واشنطن: تحول مكتب التحقيقات الفدرالي الاميركي (اف بي اي) إلى كرة تتقاذفها الأطراف السياسية، بعد اتهامه باستغلال سلطاته في ما يخص التحقيق بشأن وجود صلات محتملة بين فريق حملة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانتخابية وروسيا.

وبعد عامين من وقوعه في أحابيل الدوائر السياسية الأميركية، حيث حقق عام 2016 في تحرك فريقي حملة ترامب ومنافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، يشير الخبراء إلى حاجة مكتب التحقيقات الفدرالي الى تلميع صورته. 

وقال العميل الخاص المتقاعد جيمس غاغليانو "أعتقد أن هناك أمورًا مقلقة أرغب أنا والعديد من العملاء السابقين والموظفين الحاليين كذلك أن نرى محاسبة تجري بشأنها". 

 وأضاف غاغليانو، الذي يعمل الان استاذًا مساعدًا بجامعة سانت جون في نيويورك، لوكالة فرانس برس، أن تصرفات الإدارة العليا لمكتب التحقيقات خلال الأعوام الأخيرة كانت لها "تاثيرات مضرة بسمعة +اف بي آي+" .

واتهمت الوكالة بمساعدة حملة كلينتون والتسبب بالوقت نفسه بخسارتها في الانتخابات.

ومنذ ذلك الحين، يشير ترمب وحزبه الجمهوري إلى أن الوكالة حاولت الإضرار بمصداقية فوزه وربما المساعدة في الإطاحة به من السلطة عبر فتح تحقيق خاص بشأن حدوث تعاون محتمل مع موسكو. 

وتلقى مكتب التحقيقات الفدرالي ضربة مؤلمة جديدة الجمعة عندما قاد ترمب جهود الجمهوريين في تصوير الوكالة على أنها مسيسة بشكل عميق عبر نشر مذكرة سرية مثيرة للجدل أعدها الحزب الجمهوري. 

لكن مدير الوكالة كريستوفر راي الذي عينه ترمب بنفسه قبل ستة أشهر والذي يبدو مستقبله ضبابيا حاليا، أبدى صلابة حتى الآن. 

وقال لموظفيه البالغ عددهم 35 ألفًا بعد نشر المذكرة إن "الكلام سهل"، وفقا لرسالة داخلية اطلعت فرانس برس عليها.

- تاريخ من المواجهات - 

ومعركة ترمب مع وزراة العدل و"اف بي آي" ليست بجديدة بل هي واحدة من سلسلة مواجهات بين الرؤساء وكبار مسؤولي أجهزة انفاذ القانون. 

وقد حول العميل الحكومي الأسطوري ادغار هوفر، الذي كان أول مدير للوكالة وبقي على رأسها لنحو نصف قرن، مكتب التحقيقات الفدرالي إلى مؤسسة يهابها المحتالون والسياسيون على حد سواء. 

وفكر رؤساء من هاري ترومان حتى ريتشارد نيكسون بإقالته، لكن هوفر اعتبر نافذا للغاية بل وحتى خطيرا.

 ويُعَين مدير "اف بي آي" في منصبه لولاية تمتد لعشرة أعوام، وهي طريقة لضمان بقائه غير مسيس. لكن بعض المنتقدين يشيرون إلى أن هذا الهدف لم يتحقق. 

وتعود جذور المعركة الحالية إلى تولي المدير السابق للوكالة جيمس كومي شخصيا التحقيق عام 2016 في استخدام كلينتون لخادم شخصي غير مرخص لبريدها الالكتروني عندما كانت وزيرة للخارجية. 

وفشلت محاولاته في ابقاء هذا التحقيق الحساس غير مسيس حيث انهالت عليه الهجمات من الحزبين الجمهوري والديموقراطي حتى عندما توصل مرتين إلى عدم وجود دليل كافٍ لتوجيه اتهامات لها. 

وأوضح العميل المخضرم الذي بات حاليا مدير مجموعة صوفان للاستشارات الأمنية جيفري رينغل أن "التحقيق بشأن كلينتون وضع +اف بي آي+ في مركز المعركة السياسية". 

وأضاف أنه "في كل الحالات، كان +اف بي آي+ سيتضرر" جراء التحقيق. 

-التحقيق الروسي -

وبعدما أصبح رئيسًا، أبدى ترمب امتعاضه عندما تابع كومي الاتهامات بأن روسيا تدخلت في انتخابات العام 2016 لمساعدة ترمب على الفوز. 

ورفض كومي التراجع والإعلان عن ولائه لترمب الذي أقاله متهما إياه بمحاباة الديموقراطيين. 

ومنذ ذلك الحين، حشد سيد البيت الأبيض حملته ضد الوكالة متهمًا كومي ونائبه السابق اندرو ماكابي، اللذين عملا على التحقيقين بشأن ترمب وكلينتون، إضافة إلى بعض مسؤولي وزراة العدل، بالانحياز ضده. 

ويقول جمهوريون إن رسائل نصية مسربة تظهر أنهما كانا مناهضين لترمب بشكل كبير. ويشيرون كذلك إلى أن كلينتون دعمت زوجة ماكابي في ترشحها الفاشل للفوز بمقعد بمجلس الشيوخ بولاية فرجينيا.

وقبل إصدار المذكرة الجمعة، قال ترمب إن قادة كل من "اف بي آي" ووزارة العدل "قاموا بتسييس عملية التحقيق المنزهة لصالح الديموقراطيين وضد الجمهوريين وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل فترة قصيرة". 

- ظروف مستحيلة -

ويشير عملاء "اف بي آي" إلى أن كومي قام بأفضل عمل ممكن في ظروف مستحيلة حيث حقق بشأن المرشحين الأبرز خلال انتخابات. 

لكنهم يقرون مع ذلك بأنه سلط الأضواء كثيرًا على الوكالة وأضفى ضبابية على حياديتها.

ويشير غاغليانو إلى أن محنة الوكالة الحالية ليست بجديدة لكنها "مقلقة" بكل تأكيد. 

وأصر على أنه اذا كانت لدى العملاء ميولهم السياسية، فإنهم يضعونها جانبا بصرامة خلال أداء عملهم. 

لكنه أضاف أن "حياديتهم وانعدام اجندتهم السياسية قوضت لدرجة محددة من قبل بضعة أشخاص". 

وتجاهل معظم المحللين الانتقادات الواردة في المذكرة التي نشرتها لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب الجمعة، معتبرين أنها مشوهة بشكل كبير وغير عادلة بالنسبة لمكتب التحقيقات الفدرالي.

لكنّ العملاء الحاليين والسابقين يتفقون أن على راي الدفاع بقوة عن الوكالة وإزاحة غيمة التحيز السياسي التي تلقي بثقلها على الموظفين. 

وقال رينغل: "يحتاج راي إلى التأكيد لجميع (الموظفين) من كل الرتب بأنه يجب أن ينظر إلى +اف بي آي+ على أنه غير مسيس وأنه لا يمكنهم ترك آرائهم الشخصية تؤثر على تصرفاتهم في التحقيقات".