«إيلاف» من الإسكندرية: أكد الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية، على أن الأدب والفن والموسيقى أدوات لصناعة الحياة واستمرارها، أما الإرهاب فهو أداة لتدمير الحياة وإنهاء الوجود. وقال في افتتاح المؤتمر السنوي الرابع لمواجهة التطرف الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية في الفترة من 28 إلى 30 يناير، ويدور حول دور الفن والأدب في مواجهة التطرف "إننا نحارب في معركة يباركها الله سبحانه وتعالى الذي دعانا للسعي في الأرض وأن نعمر معا لا أن نقتتل أو نتصارع".

وأضاف الفقي " أن مصر هي أرض التسامح والثقافات والديانات وأن أغلى سلعة في مصر هي السلعة الثقافية، والقوى الناعمة كلها تقوم على الثقافة، وقد منحت محافظة القاهرة أخيرا للمكتبة قصر الأميرة خديجة بحلوان، والذي ننوي أن نجعله متحفاً للديانات التي مرت على مصر بدءا بالديانات الفرعونية ومفهوم التوحيد عند إخناتون وصولا لليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام. وإن مصر أرض الأديان السماوية تعكس عبر العصور تعايش بين الاديان رسخه الشعب المصري بثقافته القائمة على التسامح والاستيعاب، وإن عاصمتها القاهرة تمثل متحفًا مفتوحًا لكل الديانات".

ولفت الفقي إلى أن مؤتمر التطرف يأتي في وقته تمامًا، حيث يموج العالم بتيارات الفكر المظلم والمتطرف، التي ينبغي مواجهتها معا، مؤكدا أن المكتبة قررت أن يكون عام 2018 هو عام الجدية في مواجهة التطرف، حيث ستوجه المكتبة طاقاتها للشباب والفئات العمرية الأصغر، وستعمل على التواصل مع المؤسسات الدينية بهدف تنظيم زيارات مكثفة وبرامج خاصة لهم في المكتبة، بهدف تقديم برنامج ثقافي مدروس فكريًا تنويريًا، يواجه آفة التطرف، ونشر ثقافة التسامح والمواطنة وقبول الآخر في المجتمع.

شارك في افتتاح المؤتمر الذي يحضره ما يزيد عن أربعمائة مثقف وباحث وأكاديمي وإعلامي، كل من محافظ الإسكندرية د.محمد سلطان ، ود.ماريو جاتي، مدير الجامعة الكاثوليكية في ميلانو بإيطاليا، ود.جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، ود.محمد الرميحي عالم الاجتماع والمفكر الكويتي، والكاتب اللبناني جهاد الخازن، والفنان أشرف زكي نقيب الفنانين.

مكتبة الإسكندرية... موطن للحضارات

وأعرب محافظ الإسكندرية عن تقديره لانطلاق المؤتمر من مكتبة الإسكندرية التي طالما كانت موطناً للحضارات والتسامح والمواطنة، وحاضنة للكثير من الفنانين والأدباء الذين أصبحوا أعلامًا في مجالاتهم. وأكد أن الفن والأدب هما من ركائز الحياة، والأقرب إلى الوصول لقلوب الشعوب، مشددًا على أهمية تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين الشعوب، وخاصة على مستوى الشباب، لترسيخ مبادئ التسامح والأخوة والسلام.

ورأى د.ماريو جاتي، مدير الجامعة الكاثوليكية في ميلانو بإيطاليا، أن الأدب والفن يساعداننا على استعادة مفهوم الثقافة، بحيث يتم تخطي الصور النمطية التي تجعل الإنسان منغلقاً على نفسه. وقال إن المبادرات واللقاءات مثل هذا المؤتمر تعد أساسية لتجاوز الأحكام المسبقة وفتح القلوب والعقول للثقافة والجمال، فالأدب والموسيقى والفن تساعد على الانفتاح على الواقع وإدراك الجمال في مختلف الثقافات. 

ولفت إلى أن الجامعة الكاثوليكية في ميلانو قد سعت لاسترجاع مفهوم الثقافة هذا من خلال تنظيم "احتفالية الثقافة العربية"، إلى جانب المؤتمرات العلمية التي تدرس الثقافة العربية، وحفلات الموسيقى وعروض المسرح التي أتاحت لمدينة ميلانو التفاعل مع اللغة العربية وثقافتها وجمالياتها. وتقدم بالشكر لمكتبة الإسكندرية وكل مؤسسة تسعى لفتح آفاق أرحب للتعرف على لغة وفن وثقافة الآخر.

وأكد د.جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، أن مدينة الإسكندرية هي موطن الاستنارة ومنبع التسامح، ففيها ظهرت أول مجلة نسائية "الفتاة" لمؤسستها هند نوفل، كما أن جريدة "الأهرام" انطلقت منها لتنتقل بعد ذلك للقاهرة، ومجلة "الجامعة" التي ظهر فيها مفهوم التسامح للمرة الاولى على يد فرح أنطون، وقال: "ظلت الإسكندرية موطن الكثير من الأعمال الأدبية التي رسخت قيم التسامح وقبول الآخر. 

الخلل المسمى بالإرهاب عمره قصير

وشدد عصفور على أن هذا "الخلل" المسمى بالإرهاب عمره قصير، والجرائم التي يرتكبها تؤكد على روح التحدي لدى المصريين، كما أن الكتاب والأدباء كانوا أول من تصدوا له وكشفوا جرائمه، وذكر برواية الكاتب الجزائري الطاهر وطار "زلزال" التي صدرت في عام 1973 وناقشت قضية الارهاب الديني وتنبأ فيها بطوفان من الإرهاب الديني سوف يعم العالم جميعاً، وأضاف: "لقد جئنا هنا لنؤكد على أن المعاني العظيمة بها الإنسانية كحوار الحضارات، قبول المختلف، حق الآخر في التعايش والتفكير وقبول حرية التفكير بالمعنى المطلق الذي لا تحده حدود، وهذه القيم والمعاني نحن هنا نعيها ليس باعتبارنا جزءًا منها ولكن كائنات حية تجسدها سلوكاً وقولاً وفعلاً، إن السكين الصدأة التي حاولت أن تخترق نجيب محفوظ لا تزال قائمة وباقية وتمتد بين الحين والحين لتنحر ليس هذا الأديب، ولكن هؤلاء القوم الذين ينتسبون إلى البراعة ويرفضون الحجر على رؤاهم وإبداعاتهم واختلافهم، نحن إزاء قوى شريرة تصادر حق الحياة، لذا لابد أن نؤكد هذا الحق لأن حق الحياة أهم ميزة ينبغي أن يتمتع بها الإنسان في هذا العالم الذي يقول لنا لكي تحيا لابد أن تحترم من يحيي معك حتى لو اختلف معك في أشياء كثيرة".

من جانبه، قدم الدكتور محمد الرميحي عالم الاجتماع والمفكر الكويتي، بعض الأفكار التشخيصية للوضع القائم لتتم مناقشتها في جلسات المؤتمر. وقال إن العالم في القرن الحادي والعشرين بالغ التعقيد، واستطاع المتطرفون فيه تحقيق أهدافهم إما بالسلاح أو بالأفكار التي تمثل خطرًا أكبر. كما أن العولمة تبشرنا باحتمالات متزايدة من المخاطر التي ستؤدي لفوضى عارمة لو تم تجاهلها. وأكد على وجود مجموعة من التساؤلات التي ينبغي مناقشتها؛ ومنها: ماذا يستطيع أن يقدم الأدب والفن في مواجهة خطر التطرف؟ ما هو نوع هذا الفن وما موضوعه؟ ما هي الرسالة التي ينبغي أن يقدمها؟ وكيف يجب أن تكون العلاقة بين الأدب المحلي والعالمي؟

مواجهة الإرهاب

ورأى الكاتب اللبناني جهاد الخازن أن كل العلاجات التي تم التفكير بها لمواجهة الإرهاب فشلت، مطالبًا بالبحث عن علاجات أخرى من خلال أسباب أخرى، وقال أخشى أن نتعود على وجود الإرهاب، إنني لم أكن أتصور مطلقا أن يصل عدد القتلى في سوريا الى 500 ألف قتيل، وأن تستمر القوى الشريرة في قطع الرؤوس على الطريقة التقليدية الفظة القديمة. وطلب مصر بضرورة أن تنجح في قطع دابر الإرهاب.

وأكد على أن السعودية أو الإمارات أو أي دولة يمكن أن تقبل بالعبث الإيراني على حدودها، وقال إن الحوثيين خونة عملاء لإيران، ولم أكن أتصور أن يتحالف علي عبد الله صالح معهم، وقد رأينا ما فعلوه معه عندما اكتشف خطأ وأراد تصويبه.

ولفت الفنان أشرف زكي نقيب الفنانين، إلى أن تراجع حضور السينما والمسرح في أقاليم مصر ومحافظاتها وتراجع دورهما في المدارس والجامعات أحد الأسباب الأساسية لانتشار التطرف ومن ثم الإرهاب. وطالب بضرورة تفعيل دور التلفزيون والمسرح والسينما في تشجيع حركة الثقافة والإبداع لدى الأجيال الجديدة، ونادى بزيادة عدد المسارح ودور العرض وقاعات الفن والإبداع في الإسكندرية والمحافظات الأخرى. 

وكشف الفنان أشرف زكي عن مبادرة تعاون بين نقابة الفنانين ومكتبة الإسكندرية لإحياء الحركة المسرحية في الإسكندرية، والتي ستبدأ أولى أنشطتها شهر مارس القادم بمهرجان مسرح فناني الإسكندرية.