هل التراجع في ملف حقوق الإنسان والحريات وممارسة الديمقراطية سيؤثر في شعبية الرئيس السيسي قبل انتخابات 2018 ؟ خاصة بعد تقرير منظمة "رايتس ووتش" والذي كشف عن وجود حالات تعذيب داخل السجون المصرية، وهل سيستغل المنافسون المنتظرون في الانتخابات ورقة حقوق الإنسان لإسقاط السيسي؟ وما دور جماعة الإخوان في استغلال الأزمة الحالية للهيمنة من جديد على المشهد السياسي الداخلي وإسقاط الرئيس المصري؟

إيلاف من القاهرة: تعرّضت السلطة الحاكمة في مصر خلال الأيام الأخيرة لسلسلة من المواقف الدولية التي مثلت إحراجًا لها، وخاصة في ما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان ، حيث نشرت المنظمة الحقوقية "هيومن ريتس ووتش" تقريرًا في 44 صفحة اتهمت فيه ضباط الشرطة وعناصرها وقطاع الأمن الوطني في مصر بتعذيب المعتقلين السياسيين بشكل روتيني، باستخدام أساليب تشمل الضرب والصعق بالكهرباء وأحيانًا الاغتصاب، وبالتزامن مع ذلك، قرر الكونغرس الأميركي خفض المساعدات العسكرية لمصر للعام المقبل بمقدار 300 مليون دولار ، والاقتصادية بمقدار 37 مليون دولار، وجاء ذلك القرار–بحسب ما ذكره الكونغرس- بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان من جانب النظام، وعدم احترامه له.

ويرى المتابعون للمشهد السياسي الداخلي ، أن خروج تلك التقارير في الوقت الحالي يضع الرئيس عبد الفتاح السيسي في مأزق شديد قبل الانتخابات الرئاسية والمقرر إجراؤها في منتصف العام المقبل 2018 ، حيث قد يستغل المنافسون المنتظرون في الانتخابات وكذلك جماعة الإخوان ورقة تراجع ملف حقوق الإنسان والحريات للعمل جاهدين لإسقاط الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات المقبلة ، في ظل تعرض شعبيته لتراجع غير مسبوق خلال الأشهر القليلة الماضية ، نتيجة التراجع على المستوى الأمني ومكافحة الإرهاب ،وغلاء المعيشة ورفع أسعار جميع المنتجات الغذائية. الضغوط الأميركية والدولية على النظام الحاكم في مصر طرحت بعض التساؤلات الهامة من بينها : هل التراجع في ملف حقوق الإنسان والحريات وممارسة الديمقراطية سيسبب مأزقًا أمام شعبية الرئيس السيسي قبل انتخابات 2018 ؟.

حقوق الإنسان والسيسي

شهد حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي تراجعًا كبيرًا في ملف حقوق الإنسان ، وكانت البداية في سبتمبر 2014 ، حيث انتقدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" حالة حقوق الإنسان في مصر تحت حكم السيسي (في مستهل زيارته الولايات المتحدة من الشهر نفسه) ، ووجود الحملات القمعية المستمرة على الحريات الأساسية بما فيها الحريات الضرورية للديمقراطية، ومنها سجن المعارضين السياسيين على نطاق واسع، وأحكام الإعدام الجماعية، وغياب المحاسبة على مقتل أكثر من ألف متظاهر بأيدي قوات الأمن في يوليو وأغسطس عام 2013 .

وفي نوفمبر من العام نفسه قالت المنظمة نفسها إن حقوق الإنسان تراجعت تحت حكم السيسي ، واستشهدت باستمرار قانون التظاهر وحملات الاعتقال الواسعة للناشطين السياسيين ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وطالبته بتحسين هذه الأوضاع ، كما شهد عهد عبد الفتاح السيسي ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المحكوم عليهم بالإعدام ، حيث ارتفع عددهم من 109 إلى 509.

كما كشفت تقارير حقوقية أخرى أن عدد الصحافيين المحبوسين 19 صحافيًا، وهو يعد الأكبر منذ اعتقالات سبتمبر عام 1981 خلال الأيام الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق أنور السادات، إلا أن عهد السيسي شهد أيضًا غياب ظاهرة قتل الصحافيين ، بعكس عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي شهد حالة قتل واحدة ،والرئيس الموقت عدلي منصور قتل في عهده 9 صحافيين .

تدهور كبير 

من جانبه أكد الدكتور سعد الدين إبراهيم ، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ، أن ملف الحرية والديمقراطية في عهد الرئيس السيسي شهدت تدهورًا كبيرًا ، وخاصة في الشهور القليلة الماضية ، مشيرًا إلى أن هناك قرارات من جانب الحكومة المصرية غير مبررة كانت سببًا مباشرًا في تراجع ملف الحريات والديمقراطية مثل حبس الشباب من دون محاكمة.

ويرى مدير مركز ابن خلدون أن هذا التراجع الكبير في ملف الحريات يسيء إلى نظام السيسي ، ومصر أصبحت ضمن أسوأ الدول في ملف الجمعيات الحقوقية ،واستمرار الوضع هكذا بلا شك سوف يضع الرئيس في مأزق شديد قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة والمقرر إجراؤها في منتصف 2018 .

مؤكدًا ل"إيلاف" ،أنه على الرغم من ارتباك المشهد السياسي حاليًا نتيجة غلاء المعيشة وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، إلا أن فرصة نجاح السيسي في انتخابات 2018 كبيرة ،فلا أعتقد وجود مرشح محتمل يستطيع هزيمة السيسي حتى في ظل انتخابات حرة ونزيهة؛ لأنه ما زال يتمتع بشعبية تؤهله للنجاح، ولكن سيكون بنسبة لا تتعدى 50 %، وانتخاب السيسي لفترة ثانية يرجع لمخاوف الشعب من ترك الجيش السلطة فهناك حالة عشق بين الشعب وقواته المسلحة منذ القدم، الأمر الآخر أن هناك فئة من الشعب ما زالت واثقة في الرئيس .

وعن مدى استغلال الإخوان ورقة حقوق الإنسان لإسقاط السيسي في انتخابات 2018 ،قال الدكتور سعد الدين إبراهيم :" إن الرئيس مضطر للتهدئة مع جميع تيارات المعارضة الداخلية ،وبالتالي قد يضطر إلى التصالح مع جماعة الإخوان مقابل الحصول على دعمهم في الانتخابات وعدم التصعيد الداخلي ،لافتًا إلى أن الوقت الحالي قد يكون الفرصة الحقيقية لتحقيق المصالحة بين الإخوان والنظام".

ورقة للتغيير

في السياق ذاته قال أمين اسكندر، رئيس حزب الكرامة الناصري السابق ومؤسس حركة كفاية وعضو مجلس النواب السابق، :" إن الحريات وحقوق الإنسان الآن في مصر في تراجع شديد، في سابقة لم تشهدها مصر على مدار السبعين عامًا الماضية ، فهناك تضييق كامل على عمل المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية ، كما تم غلق عشرات المواقع الإخبارية ، ومصادرة بعض الصحف ومنع مقالات العديد من الكتاب من النشر ، وقد وصل الأمر إلى حظر ظهور بعض الساسة والإعلاميين من الظهور في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة ، حتى الإعلام سيطرت الدولة عليه من خلال شراء رجل أعمال تابع للنظام لجميع القنوات الفضائية والصحف والمواقع، كما أن الأحزاب السياسية هي الأخرى أصبحت تابعة للسلطة، في حين دخلت أحزاب أخرى مرحلة الموت الإكلينيكي ، وذلك بفضل الهيمنة الأمنية المشددة على جميع التيارات المعارضة حاليًا ".

مؤكدًا لـ"إيلاف" ، أن التراجع في ملف حقوق الإنسان سوف يمثل أزمة حقيقية في الانتخابات الرئاسية القادمة لعام 2018 في حال ترشح السيسي لفترة ثانية ، فمعظم الشارع المصري الآن غير راضٍ عن هذا التضييق وخاصة الشباب في حالة غليان ،وهو ما يعيد البلاد لما قبل ثورة 25 يناير 2011 ، وهو الأمر الذي قد يصبّ في صالح المرشحين المحتملين في الانتخابات القادمة .

مشيرًا إلى أن ورقة حقوق الإنسان والحريات قد تكون إحدى وسائل الضغط على الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة،ومن المؤكد في حال نجاحه عدم تكرار النسبة الكبيرة التي حصل عليها في الانتخابات الماضية ،في ظل فقدان ثقة الشعب به ، ومن أجل ذلك لا يستبعد حدوث تصالح بين النظام والإخوان .

وقال رئيس حزب الكرامة السابق :" إن العلاقات بين القاهرة وواشنطن تحكم سياستها شركات السلاح والنفط، وبالتالي ترامب لا يملك القرار السياسي بشكل كامل، فالولايات المتحدة سوف تواصل الضغط على السيسي بورقة حقوق الإنسان كما حدث في عهد نظام مبارك ، والهدف تحقيق أكبر مكاسب بمنطقة الشرق الأوسط تصب أولًا لصالح العدو الصهيوني ، ولهذا لا يستبعد لعب الإدارة الأميركية بورقة حقوق الإنسان والمعونة قبل وأثناء الانتخابات الرئاسية المقبلة ، وهو ما يخشاه بالتأكيد النظام الحاكم الحالي مستقبلًا ".

ليس لها أهمية

من جانبه أكد الدكتور عبد السلام النويري ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أسيوط ، ل"إيلاف" ، أن النظام الحاكم يسير في طريقه ، ويقوم بتنفيذ الخطة التي رسمها منذ توليه حكم البلاد دون النظر إلى الضغوط الخارجية ، بدليل خروج قانون التظاهر وحبس الشباب ، وصدور أحكام بالمؤبد والإعدام ضد الإخوان دون النظر لأي ضغوط غربية أو أميركية أو للتنظيم الدولي للإخوان .

وأكد الدكتور النويري ، أن السيسي يلعب بورقة الحرب على الإرهاب لضمان استمراره في حكم البلاد لفترة ثانية ، وهناك دعم شعبي له في ذلك أما مسألة الحريات والديمقراطية فلا يعطي لها أهمية رغم اعترافه بأنها سبب مباشر في تراجع شعبيته كما صرح ذلك من قبل .