«إيلاف» من الرباط: وسط حشد من رجال الساسة والمسؤولين في الدولة والإعلاميين، قدم مساء الخميس بالرباط، كتاب «أحاديث في ما جرى» للسياسي المخضرم ورئيس حكومة التناوب التوافقي بالمغرب، عبد الرحمن اليوسفي، والذي تناول السيرة الذاتية لهذا الرجل الاستثنائي في تاريخ المغرب.

وألقى الزعيم السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كلمة بالمناسبة تضمت إشارات ورسائل سياسية عديدة، طبعتها نظرة متفائلة لمستقبل البلاد، حيث قال إن النساء والشباب «هم الطاقة الكبرى التي ستحقق التحول إيجابيا لبلد مثل بلدنا المغرب».

وأضاف اليوسفي في حديثه القصير الذي لاقى تصفيقات حارة من الجمهور الذي ملأ جنبات مسرح محمد الخامس، بالرباط، «أدرك مقدار شغف الأجيال الجديدة بتاريخ ومستقبل البلاد، وأنها تعلم جيدا أن قوة الأمم ظلت كامنة في تصالحها مع ماضيها وحاضرها وفي حسن قراءتها لذلك الماضي والحاضر، حتى يسهل عليها بناء المستقبل بأفضل قدر ممكن من النجاح والتقدم».

وزاد اليوسفي مؤكدا ثقته في الأجيال القادمة ومستقبل البلاد «لا أبالغ إذا قلت أنا على يقين بأنها ستحسن صنع ذلك المستقبل، مادامت مستوعبة لكل دروس ماضينا وحاضرنا»، وبين أن الدروس التي تحدث عنها هي «الوفاء لقيم الوطنية وقيم البذل والعطاء، المنتصرة للحوار لا العنف، وللتوافق بدل الاستبداد بالرأي»، في إشارة إلى مسار التوافق والتعايش الذي انخرطت فيه البلاد منذ سنوات.

وبخصوص الكتاب الذي جاء في ثلاثة أجزاء، قال اليوسفي إنه «يمثل خلاصة تجربة سياسية شاء قدري أن أكون طرفا فيها، سواء من موقع المقاومة أو المعارضة أو المشاركة في الحكومة»، معتبرا أن المناسبة «تشكل جزءا من إرث مغربي وعنوان ثورة حضارية صنعتها أجيال من المغاربة». 

واسترسل رئيس الوزراء الأسبق، مبينا أن «شذرات من مذكراتي فرصة لنجدد العهد بيننا، وهي السماد الخصب لمشروع بناء مغرب الحريات والديمقراطية ودولة المؤسسات تحت قيادة الملك محمد السادس»، حسب تعبيره.

وعرف الحفل تقديم عدد من الكلمات في حق اليوسفي، خاصة من الضيوف الذي قدموا من خارج المغرب للمشاركة في الاحتفاء الأول من نوعه، بالزعيم الاتحادي الذي رفض التكريم في العديد حسب ما جاء الكلمات والشهادت التي قيلت في حق الرجل. 

وسجل مبارك بودرقة( الملقب عباس) ، رفيق درب اليوسفي في النضال الذي دون كتاب «أحاديث في ما جرى»، الصادر في ثلاثة أجزاء، أنه لاقى صعوبة كبيرة في إقناع اليوسفي بكتابة سيرته كمناضل وطني ديمقراطي وحياته السياسية والحقوقية.

وأضاف بودرقة «كنت مقتنعا أن الرجل كتب وقال ما يكفي»، مؤكدا أن مواقف اليوسفي كانت «امتدادا للاختيار الديمقراطي الذي دشنه حزبه»، وزاد بأنه سعى في تفاعله مع الإرادة العليا للدولة في «أن يكون بلده سباقا في الانخراط في عصر حقوق الإنسان والديمقراطية في محيط عربي موسوم بالاستبداد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان».

وأفاد بودرقة بأنه لما جمع المادة الخام من كتاب «أحاديث في ما جرى»، وقدمها لليوسفي، الذي علق على ذلك قائلا: «أستغرب أنني كتبت كل هذا الكم وما زال هناك من يعاتبني بالقول إنني عازف عن الكتابة».

وأشار بودرقة إلى أن اليوسفي «لم يستغرب ما جرى في سنة 2011 في المنطقة العربية، بل كان يتوقع ما وقع»، وذلك في إشارة إلى استشرافه للأحداث التي هزت المنطقة إبان ثورات الربيع العربي التي أسقطت عدة أنظمة سياسية بكل من تونس ومصر وليبيا واليمن، بينما ما زالت الحرب مشتعلة في سوريا.

وفي كلمة بالمناسبة، اعتبر الديبلوماسي الجزائري، الاخضر الابراهيمي، أن مذكرات اليوسفي تمثل «وثيقة تاريخية مهمةً تشمل حقبات وتوثق للنجاحات والتعثرات».

وأشاد الإبراهيمي بالأدوار التي لعبها اليوسفي في معركة تحرير الوطن والدول العربية والأفريقية، معربا عن اعتزازه بالصداقة التي جمعته بالرجل لأزيد من ستة عقود، وكان «الوفاء والتضامن» عنوانها الكبير.

من جهته، قال رئيس الحكومة الاسبانية الاسبق فليبي غونزاليس، إن اليوسفي اشتهر «طوال حياته بنضاله ضد الاستعمار كمقاوم على جميع الواجهات»، معتبرا أنه عمدا إلى الدفاع عن «الديمقراطية وترسيخها والنضال من أجل ضمان حقوق كافة المواطنين».

واعتبر غونزاليس أن اليوسفي ترك بصماته في عدة قطاعات «خاصة في الدفاع عن الوحدة الترابية»، لافتا إلى أن هذا الرجل «ظل يعطي دون أن ينتظر أي مقابل»، وذلك في إشادة واضحة منه باليوسفي ومساره السياسي والحقوقي. 

أما محمد فائق ، الحقوقي المصري، ووزير الاعلام في عهد الرئيس جمال عبد الناصر ، محمد ، فاعتبر في شهادته أن اليوسفي «فارس من فرسان التحرير والاستقلال الوطني»، مؤكدا أن حضوره في هذه المناسبةً هو «وفاء لرجل من أكبر الاوفياء الذين عرفتهم».

Amira Hamadeh, [09.03.18 18:43]
وأضاف فائق أن جل الناس يعرفون اليوسفي كفقيه في القانون وسياسي محنك، لكنه عرفه «إنسانا منخرطا في حركة التحرر العالمية بعدما اتسعت همته إلى وطنه العربي وقارته الأفريقية، وآمن بأن الحرية كل لا يتجزأ».

وأشار الحقوقي المصري إلى أن إصدار مذكرات اليوسفي «لحظة انتظرناها ، وتحكي مسيرة حياة مشرفة وعطاء وطني بلا حدود»، منوها بخصال الرجل الذي قال إنه يصعب عليه الحديث عن نفسه لتواضعه الشديد، لافتا في الآن إلى أنه «حاولنا تكيرمه في القاهرة ورفض عدة مرات». 

بدوره قال فتح الله ولعلو، وزير المالية المغربي الأسبق، الذي قدم وسير الحفل، إن التاريخ سمح لليوسفي بأن يسجل اسمه في «أول تجربة مغربية في حكومة التناوب»، التي مرت عليها 20 سنة، مؤكدا أنها فتحت مجال الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالبلاد.

وأشار ولعلوً إلى أن رئيس حكومة التناوب التوافقي غادر التجربة «وهو يحمل شعار المنهجية الديمقراطية»، وذلك في إشارة إلى تعيين الملك محمد السادس في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 إدريس جطو، والذي ليس له أي انتماء سياسي، رئيسا للوزراء، رغم حصول حزب الاتحاد الاشتراكي على المرتبة الأولى في الانتخابات، وهو ما دفع اليوسفي إلى اعتزال السياسة بعدما اعتبر أن المغرب حاد عن الديمقراطية. 

وأكد ولعلو أن «التاريخ وحده هو القادر على فهم القيمة التاريخية لحدث التناوب التوافقي الذي يبقى حدثا فريدا من نوعه»، مشددا على أن مسار الرجل السياسي أصبح «مرجعا لنا ومكون من مكونات الثالوث المرجعي الوطني الديمقراطي المكون من المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي».

الحاضرون والغائبون

وشهد الحفل حضور شخصيات سياسية وازنة في مقدمتهم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ومستشارا العاهل المغربي، أندريه أزولاي، وعبد اللطيف المنوني، وعدد من الوزراء، من بينهم وزير الدولة مصطفى الرميد، والأمين العام للحكومة، محمد الحجويي ووزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج، ووزير الصحة أنس الدكالي.

كما شهد الحفل حضور عدد من قيادات حزب الاتحاد الاشتراكي، مثل عبد الواحد الراضي، ومحمد اليازغي، ومحمد بنسعيد آيت يدر، بالإضافة إلى نبيل بنعبد الله، أمين عام حزب التقدم والاشتراكية، ومولاي اسماعيل العلوي الأمين العام السابق للحزب ، وعدد من الشخصيات الأخرى.

وبدا لافتا غياب إدريس لشكر، الكاتب الأول (أمين عام) لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات، عن الحفل الكبير، كما غاب أيضا، رئيس الحكومة السابق، عبد الإله ابن كيران، الذي كان متوقعا حضوره للحفل.