قدّم حرفيّون مهرة من مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرّفة، عرضاً حيّاً لصناعة كسوة الكعبة، بمشاركة خاصة في أول ورشة تأتي ضمن مجموعة ورش يقدمها معرض "الحج: رحلة في الذاكرة"، المقام في جامع الشيخ زايد الكبير، بمناسبة مرور 10 سنوات على افتتاحه، حيث كانت صلاة عيد الأضحى عام 2007 أول صلاة تقام فيه، وذلك تحت رعاية الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، والذي يستمر حتى 19 مارس من العام المقبل.

واستخدم الصنّاع، قطعاً حريريّة أصليّة من الكسوة التي يتم العمل عليها حالياً استعداداً لموسم الحج المقبل، حيث يتم استبدال الكسوة صبيحة يوم عرفة الموافق التاسع من ذي الحجة من كل عام. 

وتضمّنت الموادّ التي استخدمها صنّاع الكسوة خلال مشاركتهم في معرض "الحج: رحلة ف الذاكرة"، قطع قماش حريريّة باللّون الأسود الذي تشتهر به كسوة الكعبة المشرّفة، منقوشاً عليها آيات قرآنية يتم تطريزها باستخدام خيوط من الفضّة والذّهب، حيث يُزين الكسوة 21 قنديلاً على جهاتها الأربع، منها أربع "صمديات" وأربعة قناديل "يا رحمن يا رحيم" وأربعة قناديل "يا حي يا قيوم" وخمسة قناديل تُطرّز عليها عبارة "الله أكبر"، توضع أعلى الحجر الأسود، بالإضافة إلى النّقوش والزخارف الأخرى التي تلف الكسوة من جميع الجهات.

وقدّم الحرفيّون عرضاً حيّاً لحياكة وتطريز النّقوش، والزّخارف التي تميّز الكسوة، والمواد المستخدمة، حيث تحتاج صناعة الكسوة إلى مواد متنوّعة من بينها الحرير والقطن وخيوط الفضّة والذّهب والصّبغ الأسود الذي يستهلك الثّوب الواحد منه 100 كيلو جرام. ويستغرق إنتاج الكسوة من 8-9 أشهر، وتستهلك 670 كيلوجراما من الحرير، و100 كيلو جرام من خيوط الفضة المطلية بالذهب و120 كيلوا، من أسلاك الفضة، لتصنيع الكسوة التي يبلغ ارتفاعها 14 مترًا، بينما تبلغ المساحة الإجمالية للثوب 655 متراً. 

وقد تم توزيع قوارير مياه زمزم على زوّار جناح صناعة الكسوة، كما وُزِّعت الصّورً التّذكاريّةً والمطبوعاتٍ والكتب حول تاريخ مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرّفة.

ولا يقتصر عمل مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة على حياكة الكسوة وحسب، بل والعناية بها على مدار الساعة عبر وحدة الخياطين الموجودة داخل المسجد الحرام، إلى جانب قيام المجمع بإنتاج الأعلام الرّسميّة والشّعارات الحكوميّة والمشاركة في الفعاليات والمعارض داخل المملكة وخارجها بقطع من كسوة الكعبة المشرّفة والأفلام الوثائقيّة، إضافة إلى إصدارات المجمع المختلفة.

يذكر أن المعرض يضم قسم الرحلات ويحتل حيزا كبيرا منه، حيث يستعيد ذكريات رحلة حج الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، التي قام بها عام 1979 ونقل التلفزيون الملون حينها تفاصيل الرحلة من خلال تقارير يومية مرئية، ويعرض المعرض هذه التقارير التي تعود إلى شركة أبوظبي للإعلام، يظهر فيها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في مقابلة تلفزيونية أجريت معه من مشعر "منى" يتحدث فيها عن المقاصد وراء الحج.

كما يستعيد معرض "الحج: رحلة في الذاكرة" الصعوبات التي كان يتكبدها الحجاج الإماراتيون قبل قيام الاتحاد لأداء فريضة الحج، ولاسيما الطرق الوعرة التي كانوا يقطعونها على ظهور الجمال أو سيرًا على الأقدام، أو عبر ميناء الدمام في السعودية في رحلة بحرية مضنية.

ويسلط المعرض الضوء على الركن الخامس في الإسلام ومكانة الحج إلى بيت الله الحرام في نفوس المسلمين من التعرف إلى قيم التواصل الحضاري والثقافي في هذه الشعيرة الكبرى، حيث يرصد المعرض تاريخ تطور رحلة الحج ليس من خلال الطرق والأدوات والتقاليد فقط، بل أيضا من خلال تزايد أعداد المسلمين الملبين للنداء الرباني من كل أصقاع الأرض، والقصص الإنسانية المرتبطة بهم.

كما يسلط المعرض الضوء أيضاً على ابتكارات المسلمين الأوائل لتسهيل رحلة الحج، من خلال بناء الاستراحات وحفر الآبار على طرق الحج البرية، وما رافق ذلك من تقاليد وفنون تحتفي بموسم الحج العظيم".

ويتضمن سرداً تاريخياً دقيقاً لتطور الطرق التي عبرها الحجاج قبل استحداث الطائرات، ويتتبع الارث المعرفي الذي تكون عبر هذه الرحلة التي استخدمت فيها أدوات فلكية لتحديد مواقع النجوم التي تحدد الطرق الصحيحة إلى مكة المكرمة، مثل الاسطرلاب، ومؤشر اتجاه القبلة الذي مكن من تحديد اتجاه الصلاة عبر هذه الرحلة الطويلة. 

يتضمن المعرض قطعاً أصلية من هذه الأدوات مثل الاسطرلاب النحاسي الموقع من قبل أحمد بن محمد بن ابراهيم، من المغرب، ويعود إلى عام 1123 هجري (1711/1712 ميلادي) وهو من مقتنيات متحف زايد الوطني. كما تعرض مجموعة من مؤشرات القبلة من مجموعة ناصر داوود خليلي للفن الاسلامي، تعود إلى فترات اسلامية مختلفة واستخدمت في صنعها مواد مختلفة مثل الخشب المطلي والنحاس والعاج والجلد وغيرها من مواد.

كما يعرض رسوماً بيانية لطرق الحج عبر الجزيرة العربية مع تسليط الضوء على الأماكن التي توقف عندها الحجاج ، مثل شجرة "الشبهانة" المعمرة بالقرب من مدينة السلع، وآخر لطرق سلكها مسلمو العالم عبر قارتي أفريقيا وآسيا وصولا إلى بيت الله الحرام، ومنها شبكة سكة حديد الحجاز التي أقامها العثمانيون بدايات القرن العشرين لربط المدن الكبرى بمكة المكرمة، وهو المشروع الذي يعد مفصليًا في تاريخ الحج إذ ساهم في تيسير رحلة الحج ومهد للمزيد من التحديث في الرحلة، وتعرض مجموعة نادرة من الصور والبطاقات البريدية التي وثقت المشروع حتى تدميره أثناء الحرب العالمية الثانية.

كما يستعيد المعرض إرث عصر البواخر التي دخلت الخدمة في أواسط القرن العشرين وسرعت من رحلة الحج عبر القارات، ومن بين الصور النادرة في المعرض صور غرق سفينة حجاج قبالة سواحل دبي عام 1968 في طريقها إلى باكستان، وهي من أرشيف المصور الشهير نور علي راشد.

ومن بين أبرز المعروضات الأخرى؛ مخطوطات إسلامية، وصور فوتوغرافية أرشيفية وآثار، تمت إعارتها من مجموعة من المؤسسات المحلية والعالمية، إلى جانب مجموعة من المقتنيات الخاصة والمقتنيات الشخصية وتذكارات الحج التي قدمها أفراد المجتمع.