«إيلاف» من الرباط: اقامت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في المغرب بإعداد برنامج جديد، يروم "تأهيل السجناء وتطوير كفاءاتهم ومقدراتهم المعرفية في اتجاه ترسيخ ما يتحصل في هذا الاطار على مستوى الفكر والسلوك".

وتندرج في إطار هذا البرنامج، الذي يحمل تسمية "كفايات"، مجموعة من البرامج التي "تستجيب لحاجيات السجناء ولمتطلبات إدماج سليم وفعال في المجتمع"؛ بينها "برنامج الجامعة في السجون"، الذي "أتاح لمجموعة من السجناء بمن فيهم سجناء التطرف والإرهاب، التفاعل والحوار مع مفكرين وشخصيات وازنة من الحقل المعرفي والثقافي والتعليمي ومناقشة مواضيع تهم المعيش اليومي والاهتمامات اليومية للسجناء، بعيداً عن تخصيص الجانب الديني في هذا النقاش". وتناولت أول دورة للجامعة موضوع "المواطنة كمدخل للإدماج"، فيما تناولت ثاني دورة (الجامعة الربيعية بالدار البيضاء) موضوع "أي دور للمنتخب في تأهيل السجين للإدماج"، وكان موضوعاً جديداً بالنسبة إلى السجناء، ثم الدورة الخريفية الأخيرة بالسجن المحلي راس الماء بفاس، يومي 20 و21 سبتمبر الجاري، حول موضوع "التأهيل الديني والتغذية الروحية للسجناء، ودور التأهيل الديني والصوفية في تأهيل السجناء للإدماج".

وأشار بيان في الموضوع إلى أن هذه المواضيع كلها "تتم مناقشتها مع السجناء، بمن فيهم سجناء قضايا التطرف والإرهاب من زوايا ومرجعيات متعددة، دينية وثقافية وسياسية وتنموية وغيرها، وتتيح تحصين الفضاء السجني من الغلو والتطرف في قضايا ليست دينية فحسب ولكن مجتمعية أيضاً".

محمد صالح التامك المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج

 

ثم هناك "الملتقى الوطني للأحداث"، الذي يستفيد من خلاله هؤلاء السجناء وعددهم يقارب الألف من برنامج تأهيلي مكثف على مدار ثلاثة أيام، يشمل ورشات فنية في الرسم والموسيقى والمسرح والكتابة الأدبية والتأهيل النفسي، بالإضافة إلى محاضرات وورشات تعنى بالقضايا الآنية للشباب على مستوى الإدماج والتعليم والتنمية الثقافية والاقتصادية، حيث يعرف الملتقى مشاركة عائلات السجناء لمواكبة أبنائهم وانخراطهم في تتبع البرامج التأهيلية المسطرة لهم.

ثم هناك برنامج المسابقات الوطنية في المجالات الدينية والثقافية والرياضية، والذي يعرف سنوياً مشاركة ما يقارب 28 ألف سجين، ويتم تحكيم وتأطير هذه المسابقات من طرف أطر متخصصة تابعة للقطاعات الحكومية الوصية على أساس أن يتم تتويج الفائزين ضمن مهرجانات ثقافية ودينية ورياضية تنظم بمختلف جهات المملكة.

وأيضاً، هناك برنامج "التأهيل في مجال المقاولة الذاتية"، والذي استفاد منه أكثر من 200 معتقل، خلال السنة الجارية، فقط، ويستهدف السجناء الحاصلين على شهادات في التكوين المهني والتعليم بمعدلات عالية على أساس تأهيلهم في مجال إحداث المقاولات الذاتية.

ويضاف إلى هذه البرامج برنامج "مصالحة"، الذي قامت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بإعداده في إطار الصلاحيات المخولة لها، ومن منطلق المسؤولية المنوطة بها قانوناً على مستوى تهيئ السجناء للإدماج، حيث "كان لابد من التفكير في برنامج مخصص للمدانين في قضايا التطرف والإرهاب، على غرار بقية الساكنة السجنية من معتقلي الحق العام". ومن ناحية ثانية، يضيف البيان، فهذا البرنامج تم إعداده في إطار توجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس على مستوى "تأهيل العدالة الجنائية، وتكريس مفهومها العقابي والإصلاحي في الوقت نفسه"، حيث "كان لابد من استكمال استراتيجية المملكة على مستوى مكافحة الإرهاب والتطرف على مستوى العناية والاهتمام بالساكنة السجنية المعتقلة في إطار قضايا التطرف والإرهاب، بحكم أن هناك موعداً للإفراج عنهم في يوم من الأيام، وبالتالي عودتهم إلى المجتمع، ولابد من اتخاذ تدابير تكفل إدماجهم بشكل سليم وفعال داخل المجتمع".

المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج

وترجع الحاجة إلى برنامج "مصالحة"، إلى جملة أسباب، أولها، أن "هناك مجموعة من السجناء على موعد مع الإفراج عنهم، وبالتالي يجب تأهيلهم قبل الإفراج لضمان اندماجهم بشكل سليم في المجتمع"، وثانيها "لأن تأهيل هؤلاء السجناء وإصلاحهم وانخراطهم في المسار الإيجابي للمملكة على مستوى إشاعة ثقافة التسامح والتكافل وتقبل الاختلاف السليم، سيشكل رسالة قوية لمن يستقطب بأفكار متطرفة وأعمال إرهابية، على أساس أن من أدين في هذه الجرائم إذا قام بتصحيح سلوكه والرجوع عن أفكاره وقام بتبني تمثل صحيح للذات وعلاقته السليمة مع المجتمع ومع النص الديني، في إطار القيم المجتمعية السليمة، يمكنه الاندماج في المجتمع من جديد بعد الإفراج عنه، وهذه رسالة قوية من داخل وخارج السجن"، وثالثا، أنه "على مستوى المحيط الأسري لهؤلاء السجناء، لابد من القول إن تطرف هؤلاء وعزلهم داخل السجن دون انخراطهم في البرامج سيكرس انغماسهم وانغلاقهم على ذواتهم في أفكارهم المتطرفة، وبالتالي يشكل ذلك خطراً محدقاً عند الإفراج عنهم، سواء تجاه أسرهم أو تجاه عامة المواطنين".

كما سطرت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج برامج أخرى "تعنى بتطوير كفايات السجناء وتمكينهم من ترسيخ ما يتم تحصيله في هذا الاطار على مستوى السلوك والفكر ومقاربة القواعد المجتمعية والقانونية في اطارها الصحيح والسليم"؛ ومن ذلك برنامج حول "التأطير بالنظير في مجال إشاعة ثقافة التسامح والقيم الصحيحة لديننا الإسلامي"، استفاد منه ما يقارب 12 ألف سجين في إطار شراكة مع الرابطة المحمدية لعلماء المغرب.

وبالإضافة إلى برنامج "كفايات"، هناك برامج تأهيلية يتم إعمالها في إطار معايير نظامية، أهمها برنامج "فرصة وإبداع"، وهو برنامج يروم تكوين مكونين في حرف تقليدية يتوفرون على تجربة مهمة، واستفاد خلال الاشهر الأولى من السنة الجارية ما مجموعه 135 سجيناً من تكوين تقني وبيداغوجي ( تربوي) أطر من طرف المكتب الوطني للتكوين المهني ووزارة الصناعة التقليدية، وأسند لهؤلاء تكوين ما مجموعه 230 سجينا في حرف تقليدية في عدد من المراكز في السجون، فيما سيتم الاستمرار في العملية في أفق استفادة أزيد من 15 ألف سجين.

وعلى مستوى آخر، هناك ورشات تأهيلية استفاد منها، برسم 2017، إلى حدود شهر اغسطس الماضي، ما مجموعه 5267 سجيناً في مجالات المسرح والموسيقى والفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي، وهناك، أيضاً، برامج التكوين المهني والفلاحي، حيث سجل، برسم سنة 2016-2017، ما مجموعه 9056 معتقلا، وفي برامج التعليم عرف الموسم الدراسي 2016-2017 تسجيل ما مجموعه 4092 معتقلا في مختلف المستويات التعليمية بما فيها التعليم الجامعي. يضاف إلى ذلك برنامج "سجون من دون أمية"، الذي أطلقته المندوبية العامة، برسم 2017، والذي يستهدف استفادة 11 ألف سجين محكوم نهائياً، يعاني الأمية، من برنامج محو الأمية. وتمكنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إلى حدود شهر اغسطس الماضي، من تمكين 10412 نزيلا من الاستفادة من البرنامج ما يشكل نسبة إنجاز تصل إلى 95 في المائة. وفي هذا الصدد، يساهم 72 معتقلا في تأطير نظرائهم السجناء في هذا البرنامج، بعدما استفادوا من دورة تكوينية نظمتها الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية.

يشار إلى أن عدد الساكنة السجنية، في المغرب، يناهز، حسب إحصائيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج (غشت 2015)، 76794 سجيناً، يمثل فيهم الذكور نحو 98 في المائة، بـ74917 سجيناً.

ويتوزع السجناء، حسب المهنة، بين المهن الحرة بـ39 في المائة، والحرفيون بـ42 في المائة، والمستخدمون بـ14 في المائة، والعاطلون بـ13 في المائة، والفلاحون بـ8 في المائة، والموظفون بـ1 ونصف في المائة، والمتقاعدون بنصف واحد في المائة.

وفيما يخص تصنيف السجناء، حسب الحالة العائلية، يمثل العزاب نسبة 62 في المائة، يليهم المتزوجون بـ34 في المائة، والمطلقون بـ3 في المائة، والأرامل بنحو 1 في المائة.