إيلاف من أمستردام: سلط إقرار البرلمان الهولندي، في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، باعتبار مذابح الارمن في تركيا العثمانية إبادة جماعية، ضوءاً جديداً على المأساة الارمنية التي تصرّ الدولة التركية على أن القتلى الارمن في العام 1915 قضوا نتيجة عمليات قتالية وهو ما تنفيه دولة أرمينيا التي تريد اعترافا تركياً بالذنب عن مقتل مليون ونصف ارمني كشرط لعلاقات طبيعية بينهما.

والمذابح الارمنية كانت محور سؤال استفتاء "إيلاف" في الاسبوع الماضي حيث وجدت غالبية القراء 2070 (80%) أنها ابادة جماعية وخالفتهم أقلية 511 (20%) نفت أن تكون مذابح الارمن في تركيا إبادة جماعية. وقد شارك في الاجابة على سؤال الاستفتاء 2581 من قراء "إيلاف".

ويأتي القرار الهولندي بعد تصويت مماثل للبرلمان الأوروبي وبلجيكا ولوكسمبورغ المشتركتين في اتحاد البنيلوكس مع هولندا، قبل سنتين، وألمانيا وفرنسا وروسيا ودول أخرى يصل عددها الى عشرين دولة، ليست بينها دولة عربية، صوتت برلماناتها على أن مذابح الارمن في تركيا عام 1915 كانت ابادة جماعية قامت بها القوات التركية.

لكن تأخر هذه الدول الأوروبية مئة عام على المذابح يسلط ضوءاً على استغلال هذه المذابح لمصالح سياسية، وترسيخاً لتعريف السياسة باعتبارها تجميلاً للقبح، فالقبح هو استغلال هذه المأساة لمآرب سياسية، فالبرلمان الهولندي أبقى الباب موارباً أمام تركيا التي انهارت المفاوضات معها مطلع الشهر الماضي من أجل اعادة السفيرين وطي صفحة الخلاف بينهما الذي تفجر العام الماضي بعد منع طائرة وزير الخارجية التركي من الهبوط في هولندا، حيث كان سيشارك في احتفالات ترويجية لمنح صلاحيات أوسع للرئيس التركي اردوغان ثم طرد وزيرة الاسرة التركية التي وصلت مدينة روتردادم الهولندية متسللة بسيارة خاصة من ألمانيا فأعادتها الشرطة الهولندية مخفورة الى الحدود مع ألمانيا مما تسبب بأكبر أزمة بين البلدين هاجم خلالها الرئيس التركي ساسة هولندا معتبرهم نازيين!

وزارة الخارجية الهولندية التي سترسل وفدًا رفيعاً لم تسمه بعد الى يريفان للمشاركة في احتفالات الابادة الارمنية في الرابع والعشرين من الشهر المقبل أوضحت أن قرار البرلمان غير ملزم للحكومة. يؤكد هذا التصريح أن القرار ليس سوى ضغط على أنقرة لتوافق على عودة العلاقات الدبلوماسية لسابق عهدها بين البلدين اللذين تربطهما أواصر تجارية وسياسية، حيث يقيم في هولندا نحو 400 ألف من أصول تركية بينهم ثلاثة نواب من حزب (فكر) الذين وحدهم لم يصوتوا على قرار البرلمان وانتقدوه محذرين من تسببه بتوسيع هوّة الخلاف مع تركيا وقد يشعل نار الاحتجاجات في هولندا.

قالت وزيرة الخارجية الهولندية بالوكالة سيغريد كاغ بعد التصويت: "نحن نؤيد دائما المصالحة بين الأطراف المعنيين، لكن الحكومة لديها رأي مخالف للمشروع المعروض"، مضيفة "نكرم الضحايا وأقارب ضحايا كل مجازر الأقليات"، مشددة على أن الحكومة لن تقرر ما إذا كان الأمر يتعلق بإبادة أم لا.

يتفق مراقبون عرب وأوروبيون على أن قرار أي برلمان أوروبي أو غير أوروبي يعتبر مذابح الارمن إبادة جماعية لن يحل المشكلة بين أرمينيا وتركيا، هذه الأخيرة وحدها فقط تستطيع انهاء الجدل بهذه المشكلة المتواصلة ضغطاً واستغلالاً لها، فمتى اعترفت تركيا بمسؤوليتها عن مذابح الارمن واعتذرت ستنتهي المشكلة، لكن انقرة لن تفعل ذلك مكابرة وتهرباً مما يترتب عليه قرار الاعتراف.

ويقدر الأرمن عدد الضحايا بمليون ونصف قضوا بحملات منهجية ضدهم من قبل السلطنة العثمانية بين 1915 و1917. واعترفت أكثر من عشرين دولة من بينها فرنسا وإيطاليا وروسيا بحصول إبادة، بينما تقرّ تركيا بمقتل بين 300 الى 500 ألف أرمني خلال معارك وعمليات ترحيل قسري لكنها تنفي حصول أي إبادة.

يذكر أن حزبي الشعوب الديمقراطي والعمال الكرديين في تركيا اعتذرا عن مشاركتهما في مذابح الارمن عام 1915 التي شارك فيها جنود أكراد كانوا يخدمون في الجيش العثماني. لكنهما حزبان معارضان في تركيا ولا يترتب على اعتذارهما واعترافهما أي مسؤولية سياسية وربما كانت غايته احراج الحكومة التركية التي تقاتل الأكراد منذ عقود متهمتهم بالسعي للانفصال، وهو ما ينفيه الكرد ويؤكدون على مطالبهم بحقوق سياسية واجتماعية لقوميتهم في تركيا.

ويشير مراقبون عرب الى أن ضغوط دول أوروبا السياسة على تركيا باستخدام مذابح الارمن تطرح تساؤلاً على دول عربية تضررت من تركيا لم تكن سبّاقة في اعتبار مذابح الارمن إبادة جماعية، وقد ذاقت هذه الدول من تركيا الكثير من الويلات ولما تزل مثل دول العراق ومصر وسوريا.