إيلاف من بيروت: أبدى مجلس الامن الدولي معارضته للاستفتاء على الاستقلال الذي يعتزم إقليم كردستان العراق تنظيمه الاثنين المقبل، محذرًا من أن هذه الخطوة الأحادية من شأنها أن تزعزع الاستقرار ومجددًا تمسكه بـ"سيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه".

وفي بيان صدر بإجماع أعضائه الـ 15، أعرب مجلس الأمن عن "قلقه ازاء التأثيرات المزعزعة للاستقرار التي قد تنجم عن مشروع حكومة إقليم كردستان إجراء استفتاء بصورة أحادية الجانب الأسبوع المقبل".

وأضاف البيان أن الاستفتاء الذي يعتزم الأكراد تنظيمه الاثنين المقبل "مقرر في وقت لا تزال فيه جارية العمليات ضد تنظيم داعش، والتي تؤدي القوات الكردية فيها دورًا رئيسيًا".

وحذر مجلس الأمن أيضًا من أن إجراء الاستفتاء يهدد أيضًا بـ"إعاقة الجهود الرامية لضمان عودة طوعية وآمنة لأكثر من ثلاثة ملايين نازح ولاجئ" إلى ديارهم.

وشدد البيان، الذي تجنب ذكر كلمة الاستقلال، على أن "أعضاء المجلس يعبرون عن تمسكهم المستمر بسيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه" و"يدعون إلى حل أي مشكلة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في إطار الدستور العراقي عبر حوار منظّم وحلول توافقية يدعمها المجتمع الدولي".

أزمة إقتصادية

وحددت سلطات كردستان العراق 25 سبتمبر الحالي موعدًا للاستفتاء على الاستقلال، في وقت يمر الاقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، بأسوأ أزمة اقتصادية منذ تأسيسه.

ووفقاً لتقرير صدر مؤخرًا عن البنك الدولي، "الصدمة شديدة، حكومة الاقليم المستقلة تواجه انخفاضًا في الايرادات، الأمر الذي ادى الى تأجيل الاستثمارات وتأخير في المدفوعات، خصوصًا بالنسبة الى رواتب الموظفين (الحكوميين) واللجوء الى الاقتراض عبر شركات خاصة محلية وأجنبية ومصارف خارجية".

واكد التقرير ان "الازمة المالية (...) لها تأثير سلبي كبير على النمو الاقتصادي".

وتمكن إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي وفقاً للدستور العراقي الذي اقر عام 2005 بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، من استقطاب المستثمرين كونه منطقة مستقرة آمنياً في بلد يعيش فوضى امنية منذ سقوط النظام السابق.

وتحولت مدينة اربيل التي كانت شبه منسية في عهد النظام السباق الى مدينة مزدهرة، ارتفعت فيها مبانٍ وفنادق حديثة ومراكز تجارية، واستقبلت رجال اعمال اجانب يخططون للقيام بأعمال تجارية واسعة في الاقليم.

لكن هذا التطور الاقتصادي السريع بدأ ينهار مع انخفاض اسعار النفط عام 2014 وهجوم تنظيم داعش منتصف ذلك العام ووصول اكثر من مليون لاجىء سوري، اضافة الى الخلاف مع حكومة بغداد التي قررت عدم دفع حصة الاقليم، 18 بالمئة من موازنة البلاد (حوالى 12 مليار دولار)، الى سلطات الاقليم.

وبدا تأثير هذا الاجراء واضحًا وبشكل سريع، كون مساهمة بغداد تمثل 80 بالمئة من موارد موازنة الاقليم، والامر نفسه في ما يتعلق برواتب قوات البشمركة الكردية.

وأشارت دراسة للبنك الدولي عام 2015، الى ان عجز الميزانية وتدفق النازحين كان لهما اثر سلبي على اقتصاد الاقليم، وأدّى الى "انخفاض قدره 5 بالمئة في نسبة النمو بين عامي 2013 و2014، وارتفاع معدل الفقر الى 8,1 بالمئة بعد ان كان 3,5 بالمئة للفترة نفسها".

واكد مصدر بارز في حكومة الاقليم لوكالة الصحافة الفرنسية انخفاض أجور الموظفين الحكوميين منذ نهاية 2015، بنسبة 60 بالمئة. والاسوأ من ذلك انه لم يتم دفع رواتب موظفي الاقليم، وعددهم 1,2 مليون شخص، خلال الشهرين الماضيين.

وتنتج حقول اقليم كردستان النفطية 600 الف برميل يوميا تصدر 550 الفًا منها يوميا عبر ميناء جيهان التركي.

ويشمل هذا الانتاج حوالى 250 الف برميل يوميًا من حقول محافظة كركوك التي سيطر عليها الاكراد تزامناً مع هجمات تنظيم الدولة الاسلامية منتصف عام 2014.

ديون

ويرى المستشار في حكومة إقليم كردستان فتحي المدرس أن "الازمة المالية حدثت لان (كردستان) اعتمدت على النفط كمصدر رئيسي للدخل. بعد عامين من الازمة تبنت حكومة الاقليم سياسة تقشف وتنويع المصادر خصوصًا من خلال السياحة والصناعة والزراعة".

ويرى المدرس أن توقيت الاستفتاء ليس منها، خصوصًا اذا كان الامر يتعلق بـ"اتخاذ قرارات مصيرية". وترى الخبيرة في شؤون النفط العراقي ربى حصري ان الازمة اكثر سوءًا مما تدعيه حكومة كردستان، موضحة أن "خزائن كردستان فارغة والاقليم ممزق بالديون".

وباع اقليم كردستان نفطه مقابل اموال دفعت مقدماً من شركات مثل فيتول وترافيغورا وغلينكور وبيتراكو، تحصل على براميل نفط مقابل دفع ديون. واقترض الاقليم مؤخرًا، اكثر من ثلاثة مليارات دولار من هذه الشركات، خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة، يتم تسديدها عبر براميل نفط كل شهر.

واقترض الاقليم مؤخرًا مبلغ مليار دولار من شركة روسنيفت الروسية بهدف دفع تعويضات لشركة بيرل بتروليوم، مجموعة خاضعة لشركتين اماراتيتين في نزاع مع كردستان. وستتم اعادة المبلغ الى شركة روسنيفت من براميل النفط.

وفيما يتواصل تراكم الديون، وبسبب استمرار انخفاض سعر النفط، يجد الاقليم نفسه غير قادر على الدفع للمستثمرين الذين يطورون حقولاً نفطية مثل مجموعة "دي ان او" النروجية وغينيل اينرجي الانكليزية التركية.

وتشير حصري الى "توصل حكومة كردستان الى اتفاق جديد أبرمته في اغسطس الماضي مع المستثمرين لزيادة ارباحهم وتوسيع الحقول مقابل إلغاء ديون".

وترى الخبيرة النفطية ان "الاستفتاء الذي ينظمه رئيس كردستان مسعود بارزاني يمثل هربًا الى الامام من أجل البقاء في السلطة فيما الوضع الاقتصادي كارثي". وتضيف ان "التصويت بالايجاب لمصلحة الاستقلال سيتسبب بمعارك على جبهات عدة، لا سيما في المناطق المتنازع عليها، الامر الذي سيخدمه للبقاء في السلطة".