بعدما أدت دورها الكبير ملاذًا ضريبيًا لأثرياء العالم، ها هي لوكسمبورغ تجمعهم كمستثمرين في سياق تطلعها كي تكون مركزًا لاستخراج المعادن والموارد الموجودة بوفرة في الأجرام السماوية.


إيلاف من لندن: تعهدت دولة لوكسمبورغ الصغيرة بتقديم 25 مليون يورو إلى شركة بلانيتري ريسوريسيس الأميركية، ومقرها سياتل، لدعم بحوث الشركة الناشئة في إمكانية استخراج المعادن من الكويكبات وتوسيع النشاط الاقتصادي إلى الفضاء الخارجي.

يأتي هذا الدعم في إطار مشروع طموح، هدفه تحويل لوكسمبورغ الصغيرة إلى مركز أرضي لصناعة استخراج المعادن وغيرها من الموارد الموجودة بوفرة في الأجرام السماوية. وكانت لوكسومبرغ أثرت كثيرًا خلال القرن الماضي بما قدمته من خدمات وتسهيلات مالية لطالبي الملاذات الضريبية، وهي تريد الآن أن تستخدم موقعها الفريد في عالم المال والأعمال على الأرض للمساهمة في إيصال الرأسمالية إلى الفضاء.

وتتطلع لوكسمبورغ إلى أن تصبح موطن طبقة متعددة الجنسيات من رجال الأعمال، لا يطمحون إلى غزو الفضاء لأغراض التقدم العلمي أو تقوية مواقع بلدانهم جيوسياسيًا فحسب، وانما ابتغاءً للربح أيضًا.

حمى جديدة

لكن لوكسمبورغ ليست وحدها الطامحة إلى أداء هذا الدور. يشير رجال أعمال داخلون في مسألة التنقيب عن المعادن في الأجرام السماوية إلى انطلاق حمى جديد شبيهة بحمى "البحث عن الذهب"، ويقارنون نشاطهم هذا بنشاط بناة الغرب الأميركي أو نشاط رواد الثورة الصناعية الأوائل.

وفي حين أن موارد الأرض الطبيعية المحدودة تُستنزف بوتائر متسارعة، فإن هؤلاء الطامحين في استثمار ثروات الكوكيبات يرون أن الحل يكمن في الكميات الهائلة من الماء والمعادن والفلزات المتوافرة في الفضاء الخارجي.

وجدت صناعة "الفضاء الجديد"، كما تُسمى، التي تضم شركات للسياحة الفضائية واخرى لاستثمار الثروات المعدنية في الكويكبات وشركات خاصة، حليفًا متحمسًا جديدًا في فئة المستثمرين مثل بنك غولدمان ساكس الذي أرسل مذكرة إلى عملائه ينبئهم فيها بأن تعدين الكويكبات "ربما يكون أكثر واقعية مما يُعتقد".

أمر حتمي

بحسب "غارديان" البريطانية، يقول كريس فورهيرز، رئيس المهندسين في شركة بلانيتري ريسورسيس، إن استخراج المعادن من الكويكبات "ليس فكرة جديدة، لكن الجديد هو فيها دعم الدول هذه الفكرة. فالجميع كانوا يعتقدون أن حدوث ذلك أمر حتمي، لكنهم لم يكونوا متأكدين متى يمكن أن يحدث، ولوكسمبورغ تجعله يحدث الآن".

فقد خصصت دوقية لوكسمبورغ - لا تزيد مساحتها على مساحة كويكيب ويبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة - 200 مليون يورو لتمويل شركات "الفضاء الجديد" التي تنضم إلى مشروعاتها الفضائية. كما أرسلت مسؤولين إلى اليابان والصين والإمارات للبحث في إقامة شراكات لتحقيق مبادرات استشكاف الفضاء.

يقول الخبراء إن لوكسمبورغ تستطيع أن تفعل لتجارة الموارد الفضائية ما فعلته لسوق اليورو ـ دولار والشركات القابضة العالمية والشركات متعددة الجنسيات: توفير قاعدة آمنة موثوقة تستطيع شركات استثمار الفضاء أن تعمل فيها بانسجام مع دولة متحمسة لنشاط هذه الشركات ومتعاونة معها.

ثغرة قانونية

منذ ظهور قطاع تجارة الفضاء، حاولت البلدان كسب أصحاب المشروعات المتحمسين، فأقرت الولايات المتحدة قانون الفضاء في عام 2015، الذي يقر باحتفاظ من يعثر على الثروات بما يعثر عليه، ويعترف بملكية الموارد الفضائية لمن ينقب عنها، لكن ذلك مقتصر على الشركات المملوكة لمواطنين أميركيين.

في أكتوبر 2015، أجرت لوكسمبورغ دراسة تبحث إن كان ممكنًا سد هذه الثغرة القانونية.

وأشار تقرير الدراسة الذي أنجز في عام 2016 إلى الآتي: "في حين لا يزال عدم اليقين القانوني مخيمًا على هذه المسألة، في ظل الإطارين القانوني والتنظيمي الحاليين، تحظر في الأقل أنشطة تعدين الفضاء"، داعيًا لوكسمبرغ إلى إصدار قوانين تمنح عمال المناجم الحق في الاحتفاظ بالثروات الطبيعية التي يستخرجونها من أراضي خارج كوكب الأرض. بعد سن التشريعات المطلوبة لتأمين هذه القاعدة، تعتزم لوكسمبورغ تأسيس وكالة فضاء وطنية.

قال إيتيان شنايدر، نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد اللوكسمبورغي، إن الوكالة لن تكون نسخة من وكالة الفضاء الاميركية (ناسا) بل "ستركز على الموارد الفضائية التجارية فحسب".

أضاف أن حكومته ستعمل على تشجيع التمويل الخاص لرسملة مجموعة "الفضاء الجديد" وستطلب مشورة رأسماليين مغامرين لتحديد الشركات التي يمكن الاستثمار فيها.

ما دام نظيفًا

في يونيو الماضي، توجه شنايدر وبعض شركائه إلى نيويورك لدورة تحصيل التمويل، لكن في هذه المرة لصالح أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية على الساحل الشرقي.

وركز في تصريحاته وخطبه على الجوانب المالية المجزية لسباق الفضاء في لوكسمبرغ، ونية بلاده الدخول استكشاف قطاعات التجارة الفضائية. قال: "بموجب قانون الفضاء الأميركي، يجب أن تكون أغلبية رأسمالك أميركية"، مشيرًا إلى استعداد الولايات المتحدة للاعتراف بحقوق الملكية فى الفضاء لمواطنيها. أضاف: "نحن لا نهتم حقًا من أين تأتي الأموال في بلادناما دام المال نظيفًا".

إذا أقلعت صناعة تعدين الكويكبات واستثمار مواردها، فإن لوكسمبورغ ستكون "أول من يتبناها"، كما يتوقع أصدقاء شنايدر في منطقة سيليكون فالي، مركز شركات التقانة الحديثة بولاية كاليفورنيا.

ويتفق محللون على أنها مقامرة، لكنهم يشيرون إلى أن من الصعب تخيل ما ستكون عليه لوكسمبورغ لولا هذه الاستراتيجية الجريئة التي اتبعتها على امتداد القرن الماضي. وهم يرون أن روح الارتزاق هذه ربما تكون هي المطلوبة لتنجح دولة صغيرة في هذا العالم.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط:

https://www.theguardian.com/news/2017/sep/15/luxembourg-tax-haven-privatise-space