار طلعت ريحتكم .. سنرسم وجوه أعضاء الحكومة المحلية ومحافظ البصرة على حاويات النفايات وسيكون شعار التظاهرة كيس نفايات اسود حتى تلتفت الحكومة في بغداد الى النفايات التي تتحكم في البصرة وتكنسها".

وقال الكاتب ناجي الغزي ان "البصرة كغيرها تتعرض لسوء ادارة من مؤسساتها الادارية والخدمية. ومن المعيب على مديرية بلدية البصرة والحكومة المحلية ان تتعاقد مع شركة كويتية وبأيدٍ عاملة عراقية بعقد قيمته ٢٠٧ مليارات دينار على مدى ٣ سنوات من دون ادنى تأمين لعمالها او ضمانات صحية وقانونية".

وأضاف "ألم تكن بلدية البصرة قادرة بجمع النفايات، والاحرى والاستفادة من تلك الاموال بتطوير جهدها الالي والهندسي بشراء معدات واليات نقل النفايات بهذا المبلغ الكبير طالما ان النفايات تجمع بأيدٍ عراقية".

الجنابي وإنقاذ نهر العشار

وأعلنت وزارة النفط عن تأجيل حملتها الخاصة بأعمال التنظيف الشاملة التي من المقرر انطلاقها لرفع النفايات من شوارع وأزقة محافظة البصرة بطلب من المحافظ ماجد النصراوي لوجود تفاوض مع شركة التنظيف لاستئناف اعمالها بعد ان أوقفتها منذ الاربعاء الماضي.

وقالت الوزارة في بيان اطلعت "إيلاف" على نسخة منه انها تؤكد "من جديد استعدادها للبدء بحملات رفع النفايات الشاملة من شوارع وأزقة مدينة البصرة فورا، حيث استنفرت الوزارة جهودها وسخرت جميع الإمكانيات الفنية المتوفرة في الشركات النفطية، فضلا عن توفير عدد كبير من الاليات والمعدات وتم تشكيل فرق متخصصة تعمل بإشراف المسؤولين في الوزارة والشركات النفطية".

من جهته تحدث وزير الموارد المائية حسن الجنابي عن ان وزارته دفعت بالمزيد من الاليات لتحرير نهر العشار من السموم والانقاض والاطيان والامراض لتعيد للنهر بهاءه ورونقه".

وطالب الجنابي الجهات المعنية بتحمل مسؤوليتها كما ناشد المواطنين بعدم التعدي على الأنهر والسواقي، مبينا ان موظفي وزارة الموارد المائية، مدراء عامين ومهندسين وعمال وسواق وفنيين، يقومون بعمل صعب وخطر في قلب البصرة وفِي منتصف الليل لتنظيف اجمل ما فيها وهي قنواتها الجميلة هؤلاء ليسوا مقاولين ولا منتفعين بل يضعون البصرة وسكانها امام اعينهم ويعملون خارج أوقات العمل المعتادة".