«إيلاف» من بيروت: سألت "إيلاف" قراءها في استفتاء الأسبوع: هل ترى أن الظروف مهيأة لإنجاح حوار حقيقي يقود إلى حل سلمي في سوريا؟. أتت أغلبية الإجابات عن هذا السؤال سلبية، إذ قال 77 في المئة من المشاركين في الاستفتاء إنهم لا يرون ذلك حاليًا، خلافًا لنسبة 23 في المئة كانت أكثر تفاؤلًا.

رُبّ سائل يسأل: من أين يأتي المتفائلون بتفاؤلهم هذا، بعدما عكست الأجواء المتوترة في حوار سوتشي السوري الأخير الصعوبات الكثيرة التي تواجهها روسيا الساعية إلى إرساء سلامها الخاص في سوريا، بعد تدخلها العسكري الكثيف، وترجيحها كفة النظام السوري ثانيةً في الحرب المندلعة منذ عام 2011، وبعدما ظهر جليًا أن ثمة نية مبيتة من الأطراف المتورطة في النزاع السوري بعرقلة أي مسعى سياسي لا يصب في صالحها أولًا، قبل أي مصلحة للشعب السوري الذي يعاني الموت بكل أشكاله منذ 7 أعوام؟

سوتشي فاشل

فشل المشاركون في المؤتمر، من طرفي النظام والمعارضات المختلفة، في التوصل إلى توافق ولو في الحد الأدنى حول تشكيل لجنة دستورية. فوفد المعارضة تمسك بأن تعيد هذه اللجنة صوغ دستور جديد لسوريا، ووفد النظام تمسك بحصر دور اللجنة نفسها في مناقشة الدستور الحالي، أي الدستور الذي يقوم عليه النظام السوري نفسه. فكان أن قررت روسيا وضع هذه اللجنة تحت إدارة المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا وإشرافه، أي بقي الأمر معلقًا من دون حل.

ليست مسألة اللجنة الدستورية المشكلة الوحيدة، فثمة فصائل معارضة لنظام دمشق لكن موالية لتركيا تراجعت عن المشاركة في حوار سوتشي اعتراضًا على شعارات المؤتمر وعلى سوء المعاملة التي لقوها في المطار، تاركةً لتركيا مهمة تمثيلها والتكلم باسمها. كما أن هناك فصائل لم تشارك في الأساس، كالهيئة العليا للمفاوضات، معلنةً أن هدف مؤتمر سوتشي إجهاض جنيف – 1، وجنيف -2 وفرض الرؤية الروسية للحل في سوريا، وهي التي تقضي بترميم نظام دمشق وإعادة بنائه من بين الأنقاض. كذلك قررت الإدارة الذاتية الكردية عدم المشاركة، متهمة الروس بالتواطؤ مع الأتراك في هجومهم على عفرين.

إلى ذلك، كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان واضحًا حين قال إن عملية السلام في سوريا تتم في جنيف، لا في سوتشي".

نظام معرقل

يبدو أن مصالح الأطراف الفاعلة في سوريا تتقاطع في عدم التوصل إلى حل سلمي. وكان نصر الحريري رئيس هيئة المفاوضات السورية المعارضة، اتهم عدة أطراف بعرقلة الحل السياسي للأزمة السورية، وقال: "هناك أطراف عدة ليس لديها مصلحة في الوصول إلى الحل السياسي في البلاد، ومن هذه الأطراف النظام وإيران والميليشيات الإرهابية التي تتبنى مشروع الفوضى، وتعرقل الحل السياسي".

أضاف الحريري أن الأزمة السورية لا تنتهي إلا بالحل السياسي، "لكن النظام مستمر في عرقلة العملية السياسية في جنيف، ويحاول استخدام القوى العسكرية بكل أنواع الأسلحة بما فيها الكيماوية، لأنه يعول على الحل العسكري حيث يعتمد على الحسم بالقمع الوحشي وادعاء محاربة الإرهاب، لقطع الطريق أمام الاستحقاقات السياسية، وهذه المقاربة خاطئة تمامًا، ولن تصل إلى نتيجة".

وتابع مصرحًا لقناة "العربية الحدث" أن القوات الإيرانية تعتبر أكبر قوة موجودة الآن على الأرض تصطف إلى جانب النظام وتمارس الانتهاكات في حق الشعب السوري.

وحول إخراج القوات الأجنبية من البلاد، قال الحريري: "يجب العمل على إخراج القوات الأجنبية كافة من سوريا، وخصوصًا القوات الإيرانية، فطهران لديها مشروع توسعي طائفي في المنطقة وترتكب جرائم فظيعة بشعارات طائفية تؤدي إلى ردة فعل مضادة، ولا يمكن الخروج من هذه الحلقة إلا بتطهير سوريا منها".

وعلّق على انسحاب موسكو من سوريا قائلًا: "الإعلان الروسي عن الانسحاب رسالة سياسية أكثر منه إنجاز فعلي على الأرض، فالتدخل الروسي منع سقوط نظام الأسد، وبالتالي خروج عملي كبير لروسيا من سوريا يؤثر في التوازنات العسكرية على الأرض، ولن يكون في صالح النظام، وما حصل مجرد انسحاب جزئي".

مصالح متقاطعة

في هذا الإطار، كتب ليونيد بيرشيدسكي في صحيفة "الشرق الأوسط" الإثنين أن بغضِّ النظر عما يقوله الروس حول التوصُّل إلى حل سياسي في سوريا، "فإن هدفهم الحقيقي يتمثل في استمرار المحادثات حول دستور سوري مدة 49 عامًا، ثم مدة 25 عامًا أخرى".

أضاف: "أما الولايات المتحدة، فلها موقف مختلف تمامًا من سوريا التي يتمركز فيها نحو 2000 جندي أميركي. وفي الوقت الذي يجري فيه وصف الوجود الأميركي في سوريا بأنه لأجل غير مسمى، ويركز على التهديد الاستراتيجي الصادر عن إيران، والتصدي لجماعات إرهابية، فإن الولايات المتحدة تملك بالفعل ما يكفي من قواعد داخل الشرق الأوسط. ومن شأن إقرار حل سياسي داخل سوريا، خصوصًا إذا تماشى مع الخطوط العريضة التي أُقِرَّت في فيينا، التخفيف من حدة مثل هذه التهديدات. وسيكون من الكافي بالنسبة إلى الولايات المتحدة الاحتفاظ بوجود لها في العراق المجاور".

وبحسبه، يبدو التقسيم الفعلي وتجميد الصراع بصورة جزئية الخيار الوحيد المقبول بالنسبة إلى روسيا، والأمثل بالنسبة إلى إيران، لأنه يمكنها من إبقاء نفوذها على الأسد، وثاني أفضل سيناريو بالنسبة إلى تركيا ومصدر إزعاج لا داعيَ له بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ونظرًا إلى أنه من غير المحتمل أن تصدق روسيا أي ضمانات غربية بخصوص إمكانية احتفاظها بقواعدها في سوريا لأجل غير مسمى، في ظل أي ترتيبات بديلة، فإنه لا تبدو أي من البدائل الأخرى مقبولة.

هواجس مؤثرة

من جانبها، تتفق تركيا وروسيا على أن لا بديل عن الحل السياسي في سوريا، لكن أنقرة تفضل أن يتم ذلك في جنيف برعاية أممية جامعة، لا في سوتشي وبرعاية روسية. وهذا الاختلاف في وجهتي النظر الروسية والتركية ساهم في إفشال مؤتمر سوتشي.

بحسب ما ظهر في الهجوم التركي على عفرين، ثمة تفاهمات وتنسيق مع روسيا وإيران، لكن من دون تحالف. فالعلاقات الثلاثية في الميدان السوري محكومة بمصالح ومخاطر وهواجس، وبقاسم مشترك هو معارضة سياسة دونالد ترمب في سوريا.

أما الدور الإيراني فواضح، وليس أدل عليه من تباهي نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي باستراتيجية إيران في التغلغل إلى عمق الدول العربية.

فوفقًا لموقع "العربية"، أكد سلامي السبت أن إيران تملك القدرة على مواجهة أميركا، "وأن الجيشين السوري والعراقي يشكلان العمق الاستراتيجي الدفاعي لإيران، وأفضل استراتيجية للاشتباك مع العدو هي في مناطق بعيدة عن إيران".

والجدير ذكره أن قيادة المعارك في سوريا منذ عام 2012، أي منذ بدأ انهيار النظام السوري، آلت إلى الحرس الثوري وميليشيات إيران الأخرى، على رأسها حزب الله. ونشر هذا الحرس 70 ألفًا من مقاتليه في سوريا. كما نظّمت إيران ميليشيات موالية للأسد هي التي تمسك بزمام الأمور ميدانيًا وقوامها 50 ألف مقاتل، يتلقون رواتبهم من إيران. فهل هؤلاء عامل استقرار في سوريا، إن لم يأت الحل هناك ملائمًا للمزاج الإيراني؟