بعد أن ألقت تيريزا ماي خطابا مهمًا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في فلورنسا، هل ستضيف المدينة الإيطالية اسمها إلى قائمة المواقع الأوروبية التي حفرت مكانة لها في تاريخ الاتحاد الأوروبي؟

إبتسام الحلبي من بيروت: بعد أسابيع قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ألقى القائد البريطاني في زمن الحرب وينستون تشرشل خطابا في جامعة زيورخ بسويسرا.

ومن اجل منع الدول الاوروبية من شن حرب مرة اخرى، دعا الى إقامة "نوع من الولايات المتحدة الأوروبية"، وهو أمر جعله، كما يزعم البعض، احد آباء الاندماج الاوروبي.

وقد أصبح الخطاب بعد ذلك موضع نقاش حماسي حول ما إذا كان تشرشل سيدعم إنشاء الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق، أو البريكست.

ويرى آخرون أنه استخدم خطابه في زيورخ للتأكيد على ضرورة التكامل الفرنسي الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، لكنّ أقواله تشير أيضا إلى أنه لم يرغب في أن تصبح بريطانيا جزءًا من "الولايات المتحدة الأوروبية" المقترحة.

باريس 1951

يمكن للعاصمة الفرنسية أن تدّعي بأنها مهد التكامل الأوروبي، مع معاهدة باريس لعام 1951 التي أنشأت الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (ECSC)، الممهّدة لقيام الاتحاد الأوروبي الحالي.

وبدأت الاتفاقية في ربط دول اوروبا اقتصاديًا وقد وقعتها بلجيكا وفرنسا والمانيا الغربية وايطاليا ولوكسمبورغ وهولندا.

روما 1957

قامت نفس الدول التي أنشأت الجماعة الأوروبية للفحم والصلب بخطوة أخرى إلى الأمام عندما اجتمعت في العاصمة الإيطالية بعد ست سنوات للتوقيع على واحدة من أهم معاهدتين في تاريخ الاتحاد الأوروبي.

وانشأت معاهدة روما الجماعة الاقتصادية الاوروبية (EEC)، ما عمّق التكامل الاقتصادي مع "السوق المشتركة" وعزّز الاتحاد الجمركي، وكذلك شكلت المعاهدة أيضاً الجماعة الاوروبية للطاقة الذرية (Euratom) لحكم الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

كما وأدرجت مقترحات للسياسة الزراعية المشتركة، وسياسة النقل المشتركة، والصندوق الاجتماعي الأوروبي، ووضعت ما أصبح اليوم المفوضية الأوروبية.

1965 بروكسل

أنشأت معاهدة الاندماج في العام 1965، التي وقعت في العاصمة البلجيكية، لجنة واحدة ومجلسًا واحدًا للإشراف على الجماعات الأوروبية الثلاث التي كانت موجودة آنذاك - الجماعة الاقتصادية الأوروبية، والجماعة الاوروبية للطاقة الذرية، والجماعة الأوروبية للفحم والصلب.

كما ساعدت على تعزيز مكانة بروكسل باعتبارها مقر اللجنة والمجلس، حيث لا تزال معظم البنى التحتية للاتحاد الأوروبي موجودة اليوم.

1985 شنغن

تقع قرية شنغن الصغيرة المعروفة بصناعة النبيذ على الحدود بين ثلاث دول أوروبية، وقد أعطت اسمها إلى إحدى سياسات الاتحاد الأوروبي.

في الواقع، تمّ توقيع اتفاق شنغن في العام 1985 على متن قارب في نهر موسيل، علماً أنّها ألغت حدوداً داخلية متعددة في أوروبا لتمكين السفر اليوم بدون جوازات سفر في معظم أنحاء القارة.

وكانت بلجيكا وفرنسا وألمانيا الغربية ولوكسمبورغ وهولندا أول الموقعين عليها، ثم انضم إليها 21 بلدًا آخر منذ ذلك الحين.

ومع ذلك، فقد دفعت أزمة الهجرة في أوروبا عددًا من الدول إلى إعادة تطبيق الرقابة على الحدود في العام 2016، وما يزال عدد منها يطبّقها حتى اليوم.

1988 بروج

في العام 1988، وجّهت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر خطابا حادّاً لكلية أوروبا في بروج، موجّهةً نقداً لاذعاً لفكرة أنّ المفوضية الأوروبية برئاسة جاك ديلور كانت تدفع نحو الفيدرالية.

وحذرت قائلة: "لم نقلّص بنجاح تدخل الدولة في بريطانيا، حتى يعاد فرض هذا التدخل على مستوى اوروبي مع دولة اوروبية متضخمة تمارس هيمنة جديدة من بروكسل".

وغالبًا ما ينظر إلى تصريحاتها على أنها مصدر إلهام للمتشككين تجاه الاتحاد الأوروبي، الذين تكتّل عدد منهم في وقت لاحق وراء مجموعة خبراء Bruges Group – التي اختارت اسمها هذا تكريماً لخطاب ثاتشر.

وقد أدى تدخل ثاتشر إلى تعقيد علاقة المملكة المتحدة مع أوروبا وتصاعد التوترات داخل حكومتها، ما أدى لاحقا إلى سقوطها.

1992 ماستريخت

تجدر الاشارة الى ان المعاهدة التي وقعت فى العام 1992 فى مدينة ماستريخت الهولندية اصبحت من اكثر الاتفاقيات المثيرة للجدل فى تاريخ الاتحاد الاوروبي، وأنّ معاهدة ماستريخت، المعروفة رسميا باسم معاهدة الاتحاد الاوروبي، هي التي اقامت الاتحاد الاوروبي ووضعت أسس العملة الاوروبية الموحدة.

كما وسّعت إلى حد كبير التكامل الأوروبي مع إنشاء مواطنية الاتحاد الأوروبي، وإطلاق مبدأ حرية التنقل، فضلاً عن تعزيز التعاون في السياسات الخارجية والأمنية والقضايا المتعلقة بالشرطة والقضاء.

وقد وقعت المعاهدة 12 دولة، بما فيها بريطانيا، بيد ان الموافقة عليها شهدت عدداً من المعارك الوطنية لضمان التوصل الى اتفاق.

وأجبرت الدانمارك على إجراء استفتاء ثان قبل أن يصدق سكانها على المعاهدة، بينما أيّدها التصويت الوطني في فرنسا بشكل محدود. 

أما في المملكة المتحدة، فقد عانى رئيس الوزراء جون ميجور سلسلة من المعارك القاسية مع المحافظين في البرلمان المتشككين تجاه الاتحاد الأوروبي، ما كاد يؤدي إلى إسقاط حكومته.

وولّدت المعارضة البريطانية لماستريخت عددًا من المجموعات المتشككة تجاه الاتحاد الأوروبي، بما فيها المجموعة التي أصبحت في ما بعد حزب الاستقلال البريطاني (UKIP).

1997 أمستردام

سعت معاهدة أمستردام 1997 إلى تحديث معاهدة ماستريخت وتوضيحها، فضلا عن إعداد الاتحاد الأوروبي للتوسع في أوروبا الشرقية.

وقد ادمجت اتفاقية شنغن فى قانون الاتحاد الاوربي لجميع الدول الاعضاء باستثناء بريطانيا وايرلندا بهدف جعل الكتلة اكثر ديمقراطية، واقامت تعاوناً فى مجال اللجوء والهجرة وعزّزت الاندماج على صعيد الشرطة وانفاذ القانون.

وألغى رئيس الوزراء الجديد توني بلير انسحاب المملكة المتحدة من البروتوكول الاجتماعي للاتحاد الأوروبي الذي وُضع في ماستريخت.

2007 لشبونة

بعد محاولة فاشلة لاقامة دستور اوروبي رفضه الناخبون الفرنسيون والهولنديون تم توقيع معاهدة لشبونة في العاصمة البرتغالية عام 2007.

وقد شملت تغييرات متعددة سعى الدستور الأوروبي إلى إدخالها، مثل إنشاء منصب رئيس المجلس الأوروبي؛ وصلاحيات جديدة للمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي ومحكمة العدل الأوروبية؛ وإزالة حق النقض الوطني في عدد من المجالات.

والجدير بالذكر أنّه تم تصميمها كمحاولة لتحسين أداء الاتحاد الأوروبي منذ توسعه، بيد أن المنتقدين اعتبروا الاتفاق مسيرة أخرى نحو الفيدرالية الأوروبية.

وقد تأخر التصديق على معاهدة لشبونة عندما رفضها الناخبون الأيرلنديون في استفتاء أول، قبل أن ينقلب هذا القرار في تصويت وطني ثان.

2017 فلورنسا

توجهت تيريزا ماي إلى مدينة عصر النهضة أملاً في ولادة جديدة في علاقة المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي بعد تصويت بريكست العام الماضي.

ومع توقف مفاوضات البريكست حتى إيجاد مشروع قانون مناسب للخروج، أملت رئيسة الوزراء في تخفيف المأزق بخطاب اعتبر من أهم الخطابات التي ألقتها في حياتها.