باريس: نجحت موسكو بتقديمها دعما عسكريا للرئيس السوري بشار الأسد، في التحكم باللعبة في سوريا، لكن الكرملين يجد صعوبة في ترجمة انتصاراته العسكرية إلى تقدم سياسي في بلد محاصر بلاعبين إقليميين لهم مصالح متضاربة فيه.

تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال تدخله ميدانيا في سوريا من ضمان استعادة بلاده مكانة بارزة على الساحة الدولية وبات يطرح نفسه كحكم لا يمكن الالتفاف عليه في هذا الملف، مثيرا استياء الغرب.

لكن الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية جوليان نوسيتي لفت إلى أنه "بالرغم من الانتصار العسكري، لم تجد روسيا حتى الآن أي مخرج سياسي".

وأوضح أن "موسكو تسير على حبل مشدود، فهي تجد نفسها في موقع غير مريح على الإطلاق كزعيم تترتب عليه مسؤوليات. لكن في الشرق الأوسط، كلما تدخلت روسيا، ازدادت مخاطر إقصائها على الصعيد الدبلوماسي".

وفي الوقت ذاته، حذر ماتيو بوليغ من مركز "تشاتام هاوس" البريطاني للابحاث بأنه "لن يكون هناك حل سياسي بدون روسيا. إنها اللاعب الدبلوماسي غير الإقليمي الوحيد القادرة على التباحث مع الجميع".

غير أن هذه المهمة ليست سهلة، فعلى الكرملين التعامل مباشرة مع عدة حلفاء يصعب ضبطهم، من بشار الاسد الى إيران وتركيا.

وفي يناير 2017، باشرت موسكو وطهران وأنقرة محادثات في أستانا عاصمة كازاخستان بين ممثلين عن دمشق وممثلين عن الفصائل المعارضة.

وأفضت هذه المبادرة التي أقصت واشنطن وغطت على المفاوضات الجارية برعاية الأمم المتحدة، إلى اتفاق على إقامة "مناطق لخفض التوتر" في سوريا.

رغم ذلك، استمر القتال والعنف وتعذر التوصل إلى تسوية سياسية في ظل تضارب المصالح بين الدول الثلاث الراعية لعملية أستانا.

وفي نهاية يناير، استضافت موسكو "مؤتمر الحوار الوطني السوري" في سوتشي بدعم من طهران وأنقرة، غير أنه فشل في غياب أبرز الاطراف المعارضة لنظام الاسد والأكراد.

وفي هذه الأثناء يتواصل الهجوم العسكري الذي تنفذه تركيا في عفرين بشمال سوريا والعملية التي تنفذها دمشق في الغوطة الشرقية رغم الدعوات الدولية لوقف المجازر.

كل طرف له أجندة خاصة

ورأى بافيل باييف من معهد الأبحاث من أجل السلام في أوسلو أنه "خلال المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كان من الأسهل على مختلف الأطراف (روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة) إيجاد أرضية توافق. الآن، مع انتهاء مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، لكل أجندته الخاصة، وتجد روسيا نفسها فجأة مرتبكة".

عززت روسيا وتركيا في الآونة الأخيرة التعاون بينهما، غير أنهما تدعمان أطرافا متعارضة في سوريا، إذ تساند أنقرة فصائل معارضة فيما تقف موسكو بجانب الأكراد الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين.

وقال ماتيو بوليغ "على موسكو أن تحتفظ بأنقرة حليفة لها لضمان وصولها إلى البحر الأسود وشرق المتوسط" وكذلك لايجاد منفذ لها على الحدود الجنوبية للحلف الأطلسي الذي يضم تركيا.

أما إيران حليفة موسكو، فتدفع من جانبها لخدمة مصالحها في سوريا وقبض ثمن دعمها لنظام الأسد، لكن الكرملين يرتاب من نفوذها.

وأوضح بافيل باييف أن "روسيا تواجه ضغوطا من إسرائيل والولايات المتحدة للحد من تبعية الأسد لإيران التي تدفع الثمن المتوجب لاستمرار النظام. لكن موسكو لا تملك ما يكفي من الموارد المالية" لتحل محل طهران.

من جهته، لا يبدي بشار الأسد الكثير من الاندفاع لدعم المبادرات الروسية من أجل إيجاد تسوية سياسية مع المعارضة، مفضلا توظيف إمكاناته لسحق جيوب المعارضة في سوريا.

وقال جوليان نوسيتي "من الخطأ الاعتقاد بأن روسيا تتحكم تماماً بالحكومة السورية. موسكو لها تأثير ملموس على الجيش والمخابرات السورية، لكن لا تساورها أي أوهام بشأن ولاء الأسد الشخصي لها. إن العلاقة الزبائنية بين طرف أول وطرف ثانٍ تتم أحيانا لصالح الثاني".