برلين: بدأت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الثلاثاء العمل على تشكيل غالبية تخوّلها الحكم وتحييد اليمين المتطرف الذي حقق اختراقا في انتخابات تشريعية جاءت نتائجها أشبه ب"زلزال" أحدث انقساما في المشهد السياسي الالماني.

اجتمعت ميركل مع النواب المحافظين في مقر مجلس النواب الالماني حيث تقلص حجم تحالفها المحافظ من 309 مقاعد الى 246 مقعدا عقب اسوأ نتيجة انتخابية له منذ سبعة عقود.

والتقت في الوقت نفسه كتلة حزب "البديل من اجل المانيا" التي دخلت البرلمان لأول مرة وشغلت 93 مقعدا ويصفها مسؤولون ووسائل اعلام المانية بأنها يمينية متطرفة.

وقال الكسندر غاولاند احد الاعضاء البارزين في الحزب اليميني من أمام مقر البرلمان إن "لغة الحملة تختلف عن اللغة المعتمدة في البرلمان".

واضاف غاولاند "نعلم انه امامنا مسؤولية كبيرة في البرلمان، وايضا تجاه ناخبينا".

وكان غاولاند المنشق عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي اثار غضبا كبيرا في الحملة الانتخابية جرّاء تصريحاته النارية ولا سيما تلك التي دعا فيها الالمان للتخلص من عقدة الذنب من الحربين العالميتين ومحرقة اليهود و"الافتخار" بالمحاربين القدامى.

ولكن مع رغبة الحزب في إبداء استعداده لشغل دوره البرلماني، نغصت احدى زعيماته فراوكي بتري احتفاله بالفوز باعلانها الثلاثاء مغادرة الحزب بسبب خلافها مع الآراء المتشددة لبعض زملائها.

وقالت بتري إنها ستشغل مقعدها في البرلمان بصفتها نائبة مستقلة. ولم يعلن أي نائب آخر انشقاقه معها رغم إعلان عدد من نواب الأقاليم إنهم سيغادرون الحزب.

وضع أكثر تعقيدا 

حظي حزب البديل من اجل المانيا بتأييد بين قواعد المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين، وهما المعسكران السياسيان الرئيسان في البلاد.

وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي دخل في ائتلاف حكومي قاد المانيا على مدى ثمانية اعوام من اصل 12 عاما من حكم ميركل.

وحل حزب البديل من أجل المانيا ثالثا في الانتخابات التشريعية بنسبة 12,6% من الأصوات.

وخسر الائتلاف الحاكم أصوات خمسة ملايين مقترع صوت 1,5 مليون منهم لحزب البديل من اجل المانيا.

وبحسب استطلاعات الرأي، فإن غالبية هؤلاء عبروا عن الغضب من سياسة ميركل حيال اللاجئين، والتي سمحت لأكثر من مليون طالب لجوء بدخول البلاد منذ 2015.

وبعدما سجل الحزب الاشتراكي الديمقراطي اسوأ نتائجه الانتخابية منذ انتهاء الحرب حاصدا 20,5 بالمئة من الاصوات، استبعد الحزب متابعة التعاون من ميركل ما يعني ان بحثها عن ائتلاف حاكم بات مهمة شديدة التعقيد.

من بافاريا الى جامايكا 

ويرى محللون ان الخيار الوحيد المتبقي لميركل هو السعي للتحالف مع الديمقراطيين الاحرار وحزب الخضر، الا ان هذا الخيار محفوف بالمخاطر.

وهذا التحالف الذي يشار إليه بتسمية تحالف "جامايكا" بسبب ألوان الأحزاب الثلاثة الأسود والاصفر والأخضر، غير موجود حاليا في ألمانيا سوى على الصعيد المحلي في ولاية شليسفيغ-هولستاين الشمالية، ومنذ الربيع الماضي فحسب. 

واوردت صحيفة "بيلد" اليومية، التي وصفت الانتخابات بانها "زلزال سياسي"، ان زعماء الاحزاب تحادثوا هاتفيا ليل الاحد حول امكانية التعاون مع ميركل في ولايتها الرابعة.

ويبدو ان الالمان تحمسوا لهذا الطرح مع اظهار استطلاع أجراه معهد "إنفراتست" المستقل ان 57 بالمئة منهم يؤيدونه.

الا ان الخلافات الايديولوجية الكبيرة قد تعرقل مثل هذا التحالف.

ويقول يورغن فالتر العالم السياسي في جامعة ماينتس في غرب المانيا لصحيفة بيلد "هناك العديد من العراقيل أمام قيام ائتلاف جامايكا".

واشار فالتر الى ان حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري المتحالف مع حزب ميركل الاتحاد المسيحي الديمقراطي والذي غالبا ما ينتقد سياستها حيال اللجوء، لم يتبق لديه ما يخسره بعد الخسارة القاسية التي مني بها في الانتخابات.

ويرجح فالتر ان يشدد حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي موقفه من الهجرة وهو ما يضع امكانية التوصل الى اتفاق مع حزب الخضر خارج المعادلة، لا سيما ان بافاريا ستشهد انتخابات في 2018.

ويختلف حزبا الخضر والليبراليين حول الكثير من الملفات الاساسية مثل الهجرة ومستقبل الديزل والتخلي عن الفحم، كما أن لكل منهما خلافات أساسية مع المحافظين.

وقال فالتر إن "مفاوضات الائتلاف ستكون شائكة للغاية لان الاحزاب الصغيرة سيكون لديها الكلمة الفصل حيث يبدو قيام (ائتلاف) جامايكا هو الخيار الاوحد".

وقال زعيم كتلة المسيحيين الاجتماعيين الجديد الكسندر دوبرند إن على المحافظين أن يعيدوا ترتيب بيتهم قبل الحديث مع شركاء محتملين.

وكانت ميركل اعربت عن املها في تشكيل حكومة جديدة بحلول عيد الميلاد الا ان صحيفة "دي فيلت" ذات الميول اليمينية حذرت من ان الوصول الى طريق مسدود قد يؤدي الى اجراء انتخابات جديدة.

ولا يتوقع كثيرون بدء المحادثات الجدية لتشكيل ائتلاف قبل اجراء انتخابات في مقاطعة ساكسونيا السفلى في 15 اكتوبر.