عين العرب: رغم انكفاء مقاتليه الى آخر جيب في مدينة الرقة التي كانت تعد أبرز معاقله في سوريا، ما زال تنظيم الدولة الاسلامية قادراً على التسلل وشن هجمات مباغتة ودموية ضد قوات سوريا الديموقراطية في أحياء ظنت أنها باتت آمنة.

وخسر التنظيم سيطرته على أكثر من تسعين في المئة من مدينة الرقة، منذ بدء قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية في حزيران/يونيو هجوما للسيطرة على المدينة بدعم من التحالف الدولي بقيادة اميركية.

ورغم تراجعهم الى المربع الاخير في وسط المدينة، تمكن العشرات من مقاتلي التنظيم قبل أيام من التسلل متنكرين بثياب عسكرية الى حي المشلب، أول حي تمكنت قوات سوريا الديموقراطية من السيطرة عليه على الاطراف الشرقية للمدينة. وفتحوا نيرانهم على مركز اعلامي تابع لهذه القوات في الحي.

ويقول المسؤول عن هذا المركز الاعلامي هفال كاني الذي كان على تواصل مع فريق وكالة فرانس برس اثناء وقوع الهجوم "لبسوا ثياب وحدات حماية الشعب الكردي وجاؤوا على متن ست سيارات من جهة الشرق".

وأسفرت ساعات من المعارك بين الطرفين عن مصرع مقاتلين على الاقل من قوات سوريا الديموقراطية التي كانت تظن ان الحي يشكل قاعدة خلفية آمنة لعناصرها.

واثر الهجوم، قطعت هذه القوات الطريق المؤدي الى شرق الرقة لايام بالبراميل المعدنية والعوائق الرملية، رغم انه شكل خلال الاسابيع القليلة الماضية ممراً للمدنيين الهاربين. 

واتخذ مقاتلو قوات سوريا الديموقراطية وضعية التأهب القصوى على الحواجز الكثيفة التي اقاموها، واخضعوا السيارات والدراجات النارية لعملية تفتيش دقيقة.

وخلال هذا الاسبوع أيضاً، حاول عناصر التنظيم المتطرف التسلل لمرتين الى غرب المدينة من دون ان يتمكنوا من ذلك.

وتوجهت أكثر من عشر عربات تابعة لقوات سوريا الديموقراطية من الضاحية الغربية الى وسط المدينة لتعزيز نقاطها الامنية الموجودة هناك.

ويقول مسؤولون في قوات سوريا الديموقراطية ان مقاتلين من التنظيم حاولوا الجمعة التسلل الى خارج المدينة بين المدنيين الفارين من المعارك.

خلايا نائمة وأنفاق

يؤكد مدير المركز الاعلامي لقوات سوريا الديموقراطية مصطفى بالي لفرانس برس ان "هناك أكثر من محاولة من داعش لفك الطوق عن المحاصرين في الداخل، بينها ضرب الخطوط الخلفية لقواتنا".

واستخدم التنظيم في هجومه على حي المشلب وفق بالي، ثلاثين مقاتلا على الاقل تسللوا من منطقة تقع على بعد كيلومترات عدة شرق حدود الرقة.

ويقول "هذا دليل على أن التسلل كان كبيراً على منطقة يفترض ان تكون آمنة نوعاً ما"، وذلك يؤشر الى استمرار وجود "خلايا نائمة" تابعة للتنظيم.

ومنذ اعلانه "الخلافة الاسلامية" صيف العام 2014 على مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق، باتت مدينة الرقة تعد أبرز معاقله في سوريا. وفرض على السكان قيوداً مشددة تطال مختلف جوانب حياتهم كما شهدت ساحات المدينة عمليات اعدام وحشية وانتهاكات جسيمة نفذها بحق كل من خالف احكامه.

وعلى رغم ان معظم احياء مدينة الرقة باتت اليوم تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية المدعومة اميركياً الا ان مقاتليها يوضحون انهم لم يتمكنوا من تمشيط منازلها الواحد تلو الاخر.

ويخشى بعضهم اعتماد التنظيم على شبكات ضخمة من الانفاق لتنقلهم بين الاحياء بشكل سري.

ويروي أحد المقاتلين في غرب المدينة جكر ديريك لفرانس برس "كيف تعرضنا قبل يومين لهجوم من تحت الارض بعد خروج عدد من عناصر داعش اشتبكنا معهم".

ويشير الى مدخل نفق مغلق حالياً داخل مبنى يقع على بعد مئات الامتار غرب مشفى الرقة الوطني، حيث يعتقد ان المئات من مقاتلي التنظيم محاصرون هناك مع المدنيين .

ويقول "يدخلون النفق من هناك لكن نهايته (مخرجه) ليست واضحة".

"يأتيك من أي مكان"

ويقول مقاتلون من قوات سوريا الديموقراطية وممثلون عن التحالف الدولي بقيادة اميركية الداعم لهجومهم في الرقة، ان عناصر التنظيم يحاولون الاختلاط بين المدنيين النازحين للفرار بشكل سري من المدينة قبل شن هجمات جديدة. 

وأعلن التحالف الدولي الاسبوع الماضي أنه ألقى القبض على العديد من مقاتلي التنظيم بينهم قيادي محلي، خلال محاولتهم الفرار من المدينة الى جانب السكان.

ويوضح قيادي كبير في التحالف الدولي موجود في شمال سوريا لفرانس برس ان "محاولة التسلل بين المدنيين النازحين ومن ثم الخروج والتخفي مسألة نشعر بالقلق ازائها".

وتظهر الهجمات الاخيرة المباغتة للتنظيم انه رغم كل خسائره، ما زال يشكل تهديداً يحاول الحاق الأذى بقوات سوريا الديموقراطية.

ويقول القيادي الاميركي "انه (التنظيم) أشبه بملاكم يتلقى ضربات متتالية على الحبال، لكنه ما زال قادراً على تسديد لكمات بين الحين والاخر، بالتالي لا يزال خطيراً".

في حاوي الهوى، احدى الضواحي الغربية للرقة التي سيطرت عليها قوات سوريا الديموقراطية منذ أشهر عدة، يخشى المقاتل جمال محمود أن يجد نفسه ورفاقه الهدف المقبل لتنظيم الدولة الاسلامية بعد ورود انباء حول الهجوم على المشلب.

ويقول "في أي لحظة يمكن ان يحصل هجوم" من الجهاديين.

ويتابع "في الجبهة، تعرف أن العدو سيأتيك من الأمام لكن في مدينة محررة ومع وجود أنفاق، يمكن أن ياتيك من أي مكان".