«إيلاف» من الرباط: قال عبد القادر الفاسي الفهري، عالم لسانيات مغربي ، إن من أرادوا قتل اللغة العربية و قالوا إنها ميتة، لم يأتوا بكلام جديد، باعتبار أنهم أعادوا نفس الكلام الذي تبناه المستشرق الاميركي برنارد لويس.

واعتبر الفهري في محاضرة علمية، بعنوان"عربيتي التي أحيا بها، والسياسة اللغوية في المغرب"، ألقاها مساء الجمعة، في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، أن كثيرا من المغاربة يظنون أنهم يقولون كلاما جديدا، لكنه منقول فعليا عن مستشرقين.

 

لغة حاضرة

و أضاف الأستاذ الباحث في اللسانيات العربية المقارنة متسائلا"هل وجدتم لغة ميتة بـ500 مليون ناطق بها حول العالم وفي تزايد، هل وجدتم لغة ميتة حاضرة في جميع القارات، خاصة أنها الرابعة استعمالا في الأنترنت حسب إحصاء عالمي لسنة 2017 ، بعد الإنجليزية و الصينية و الإسبانية، علما أن اللغة الفرنسية تحتل المرتبة العاشرة، أما العربية فتحتل الرتبة الرابعة في ترتيب لغات العالم المستقبلية".

و أفاد الفاسي الفهري أن اللغة العربية لم تكن يوما لغة قومية، بل كانت مثل الإسلام، لمن ينطق بها، و اعتبر أن من أبدعوا فيها هم المسلمون وليس العرب، أمثال سيبويه وابن باجة والفراهيدي ، فضلا عن وجود مليار ونصف مليار من المسلمين يعتبرون أنها لغة القرآن ، وبالتالي فهي تحظى بمكانة رمزية، و هي خاصية لا توجد في أي لغة أخرى من لغات العالم.

و تساءل المتحدث خلال المحاضرة التي نظمها الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، في إطار سلسلة"صالون العربية" عن مدى إقبال الناس على تعلم اللغة، وهم محاطون بمثل هذه الأبواق الإيديولوجية الكاذبة و المسلطة على العربية، باعتبارها لغة كلاسيكية و ليست لغة للعلم.

 

"عقوق لغوي"

و زاد رئيس جمعية اللسانيات بالمغرب قائلا"اعتبار المغاربة للفرنسية لغة للفرص مغالطة لا أساس لها، لأن لا أحد يمكنه أن يعوض لغته بلغة أخرى، لم يفعلها الإسرائيليون الذين أحيوا لغة ميتة، و لا الفنلنديون بلغتهم التي قاومت الاتحاد السوفياتي حينما أراد ابتلاعها، فلماذا إذن كل هذا التشويش و كأننا نعيش في القرن 19 ".

و انتقد ما تعانيه اللغة العربية من"عقوق لغوي" بوجود أناس يكتبون بها و يستفيدون منها و يساهمون في تلويثها، عوض النهوض بها، إضافة إلى المغالطات التي ينشرها كثيرون ممن يتكلمون بها و يجهلون طبيعتها.

و أضاف الفاسي الفهري"المغاربة لا يعرفون العالم، يعرفون فقط فرنسا، و الحقيقة أنهم لا يعرفونها بالقدر الكافي، و هنا أتحدى أي شخص يدعو إلى الفرنسة، أن يتناول التاريخ الأكاديمي لهذه الدولة وعلمائها ".

و اعتبر أن مصطلح اللغة الأم هو مفهوم استعماري متجاوز، و يستعمل لأغراض إيديولوجية، بحيث كان أبناء الدول المستعمرة يتلقون تعليمهم بلغتهم الأصلية أي الأم، عوض لغة المستعمر.

و تساءل الحاصل على دكتوراة السلك الثالث من جامعة السوربون الفرنسية في اللسانيات العامة والعربية وفقه اللغة قائلا"بالنسبة لمن يجزمون بأن فرص المغاربة ضعيفة في مجال العمل لأنهم لا يعرفون الفرنسية، هل هذه السياسة موجودة في أي بلد من البلدان؟ هنا نجد أن طريقة التعامل مع اللغات الأجنبية مشكل وطني كبير، يستوجب تنظيم حوار وطني مع مختلف فئات المجتمع من منظور علمي و معياري، ينبغي أن يكون هناك مشروع ثقافي لغوي في المستوى".

خرق للدستور

و اعتبر الفاسي. الفهري أن مراسلة الوزراء المغاربة باللغة الفرنسية يخرق الدستور، لأن اللغة الرسمية هي لغة الدولة التي تستعملها في مرافقها بين المغاربة والعرب من جنسيات أخرى، أما مخاطبتهم بالفرنسية فهو أمر غير دستوري، و صرح أن الوثائق والمراسلات التي تتم صياغتها باللغة الفرنسية في مختلف القطاعات الإدارية راجع بالأساس للسياسة العامة للدولة.

و تعقيبا على تصريح لرشيد بالمختار، وزير سابق للتربية الوطنية بالمغرب، حينما أقر في لقاء صحفي أنه لا يجيد الحديث بالعربية، قال الفاسي الفهري"هي من عجائب المغرب، و علينا ألا نستغرب، سامحه الله، فلو كان هناك بعض الحياء لما قال كلاما مماثلا، تولي أي شخص لمنصب وزاري يفرض عليه أن يكون قدوة للناشئة في التربية والتعليم، وبالتالي الحديث بلغة عربية".

و أشار إلى إقبال العديد من الطلبة الأجانب على المغرب من أجل تعلم اللغة العربية، ليفاجئوا بأناس يحدثونهم بالفرنسية، و دعا في السياق ذاته إلى الاهتمام بها لأن ذلك ينعكس على أي شخص أجنبي يطمح لتعلمها.

و أضاف قائلا"اللغة العربية تتيح لقمة العيش لكن الحكام العرب يضيقون عليها، فأي شخص يتوجه للعالم العربي و يكون متعطشا لتعلم لغته، يواجه باللغة الأجنبية بدءا من وصوله للمطار".