إيلاف من برلين: تثبت الأبحاث العلمية المنشورة ان80 من أنواع البكتيريا العنقودية في اليابان قد تطورت إلى بكتيريا تتمتع بمقاومة متعددة للمضادات الحيوية. وترتفع هذه النسبة بين بكتيريا الستافيلوكوكوس في ألمانيا إلى15%، وإلى50% في الولايات المتحدة. 

هذا مع ملاحظة أن هذه النسبة ترتفع باطراد بين مختلف أنواع البكتيريا في معظم بلدان العالم الصناعية. وأصبحت مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية الشغل الشاغل للمؤتمر الدولي حول الأمراض الاستوائية والمعدية في برلين.

ويقول العلماء الأميركيان من جامعة روكفلر في نيويورك إنهم عزلوا من التربة مضاداً حيوياً جديدا، يعد بالقضاء على البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. وأثبت العقار الجديد عالية في قتل بكتيريا ستافيلوكوكس اوريوس، من النوع المقاوم للميثيسيلين، التي تختصر بـ MRSA، المعروفة بمقاومتها لمعظم المضادات الحيوية، والتي تسبب تلوث الجروح في المستشفيات. كما كان العقار قاتلاً للبكتيريا من نوع ESBL (Extended-Spectrum-Betalaktamasen)) ومجموعة البكتيريا المسماة "غرام+ بكتيريا".

استمد شون برادي وفريق عمله العقار الجديد من بكتيريا بريئة تعيش في التربة. وكتب فريق العلماء في مجلة "نيتشر ميكروبيولوجي" انهم اضطروا لجمع آلاف العينات من مختلف أنواع التربة، من مختلف بقاع الولايات المتحدة، بحثاً عن عقار يمكن أن يسلِّح البشرية ضد البكتيريا المقاومة لكافة المضادات الحيوية السائدة في السوق.

وتفرز بكتيريا التربة مواد بيولوجية في حربها من أجل البقاء بالضد من أنواع الجراثيم والطفيليات الأخرى التي تعيش في التربة. ورغم التوجه الظاهر للعلماء للبحث عن مضادات حيوية جديدة في أنواع الفطريات والفيروسات البسيطة، يركز برادي وزملاؤه على البحث عن مثل هذا السلاح في البكتيريا الطبيعية نفسها.

اختراق جدران البكتيريا المنيعة

والمهم في التقرير هو أن البكتيريا العدوانية التي تمت تجربة العقار عليها، لم تطور مقاومة سريعة ضد العقار، وهذا ما يحوله إلى سلاح بعيد المدى في الحرب على بكتيرياMRSA وغيرها.

وعثر فريق العمل في التركيبة الجينية لبكتيريا التربة على مجموعة من الجينات المسؤولة عن فرز مادة اسمها مالاسيدين (Malacidine).

وثبت للعلماء في المختبر أن هذه المادة تتمتع بفعالية عالية ضد معظم أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من نوع"غرام+ بكتيريا".

وظهر تحت المجهر أن مالاسيدين تهاجم ما يسمى بالطب جزئية الدهن-2 المسؤولة في البكتيريا عن بناء جدرانها المنيعة وتزويدها بالقدرة على اختراق خلايا الأنسجة البشرية.

سلاح واعد

تسبب بكتيريا ستافيلوكوكوس المقاومة الالتهابات المعوية القاتلة، كما تسبب التهابات الجلد المتقرحة التي يصعب علاجها. وحينما استخدم فريق العمل مالاسيدين مع الفئران المصابة بالتهابات جلدية بهذه البكتيريا، نجح العقار في شفائها تماماً.

وكتب العلماء في مجلة"نيتشر ميكروبيولوجي" انهم عثروا في مالاسيدين على سلاح واعد في الحرب على البكتيريا المقاومة. هي استجابة إلى نداء منظمة الصحة العالمية التي دعت إلى كسر مقاومة البكتيريا المضادة للمضادات الحيوية.
وكشفت التجارب الأخرى على الإصابات بالبكتيريا الشديدة المقاومة للمضادات الحيوية أن هذه البكتيريا، رغم عدوانيتها العالية، فشلت في تطوير مقاومة تذكر ضد مالاسيدين.

تعليقاً على التقرير كتب البرفيسور هارتموت لوده من العيادة المركزية اميل فون بيرنغ في برلين، الذي يترأس المؤتمر السنوي حول الأمراض الاستوائية والمعدية في العاصمة الألمانية، أن المضادات الحيوية السائدة في السوق ما عادت تنفع كثيراً ضد البكتيريا الرئوية أيضاً. 

وحذر لوده بالقول ان10% من أنواع هذه البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية في ألمانيا، ونسبة40% منها في الولايات المتحدة واسبانيا، ونسبة80% منها في كوريا الجنوبية وهونغ كونغ. وقال لوده أن هذا قد ينتقل من أقصى الشرق إلى أوربا بفعل السياحة وانه، كمثل، سيفكر10 مرات قبل أن يختار هونغ كونغ كهدف لسياحته في الصيف القادم.

وتثبت الدراسات الجديدة أن عدد إصابات الأطفال بالجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية يزداد باطراد في المستشفيات و"لا شيء بين أيدينا لينقذ حياة الأطفال"، بحسب تعبير البروفيسور لوده.

المضادات الحيوية تسللت إلى حياتنا اليومية

والمشكلة، برأي العلماء، هي أن المضادات الحيوية، التي تستخدم بكثرة، تسللت إلى حياتنا، وإلى المياه التي نشربها، وإلى اللحوم التي نتناولها، وأصبحت هي بالذات سر تطوير البكتيريا لوسائل مقاومتها لهذه المضادات. ويحذر الباحثون من ضرر اكثار معالجة الأطفال بهذه المضادات الحيوية، لأن ذلك يعزز مناعتها ضد المضادات الحيوية عند البلوغ، لكن الأطباء ما انفكوا يصفون الأطنان منها في معالجة الأطفال سنوياً.

ويحتفظ الطب بعدد قليل من المضادات الحيوية، مثل"كوليستين"، بمثابة آخر خيار ممكن ضد بعض أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية السائدة، لكن البكتيريا تطور عدوانيتها ومقاومتها أكثر من خلال تنقلها بين البشر والحيوانات.

ومعروف أن فشل المضاد الحيوي "الاحتياطي" كوليستين يعني ان أسلحة الطب ستقف عاجزة عن معالجة من يصاب بهذه البكتيريا. وتصنف الأمم المتحدة هذا المضاد الحيوي كـ" مضاد حيوي للحالات الطارئة التي تمس حياة البشر". 
الصورة، صورة مجهرية لبكتيريا ستافيلوكوكوس اوريوس المقاومة للميثيسيلين MRSA.