إيلاف من الرياض: قبل أيام على بدء الولاية الرابعة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تشكلت الحكومة الألمانية الجديدة بعد مخاض عسير. وأفادت تقارير صحفية الخميس أن الاشتراكي الديمقراطي هايكو مآس هو من سيتولى وزارة الخارجية في الحكومة الألمانية الجديدة، بعدما كان وزيرًا للعدل في حكومة ميركل السابقة، ليحل محل وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل.

بهذا، تتوافر الأجواء الملائمة لعودة السفير السعودي الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود إلى مكتبه في السفارة السعودية ببرلين، خصوصًا أن السعودية قالت إنها لن تعيد سفيرها إلا بعد ولادة حكومة ألمانية جديدة.

وكانت السعودية قررت في 18 نوفمبر الماضي استدعاء الأمير خالد بن بندر للتشاور، وتسليم سفير ألمانيا في الرياض مذكرة احتجاج على تصريحات أدلى بها غابرييل، من منطلق أنها مبنية على معلومات مغلوطة لا تدعم استقرار المنطقة.

بعد يومين من سحب السفير، حاول غابرييل التخفيف من وقع تصريحاته خلال مقابلة له مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، حيث قال: "ينبغي عدم اعتبار تعليقاتي عن الأزمة اللبنانية هجومًا على دولة معينة في المنطقة، ولا حتى السعودية". وعلى الرغم من ذلك، لم يتمكن غابرييل من دفع السفير السعودي للعودة إلى ألمانيا.

سياسة مرتبكة

أربكت هذه الأزمة الحكومة الألمانية، إذ بررت الخارجية الألمانية تصريحات غابرييل على خلفية التوتر الدبلوماسي بين ألمانيا والسعودية، وقالت متحدثة باسم الوزارة: "رسالتنا موجهة إلى المنطقة بأكملها، نريد منطقة مستقرة يُساهم فيها الجميع على نحو بنّاء، وتم رصد صدى مشوه جزئيًا في وسائل الإعلام السعودية فغابرييل قال بوضوح إن الرسالة المنادية بالاستقرار موجهة إلى لمنطقة بأكملها".
أضافت: "قال أيضًا إن إيران تؤدي دورًا صعبًا إقليميًا. وهناك اتصالات متنوعة في كل الاتجاهات، ووكيل وزارة الخارجية فالتر ليندنر يجري اتصالاً هاتفيًا مع السفير السعودي".

ونقلت تقارير متقاطعة حينها أن السعودية ألغت زيارة كان من المقرر أن يقوم بها مسؤول رفيع إلى ألمانيا، ما يعكس تدهورًا في العلاقات بين البلدين. فقد كان مقررًا أن يجري المبعوث الخاص بالإغاثة الإنسانية في اليمن محادثات مع مسؤولي وزارة الخارجية الألمانية في برلين، لكن السعودية ألغت الزيارة.

تصريحات مشينة

بحسب تغريدة لوكالة الأنباء السعودية على حسابها الرسمي على "تويتر"، صرح مصدر مسؤول بوزارة الخارجية تعليقًا على التصريحات غير الصحيحة التي أدلى بها غابرييل أن تلك التصريحات تثير استغراب المملكة العربية السعودية واستهجانها.

أضاف المصدر: "تعتبر المملكة أن مثل هذه التصريحات العشوائية المبنية على معلومات مغلوطة لا تدعم الاستقرار في المنطقة، وأنها لا تمثل موقف الحكومة الألمانية الصديقة التي تعدها حكومة المملكة شريكًا موثوقًا في الحرب على الإرهاب والتطرف، وفي السعي إلى تأمين الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد قررت المملكة دعوة سفيرها في ألمانيا للتشاور، كما أنها ستسلم سفير ألمانيا لدى المملكة مذكرة احتجاج على هذه التصريحات المشينة وغير المبررة". 

غير لائقة

في السياق نفسه، نقلت "دي دبليو" عربية عن الدكتور زهير الحارثي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ السعودي، قوله إن تصريحات غابرييل "مستغربة" و"غير لائقة" و"لا تعبر" عن الخطاب الرسمي للسياسة الخارجية الألمانية. ووصف الحارثي العلاقات بين البلدين بأنها "تاريخية"، والمصالح بأنها "ضخمة". أضاف: "الوزير الألماني غير مُلم بالتاريخ وعمق العلاقات بين البلدين والقيادتين"، لافتًا إلى أن الخلفية الإيديولوجية للوزير ربما أثرت في عمله السياسي. ونصح الحارثي غابرييل ألا يقحم قناعته الشخصية بعمله، "المفروض أن يكون لصالح بلده". 

طالب الحارثي ألمانيا بالاعتذار، قائلًا إن السعودية ليس من طبعها التصعيد، إلا أنه لم يستبعد أن تلجأ المملكة لكل الوسائل المشروعة لتحقيق مصالحها، ومنها العقوبات الاقتصادية.
واستدرك الحارثي: على ألمانيا أن تُدرّسَ مسؤوليها أكثر عن العلاقات بين البلدين وأهميتها وتاريخها الطويل".

الأزمة عابرة

نسبت "دي دبليو" عربية إلى الصحفي الألماني شتيفان بوخن، الخبير بشؤون الشرق الأوسط، قوله إن الأزمة عابرة وستمر، "وحتى لو وصلت إلى مرحلة سحب السفيرين، فسيعودان إلى عملهما بعد أيام"، مشددًا على أهمية الجانب الاقتصادي في العلاقات، فألمانيا معنية ببيع منتوجاتها الصناعية للسعودية، ومنها الأسلحة.

بحسب تقرير أصدرته "فريدوم هاوس" الأميركية في 2016، السعودية ثاني أهم شريك اقتصادي لألمانيا في المنطقة، بعد الإمارات: بلغ حجم الصادرات إليها في عام 2014 زهاء 8.8 مليارات دولار. 
والسعودية هي الثامنة عالميًا من حيث الأهمية التجارية بالنسبة إلى ألمانيا. وبلغ حجم صادرات ألمانيا من الأسلحة إلى السعودية نحو 209 مليون دولار في عام 2014. وبحسب أرقام وزارة الاقتصاد والطاقة الاتحادية، ارتفع حجم المبيعات إلى نحو الضعف بين عامي 2015 و2016، من 270 مليون يورو إلى نحو 530 مليون يورو.

شرط سعودي

في 20 فبراير الماضي، قال عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، إن عودة السفير السعودي إلى برلين مرهونة بتشكيل حكومة جديدة في ألمانيا، موضحًا في مقابلة مع "دويتشه فيله" أنه لا يمكن توقع عودة السفير السعودي قبل تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا، "ويمكنني أن أقول لكم إننا لسنا سعداء بالتصريحات التي صدرت أخيرًا من الحكومة الألمانية".

اعتبر الجبير خلال المقابلة أن العلاقات الألمانية - السعودية "ممتازة" من الناحية المبدئية، مستدركًا: "نحن نثمن هذه العلاقات ونقدرها، لكن لدينا مشكلة مع التعليقات التي صدرت من مسؤولين ألمان ونريد التعبير بوضوح عن استيائنا من هذه التعليقات. سنرى ما سيحدث في تشكيل الحكومة الألمانية الجديدة، ونأمل أن يكون بالإمكان إعادة العلاقات بين بلدينا إلى ما كانت عليه".​