في لندن معرض مختلف لبيكاسو، يركز على سنة العجائب في حياته، حين بلغ الخمسين وكان على علاقة مع فتاة تصغره كثيرًا. إنه معرض صعب، لكن متى كان بيكاسو سهلًا؟

يتميز معرض بيكاسو الذي يُفتتح في متحف تيت مودرن في لندن يوم 8 مارس ويستمر حتى 9 سبتمبر بتركيزه على مرحلة حاسمة في تطور الفنان بتغطية سنة من حياته الفنية تُسمى "سنة العجائب"، وهي سنة 1932، شهرًا إثر آخر.

في ذلك العام، بلغ بيكاسو الذي كان منذاك أشهر فنان في العالم ـ وأعماله الأغلى ثمنًا ـ سن الخمسين، وله علاقة بماريا تيريز والتر، الأصغر منه كثيرًا، من دون علم زوجته بطبيعة الحال.

ملامح وسمات

تستأثر ملامح والتر القوية وأنفها الروماني البارز بفضاء المعرض من القاعة الأولى، سواء بمنحوتات أو لوحات. لكن هناك أعمال أخرى على الجدران المقابلة، بعضها يعبر عن علاقة بيكاسو المأزومة بزوجته راقصة الباليه السابقة أولغا خوخلوفا التي كانت وقتذاك في الأربعين من العمر.

في حين أن بيكاسو يعتبر عبقريًا من طراز فريد لا يكترث بالاتجاهات الفنية من حوله، فإن المعرض يكشف إنه كان على درجة قلقة من الوعي بموقعه في الترتيب الهرمي للفن الحديث، ومصممًا على أن يثبت قدرته على الاستمرار في العطاء يوم كان الكثير من الفنانين الشباب يعتقدون، مستوحين المدرسة السوريالية ذاتها، أن الرسم مات.

هناك أجواء سوريالية قوية توحي بها لوحات نساء على كراس اختُزلت وجوههن وأذرعهن ومنحنياتهم إلى أشكال عائمة أشبه بالحجارة. لكن معالجة بيكاسو المتميزة خلال عام 1932 ترتبط بتجريد الشكل البشري إلى مساحات لونية مسطحة ذات آنية تبشيرية براقة، تبقي قسمات المرأة الجالسة أمامه، وهي دائمًا، والتر، واضحة يمكن التعرف عليها بلا لبس.

ليس مريحًا

كان أول معرض استرجاعي للفنان في باريس مناسبة للنظر إلى محطات مهمة في حياته الفنية المبكرة، خصوصًا بورتريهات أولغا وأطفالهما التي رسمها بين عامي 1918 و1924 بأسلوب نيو ـ كلاسيكي واقعي نسبيًا، أصبح هو الأسلوب الأثير عنده بعد الحرب العالمية الأولى.

في ذروة الأزمة المالية للكساد العظيم، لم يترك المعرض الاسترجاعي الأثر الذي كان بيكاسو يراهن عليه. لكنه بدلًا من تغيير الاتجاه استمر بإصرار فأعاد اشتغال شكل ماري تيريز النائمة وترتيب الكتلة المتملمة للأطراف بتراكيب أكثر التواء.

إذا كان تنوع فن بيكاسو يوحي بانتقالات الفنان المستمرة بين المواضيع والأساليب والمقاربات، فإن معرض تيت مودرن يكشف أنه حين يركز على موضوعة بعينها، يكون مستعدًا لتوظيفها واستنزافها حتى النهاية. وإذا كان هاجس بيكاسو يمنع المعرض من أن يكون تجربة مريحة للزائر، فإن الراحة ليست هي المنشودة من أصعب فنان في القرن العشرين.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "ديلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط:

https://www.telegraph.co.uk/art/what-to-see/picasso-1932-tate-modern-review-artist-never-seen/