جزم المغاربة بنسبة عالية، تجاوزت التسعين في المائة، ممن سألتهم "إيلاف المغرب" إن كان المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء هورست كوهلر؛ سينجح في مساعي وجهود الوساطة التي بذلها موفدون سبقوه أنيطت بهم المهمة نفسها، لكنهم حزموا حقائبهم في النهاية من دون تحقيق تقدم جوهري، بعد مدد متفاوتة قضوها في التنقل بين العواصم المغربية والجزائرية والموريتانية، وشملت كذلك مخيمات "تيندوف" الواقعة في جنوب غرب الجزائر، حيث تعسكر ميليشيات جبهة البوليساريو الداعية إلى استقلال ما كانت تسمى في الوثائق الاستعمارية "الصحراء الغربية" التي استعادها المغرب عام 1975 باعتبارها جزءًا من ترابه الوطني، احتلته إسبانيا في الجنوب، على غرار ما فعلته في شمال البلاد.

إيلاف من الرباط: يبدو أن تصويت المتصفحين المغاربة للموقع، وبهذه الروح العالية في التشاؤم، ربما هو (التصويت) متأثر بالأجواء الدبلوماسية الراهنة التي رافقت أول جولة للمبعوث الجديد الألماني "كوهلر" بغية استطلاع آراء الأطراف المعنية، بخصوص المقاربة التي يقترحها عليهم لحل نزاع الصحراء، والتي تسربت عنها تلميحات غير مؤكدة، في اتجاه الحسم لمصلحة الأطروحة التي بلورها بعد إطلاعه على تشعب الملف.

في هذا السياق، أشارت تقارير صحافية ودبلوماسية قبل وأثناء جولة "كوهلر" إلى أن المغرب لم يظهر حماسة قوية للمقاربة الجديدة التي عرض "كوهلر" خطوطها الكبرى على من قابلهم؛ وخاصة ما يتعلق بإشراك أطراف أخرى (الاتحاد الأفريقي) في إيجاد تسوية لنزاع مضت عليه أكثر من أربعة عقود، جربت خلالها، من دون جدوى، كثيرًا من المقترحات والبدائل الدبلوماسية.

تتشبث الرباط، كما في الماضي، ببقاء ملف نزاع الصحراء، حصريًا تحت إشراف واختصاص الأمم المتحدة ومجلس الأمن، باعتبارها الراعية لبنود اتفاق التسوية الذي وقعه المغرب وجبهة البوليساريو عام 1991 تحت إشرافها، وبالتالي تحرص على تطبيقه بعثة مينورسو، التي يجري التمديد لها من طرف مجلس الأمن، في شهر إبريل من كل سنة.

وكان المغرب قد تفاءل بانتخاب أمين عام جديد للأمم المتحدة في شخص رئيس وزراء البرتغال السابق، أنطونيو غوتيريش، بعد الأزمة العميقة التي حدثت بينه وبين الأمين العام السابق بان كي مون، وموفده الشخصي كريستوفر روس، اللذين انحازا بشكل مفضوح إلى الطرف المعادي للمغرب. غير أن منسوب تفاؤل الرباط تراجع، يقينًا منها أن الأمين العام يواجه إكراهات.

معلوم أن غوتيريش يعرف المغرب بحكم قرب بلاده الجغرافي من المنطقة واطلاعه الشخصي على أوراق وأبعاد ملف نزاع الصحراء، حيث تعمق في تفاصيله وفرز خيوطه المتشابكة، لما كان مندوبًا ساميًا للمفوضية الأممية للاجئين؛ فقد ساند غوتيريش مطلب المغرب بضرورة إحصاء اللاجئين المحتجزين في معسكرات "تيندوف" لمعرفة عددهم أولًا، ولضبط هوياتهم وأصولهم وتمكينهم من بطاقة "لاجئ" تتيح لهم التنقل في ظل رعاية الأمم المتحدة؛ ما يضع حدًا لابتزاز مادي ومعنوي تمارسه جبهة البوليساريو، لاستدرار العطف الدولي وللحصول على مساعدات إنسانية سخية، ثبت في ما بعد، أنها لا تدخل خيام اللاجئين، وإنما تحمل على متن شاحنات، لتعرض للبيع في أسواق أفريقية، وتحول عائداتها المالية إلى جيوب "مافيا" ترتبط بصفة مؤكدة بأطراف نافذة في الجبهة الانفصالية. وذلك ما فضحه تقرير أوروبي، أعاد بسببه عدد من الدول المانحة النظر في مساعداته.

لا يبدو أن للمستجوبين المغاربة حججًا ومعطيات قانونية ودبلوماسية كافية تبرر ميلهم بهذه الكثافة إلى الحكم بالفشل المسبق على مهمة المبعوث الأممي إلى الصحراء. إنه الحدس الوطني أكثر من التحليل المعلل، الذي دفعهم إلى المقارنة بين المبعوث الحالي ومن سبقوه، وضمنهم دبلوماسيون مجربون، لكن مهارتهم وخبراتهم المتراكمة تناثرت على رمال الصحراء. فلماذا لا ينسحب المصير نفسه على الألماني كوهلر؟. 

صحيح أن الرجل ذو مسار سياسي ودبلوماسي حافل، أوصله إلى أرفع منصب في بلاده (رئاسة جمهورية ألمانيا الاتحادية)، لكن هذا الامتياز الشخصي لن يفيد، حسب الظاهر، في معالجة نزاع مستعص، ما دام الطرف المنادي بانفصال الصحراء متعنتًا ورافضًا حزمات مقترحات عرضها المغرب على التوالي منذ ما يقرب من ثلاثة عقود؛ اقتنع بجدواها بعض الموفدين السابقين، كأداة لإقفال الملف سلميًا، والتفرغ لتشييد مشترك لصرح مستقبلي يراهن على وحدة المغرب بصحرائه، كفيل بتحقيق الازدهار والأمن والاستقرار للأجيال المقبلة في محيط وعالم تتجاذبهما الأهواء والتقلبات الخطيرة.

ارتباطًا بهذا المعنى، يتقاسم المغاربة قناعة مفادها أن بلادهم لا يمكنها التنازل أكثر مما فعلت حتى الآن: تجاوبت مع مجمل المبادرات السلمية الصادرة من المنظمة الدولية ومع وساطات من دول بعينها، ثم بلور المغرب مشروعًا متقدمًا للجهوية الموسعة يمكن المحافظات الصحراوية من تدبير مستقل لشأنهم المحلي بصلاحيات كبيرة؛ اعتبرته الرباط إطارًا مرنًا للتفاوض؛ مثلما غضت الطرف عن التعقيدات والتداعيات الدبلوماسية المترتبة عن استعادة المغرب لمقعده المؤسس في منظمة الاتحاد الأفريقي، بجانب ما تسمى "الجمهورية الصحراوية"، وليدة الصراع على النفوذ والحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، إبان القرن الماضي، بمعنى أن أسباب نزول أو صعود "الجمهورية الثورية" انتفت وزالت إلى الأبد، وأصبحت من الماضي السحيق.

بدلًا من أن يتفاعل دعاة انفصال الصحراء عن المغرب مع المبادرات والإشارات التي عرضها المغرب عليهم في العهد الجديد، ازدادوا تصلبًا في مواقفهم، واقعين في تناقض واضح، بين المطالبة بحق تقرير المصير، بينما أعلنوا من جانب واحد قيام دولة مستقلة فوق تراب الغير، على مساحة صغيرة جعلت منها سجنًا كبيرًا.

أمام هذه الحالة، لم يعد أمام مبعوث الأمين العام كثير من الوقت ليقضيه متنقلًا بين الأمكنة، مفكرًا بتأن ووفق المزاج الدبلوماسي البطيء، في مقاربات أخرى لتسوية نزاع الصحراء، ثم يبحث لها عن مساندة دولية وإخراج دبلوماسي يقنع طرفي النزاع المباشرين.

ومن الواضح أن الاجتماع التمهيدي الأخير الذي جمع وفدًا مغربيًا بالمبعوث الأممي في العاصمة البرتغالية يندرج ضمن "نفاد صبر" طالما عبّرت عنه الرباط، من مماطلات مستمرة يفتعلها الطرف الآخر، لكن الصبر بات قريبًا من نهايته هذه المرة. خاصة وأن "حسن النية والمرونة التي يتصف بها موقف المغرب حيال جبهة البوليساريو تقابل من طرفها بسلسلة استفزازات صبيانية، عبر تجنيد جمعيات مساندة بمقابل مادي لأطروحة الانفصال؛ تكلفها برفع دعاوي قضائية ضد المغرب بتهمة استغلاله لثروات الأقاليم الجنوبية؛ علمًا أن أي ملاحظ مستقل يمكنه التأكد أن ما ينفقه المغرب على تنمية الصحراء يفوق عشرات المرات ما يتقاضاه من الاتحاد الأوروبي، لقاء السمك الذي يصطاده أسطوله البحري بمقتضى اتفاق متجدد بين الطرفين منذ عشرات السنين.

تجدر الإشارة إلى أن نسبة قليلة من مستطلعي "إيلاف المغرب" أقل من عشرة بالمائة متفائلة بخصوص تطورات ملف الصحراء، وهي نسبة قابلة للتراجع أكثر على ضوء نتائج لقاء لشبونة الأخير بين كوهلر ووفد مغربي رأسه وزير الخارجية ناصر بوريطة، وضم فعاليات صحراوية منتخبة؛ فقد خلا البيان الصادر من الاجتماع مما يوحي بأن المبعوث الأممي وجد الأرض معبدة للسير في اتجاه الحل الذي يخطط له.

الواقع أن عجاجًا كثيفًا محمّلًا برمال الصحراء يحجب الرؤيا عن كوهلر. فكم سيبقى في المنطقة؟، وهل يدفعه الذكاء والبراغماتية إلى نفض يديه من الملف قبل أن تتضرر سمعته، من فشل محتمل، كرئيس سابق لدولة قوية اقتصاديًا، تنفر من التورط في معمعة نزاعات عقيمة.

من سيطلق الرصاصة الأخيرة على مسلسل تسوية نزاع الصحراء؟، ليس المغرب بطبيعة الحال، لأنه واثق من موته البطيء، ومع ذلك يجاري الأمم المتحدة في مساعيها ويتقيد بالشرعية الدولية.

نتيجة استطلاع "إيلاف المغرب"، رغم رمزيتها ونسبيتها، مؤشر إلى أن المغاربة ملوا حقيقة وضاقوا ذرعًا من ملف لا يراد له أن يراوح مكانه، ما يستنتج منه أنهم يشددون على سلطات بلادهم للحسم بوضع حد لملف أصاب البلى أوراقه.