القاهرة: بالاتساق مع تطور وسائل تداول المعلومات والأخبار وتزايد أعداد التطبيقات التي تعنى بتلك المهمة، كثرت الأخبار التي يتم نشرها من دون التحقق من صحتها وصدقيتها، ما أدى في حالات عدة إلى حدوث تداعيات عنيفة.

من هنا يأتي دور الصحافيين الذين يتعين عليهم تصحيح المسار بأسرع شكل ممكن، خصوصًا أن تفاصيل تلك الشائعات أو الأخبار الكاذبة - كالجهة التي تقف وراءها وأسباب بثها - عادة ما تكون غامضة ويحتمل أن تبقى على هذا النحو. وأشارت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في تقرير لها بهذا الخصوص إلى أن المعلومات الكاذبة تصل إلى القراء في نهاية المطاف عبر خدمة التراسل "واتسآب".

تراجع فايسبوك

أضافت المجلة أنه بينما بدأت تظهر علامات تؤكد تراجع شعبية فايسبوك وتويتر كمصادر للأخبار، بدأ يتزايد الاعتماد على تطبيقات التراسل المغلقة مثل واتسآب وفايبر، باعتبارها مصادر يمكن للمستخدمين أن يعرفوا من خلالها ما يدور في العالم من حوادث. 

أظهرت أخيرًا دراسة مسحية أجراها موقع الاستطلاعات yougov لأكثر من 70 ألف شخص في 36 دولة أن 23 في المئة ممن أُخِذَت آراؤهم "يعثرون، يشاركون أو يناقشون" أخبارًا باستخدام واحد من تطبيقات التراسل على الأقل. ووصلت تلك النسبة إلى 50 في المئة في دول من آسيا وأميركا اللاتينية، مثل ماليزيا والبرازيل، وتحول تطبيق واتسآب إلى مصدر شائع للأخبار مثله مثل فايسبوك. 

وبحسب المجلة، ينتظر أن تثير منصات التراسل نقاشات واسعة النطاق بين الباحثين المهتمين بفحص أسباب سبل انتشار الأخبار الزائفة في الغرب وتداعياتها، خصوصًا أنهم يسعون إلى وضع أفضل الممارسات التي يمكن الرد من خلالها على الشائعات التي تنتشر عبر الإنترنت وحملات التضليل. وتؤكد المجلة على ضرورة الانتباه لتلك التطبيقات البسيطة لكونها تُشَكِّل المستقبل المظلم لتضليل المعلومات وزيفها.

مع بضعة استثناءات

على عكس تويتر أو ريديت، لم تُطَوَّر تطبيقات التراسل لتكون منصات عامة يمكن للمستخدمين أن يختلطوا فيها بالملايين من الغرباء، وبدأت العمل كبدائل رخيصة وهزيلة البيانات لرسائل إس إم إس النصية أو كطرائق لإرسال رسائل خاصة مشفرة.

واللافت أن معظم هذه التطبيقات يحظر على المستخدمين إجراء دردشات فردية مع جهات الاتصال المدونة على هواتفهم أو إجراء دردشات جماعية خاصة مع عدد لا يزيد عن 500 من أصدقاء الأصدقاء. وعلى الرغم من أن إجراء محادثة مع المئات من المشاركين لا يجعلها محادثة شديدة الخصوصية، فإن الدردشات الجماعية لا تزال مغلقة من منطلق أن كل المشاركين بتلك الدردشات يجب أن تُوَجَّه لهم الدعوة من جانب أحد الأعضاء الموجودين، ولا توجد طريقة يمكن من خلالها معرفة إن كانت المجموعة قائمة وموجودة ما لم تكن منضمًا إليها. 

علاوة على ذلك، مع بضعة استثناءات، لا قوائم خاصةً بالاتجاهات أو ردات الأفعال الاجتماعية توفر مدخلات من خارج شبكة أحد المستخدمين. وفَطِنَ بعض الشركات المصنعة لتطبيقات تراسل الهواتف المحمولة إلى ما تتميز بها تطبيقاتها من قدرة على توصيل المحتوى التحريري أو الإبداعي، لتقدم بذلك بعض السمات التي يمكن أن يشترك من خلالها المستخدمون في دردشات أحادية الاتجاه مع الناشرين. ومع أن هذه ليست بمنصات عامة، لكن يمكن للمستخدمين إبداء إعجابهم بالرسائل ومعرفة عدد مشاهدات كل رسالة، مع احتفاظ الناشر بحقه في نشر رسائل للمشتركين.

باختصار، في ما عدا بعض الاستثناءات القليلة، يمكن القول إن كل الأنشطة التي تتم على تلك المنصات خارج شبكة المرء الفورية تكون غير مرئية تمامًا. ولهذا السبب، يصف بعض الأشخاص منصات التراسل الفورية بـ "وسائل التواصل المظلمة".

عراقيل واضحة

أعقبت هنا "فورين بوليسي" تأكيدها أن غموض تطبيقات التراسل يضع عراقيل واضحة أمام الصحافيين الذين يسعون إلى البحث بشكل سريع عن الأكاذيب المنشورة على تلك المنصات. 

من الصعب على الصحافيين أو غيرهم محاولة التصدي للتضليل، لتحديد ما الذي يدور على تلك المنصات في المقام الأول. لكن، حتى عندما يتم تحديد شائعة من الشائعات، يكون من الصعب اتخاذ الخطوة الأولى والضرورية في عملية التأكد من الحقائق لتحديد المصدر الأصلي لقطعة المحتوى. كما يجد الصحافيون أنفسهم في طريق مسدود إذا لم يتمكنوا من العثور على النسخة الأصلية للمحتوى باستخدام برامج تُعرف باسم "زواحف الويب" التابعة لشركة غوغل.

كما توجد لتلك التطبيقات بعض السمات التي من شأنها تعقيد الأمور بالنسبة إلى أي شخص يرغب في نشر معلومات خاطئة. فضلًا عن أن مروجي تلك الأكاذيب والمعلومات المضللة يمكنهم بسهولة شراء قائمة بأرقام هواتف أو تجميع دلائل هاتفية عبر شبكة الإنترنت. مع هذا، فإن معظم تطبيقات التراسل تُمَكِّن المستخدمين من الإبلاغ عن مرسلي الرسائل غير المرغوب بها. كما أعلنت شركتا واتس أب وفايبر عن تدابير تعنى بالكشف عن الرسائل غير المرغوب فيها، ويفترض أن تمنع الحسابات من الإفراط في إرسال كثير من الرسائل غير المرغوب فيها. 

شبكات كبيرة

الطريقة التي يُحتَمَل أن تستعين بها الأطراف الشريرة لسرعة انتشار المعلومات على أي من منصات التراسل هي التنسيق مع آخرين يشبهونهم في الفكر ممن يستخدمون بالفعل تلك التطبيقات، وأسسوا شبكات كبيرة. ويقال إن حزب الشعب الهندي يستعين بتكتيكات مماثلة في الوقت الذي يتحضر فيه لخوض الانتخابات في عام 2018 عبر تدريبه 100 متطوع لنشر رسائل عبر 500 مجموعة على واتسآب.

وأعقبت المجلة بتوضيحها أن ذلك لا يعني أن حزب الشعب يستعين بتلك الطرق لنشر الأكاذيب والمعلومات الزائفة، لكن من السهل معرفة الطريقة التي قد يستعين بها أصحاب النوايا الشائنة بتلك التكتيكات لخدمة أغراضهم الخاصة.

في النهاية، ناشدت المجلة جموع الصحافيين بضرورة الاستفادة من كل الخيارات الاستباقية المتاحة، أي تعليم الناس الطريقة التي يمكنهم أن يتحروا من خلالها دقة أي محتوى منشور من خلال برامج جديدة لمحو الأمية الإعلامية، وثانيًا بسد فجوة الثقة الحاصلة في المجتمع الصحافي التي توفر المناخ الملائم لانتشار التقارير التي لا يتم التحقق منها في المقام الأول، وتعمل على عرقلة أي محاولة لتصحيحها. 

 

 

أعدت "إيلاف" المادة عن "فورين بوليسي"، الأصل منشور على الرابط:

http://foreignpolicy.com/2017/08/17/the-era-of-whatsapp-propaganda-is-upon-us/