إيلاف من نيويورك: قبل أن يبزغ نجم دونالد ترمب كمرشح رئاسي في الولايات المتحدة الأميركية، كان ستيفن بانون يحاول اقناع شخصيات تنتمي إلى التيار القومي المحافظ للترشح إلى الانتخابات الرئاسية في البلاد.

ستيفن بانون الذي يعتنق الايدولوجيا القومية حثّ وزير العدل الحالي جيف سيشنز إلى الترشح للرئاسة ورفع شعارات القوميين، "قد تفوز او تخسر ولكن ترشحك سيمهد الطريق"، هكذا خاطب الاستراتيجي سناتور الاباما يومها.

هذا هو الرجل

وبعدما أطل ترمب على المشهد الرئاسي رافعًا شعارات القوميين حيال ملفات التجارة والاقتصاد والهجرة، قال بانون، هذا هو الرجل الذي لطالما بحثنا عنه كثيراً، فوضع مُنظر القوميين بيضه في سلة رجل الاعمال وقطب العقارات.

بانون المؤدلج إنتهت رحلته مع ترمب محترف فن صناعة الصفقات بحرب كلامية من طرف واحد، فبمجرد تصويب بانون على نجل الرئيس، صبّ الرئيس الأميركي كل ناره وغضبه على كبير مساعديه الاستراتيجيين سابقًا، فأصبح قذراً بحسب وصفه، وانتهازياً لا استراتيجيًا بحسب نجله الأكبر.

تساؤلات

وفي الساعات التي تلت تصريح الرئيس الشهير حول بانون والقول بأنه لم يفقد وظيفته فحسب بل عقله أيضًا، دارت ماكينة الجمهوريين المنتشين بتمرير مشروع الإصلاح الضريبي لتدهس رئيس موقع بريتبارت، وكذلك انضم القسم الأكبر من المحافظين لإصدار بيان نعي مسيرة المساعد الاستراتيجي، وبقي السؤال الأكبر الذي يشغل المراقبين، هل فقد بانون عقله فعلا لينهي مشواره بهذه الطريقة، وهل نشوة المناصب والظهور الاعلامي افقدته توازنه؟ فوقع في شر تصريحاته.

تاريخ الرجل

مسيرة بانون لا توحي وأنه شخص مغمور تفقده الشهرة صوابه وتودي به إلى المهالك، فإعلامياً نجح الرجل في جعل موقع بريتبارت اليمني في مصاف وسائل الإعلام المؤثرة في الولايات المتحدة، ووصل إلى أوروبا أيضًا، وتمكن بواسطة الموقع الالكتروني من منافسة وسائل إعلامية أميركية ذات شهرة عالمية، وسياسيًا قاد حملة ترمب الانتخابية إلى بر الأمان، وحتى على صعيد انتخابات ولاية الاباما لعضوية مجلس الشيوخ، تمكن مرشحه روي مور الذي يمتلك تاريخًا مثيرًا من الجدل من اقصاء مرشح الحزب الجمهوري والرئيس الأميركي لوثر سترينج، ولولا فضيحة التحرش الجنسي وانقلاب بعض الجمهوريين لكان مور في مجلس الشيوخ اليوم بدلا من دوغ جونز.

التصريح الصادق

في الواقع، فإن تصريح بانون الأول عقب خروجه من البيت الأبيض والذي قال فيه "إن رئاسة ترمب التي قاتلنا لأجلها إنتهت" هو أكثر التصريحات صدقًا للمساعد السابق، فبانون ليس رجل اعمال بل رجل يعتنق أيديولوجيا قومية، وشاهد بأم عينه ان من رفع ترمب سيفه عليهم ابان الحملة الانتخابية (المقصود جماعات وول ستريت والمنادين بالعولمة وغيرهم) عاد وأدخلهم إلى ادارته، وثبتهم في مناصب حساسة، كغاري كوهن ودينا بأول وهيربرت ماكماستر، مسؤوليات رفيعة المستوى، وكذلك دعم مرشحين جمهوريين تقليديين لا يؤيدون اجندته السياسية (ايد غلاسبي في فرجينيا مثلا)، واعلن اكثر من مرة أيضا رغبته في تسوية ملف الحالمين، الأمور هذه مجتمعة جعلت بانون يصل إلى قناعة مفادها أن ترمب تخلى عن القضية التي قاتل ورفاقه من اجلها.

رهان جديد على مولر

كبير الاستراتيجيين الذي راهن على ترمب وفشل، يراهن اليوم على المحقق الخاص، روبرت مولر (فريق التحقيق استدعى معظم المساعدين السابقين والحاليين لترمب ولم يستدعِ بانون)، لإستعادة ماء الوجه أمام القاعدة الشعبية، فتصريحاته الأخيرة عبدت الطريق امام مولر لتوجيه اتهامات إلى جارد كوشنر او دونالد ترمب جونيور او الاثنين معا، فهو فتح اعين المحققين اكثر على قضايا عديدة ابرزها، طرد مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، جيمس كومي ودور جاريد كوشنر، واجتماع برج ترمب الشهير بين كوشنر، ترمب جونيور، بول مانافورت من جهة والمحامية الروسية، ناتاليا فيسيلنيتسكايا من جهة ثانية وذهب بعيدًا عندما تساءل عن سبب عدم اعلام الاف بي أي بهذا الاجتماع على الأقل بعد انتهائه، عدا عن وصفه بالخيانة وغير الوطني، وكذلك يراهن على اندرو وايسمان المحقق المختص بالتحقيقات التي تتناول عمليات غسيل الأموال والذي يتابع ملفات جاريد كوشنر، والجدير بالذكر ان الاعلام الأميركي تحدث عن اعجاب بانون بهذا المحقق حيث وصفه بالقاتل وهذا الوصف يعد اعلى درجات الثناء في قاموس كبير المساعدين السابق.

على قاعدة "اللهم اشهد فإني بلغت" عمل بانون طوال الأشهر الأخيرة، فهو مقتنع إلى ابعد حدود بأن كوشنر سيقع في شباك روبرت مولر، وإذا ما طابق بيدره حسابات المحقق الخاص فسيتمكن من الخروج امام الحركة الشعبية ليقول حذرتكم من قبل، مستعيدًا زخمه لدى التيار الذي ينتمي اليه، وبحال ذهبت الأمور نحو الأسوأ بالنسبة إلى الرئيس واصبح في مرمى نيران التحقيق (فريق ترمب يسعى جاهدًا منذ فترة للحصول على رسالة من فريق التحقيق تُفيد بأن لا علاقة للرئيس بالتواطؤ الروسي)، سيدعم كبير المساعدين موقفه اكثر ويعيد التذكير بنبوءته حول فرص عزل ترمب وان حظوظ الأخير في البقاء في منصبه حتى انتهاء فترة ولايته عام 2020 لا تتجاوز 30 بالمئة. بإختصار حرب بانون وترمب الحقيقية لم تبدأ بعد.