بيروت: بعد شهر على تصعيد عسكري مكّن الجيش السوري من استعادة الجزء الأكبر منها، باتّ مصير الغوطة الشرقية قرب دمشق، محسوماً وفق محللين، برأي المحللين، وما هي سوى مسألة وقت حتى يتم إجلاء المقاتلين المعارضين منها.

في ما يلي السيناريوهات التي تنتظر مقاتلي الفصائل المعارضة وسكان الغوطة الشرقية.

مفاوضات
تشن قوات النظام منذ 18 فبراير حملة عسكرية ضد الغوطة الشرقية، آخر معاقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، بدأت بقصف عنيف ترافق لاحقاً مع هجوم بري تمكنت خلاله من السيطرة على أكثر من 80 في المئة من هذه المنطقة.

وقسمت قوات النظام الغوطة الشرقية الى ثلاثة جيوب منفصلة هي دوما شمالاً تحت سيطرة فصيل جيش الإسلام، وحرستا غرباً حيث حركة أحرار الشام، وبلدات أخرى جنوباً يسيطر عليها فصيل فيلق الرحمن مع تواجد لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً).

يقول الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش "المعارك ستتوقف في وقت ما وستبدأ المفاوضات التي ممكن أن تستمر بعض الوقت". ويشاطره الرأي الخبير في مؤسسة "سنتشري فاونديشن" الأميركي آرون لوند الذي يرى أن تقسيم الغوطة الشرقية يتيح لقوات النظام التعامل مع كل فصيل على حدة. ويقول "اليد الطولى ستكون للحكومة".

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان تحدث عن مفاوضات منفصلة بين طرفي النزاع للتوصل الى اتفاقات تقضي باخراج الراغبين أو إرساء مصالحات في أجزاء الغوطة الثلاثة.

وخلال سنوات النزاع، شهدت مناطق سورية عدة مثل حلب وبلدات قرب دمشق عمليات إجلاء لآلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية وإثر حملات عسكرية عنيفة.

ويتوجه هؤلاء إلى مناطق تسيطر علها الفصائل المعارضة خصوصاً محافظة إدلب (شمال غرب) التي تسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر منها.

لكن يبدو الأمر أصعب بالنسبة الى الغوطة الشرقية. ويقول لوند "غالبية مقاتلي المعارضة أصلاً من الغوطة، ولذلك سيكون من المؤلم والصعب جداً عليهم مغادرة المنطقة".

اجلاء المقاتلين
في دوما، تحدث المرصد السوري عن مفاوضات بين جيش الإسلام وروسيا الهدف منها تحويل المدينة الى منطقة مصالحة تدخلها الشرطة الروسية مع بقاء المقاتلين المعارضين فيها.

رجح الباحث في مركز عمران للدراسات نوار اوليفر هذا السيناريو بالنسبة الى دوما كون لدى جيش الإسلام برأيه "خبرة سياسية وفي التواصل مع قوى دولية"، وبالتالي سيحاول إرساء التجربة نفسها التي عرفتها منطقة الضمير القريبة و"هي منطقة مصالحة ومهادنة تحت سيطرة جيش الاسلام".

وفي منطقة مصالحة كهذه، تعود العلاقات التجارية مع السلطات في دمشق وتعود المؤسسات الدولية من دون انتشار لقوات النظام. ويتجنب فصيل جيش الإسلام بذلك "تهجير الأهالي". يختلف الأمر بالنسبة الى فصيل فيلق الرحمن الذي تتهمه روسيا بالتعاون مع هيئة تحرير الشام. 

ومع تقدم قوات النظام في الغوطة الشرقية، جرت مفاوضات برعاية وجهاء من بلدات القطاع الجنوبي التي يسيطر عليها فيلق الرحمن للتوصل الى تسوية تحميها من تمدد المعارك إليها، إلا أنها لم تتوصل إلى أي نتيجة.

وبعد أيام شهدت بعض الهدوء نتيجة المفاوضات، تصاعدت العمليات العسكرية وواصل الجيش السوري تقدمه مسيطراً على بلدات عدة. ويرى مراقبون أنه لن يكون هناك حل أمام فيلق الرحمن سوى بإجلاء مقاتليه من الغوطة الشرقية.

لم يعد فصيل فيلق الرحمن يسيطر سوى على بلدات عربين وزملكا وحزة وعين ترما فضلاً عن أجزاء من حي جوبر الدمشقي المحاذي. وكان فصيل فيلق الرحمن أعلن في وقت سابق رفضه التفاوض كما أكد مراراً موقفه الرافض أي عملية إجلاء لمقاتليه.

ويعدّ "جيش الاسلام" نحو ستة آلاف مقاتل فيما يضمّ "فيلق الرحمن" في صفوفه ثلاثة آلاف عنصر، وفق بالانش. في المقابل، يتحدث الفصيلان عن أرقام أكبر تصل الى عشرة آلاف لكل منهما.

في الجيب الثالث في مدينة حرستا، يتواجد مئات المقاتلين من حركة أحرار الشام. وجرت مفاوضات أيضاً حول مصيرهم من دون أن تسفر عن نتيجة أيضاً. لم تعترف أي من الفصائل المعارضة بمشاركتها بأي مفاوضات، إلا أنها وعلى وقع تقدم قوات النظام، أعلنت استعدادها لاجراء مفاوضات مباشرة مع روسيا، الداعمة لدمشق، حول وقف لاطلاق النار.

ورأى الخبير في الشأن السوري في جامعة توم بييريه "أنهم (مقاتلين) متمرسون في حروب الشوارع وتكتيكاتها"، مضيفاً "لكنهم من دون شك عاجزون أمام قوة النيران وعديد القوات الموالية للنظام".

شكل تواجد هيئة تحرير الشام في الغوطة الشرقية وإن بشكل محدودة معضلة في الغوطة الشرقية. وأعربت الفصائل المعارضة مراراً عن استعدادها إخراج مقاتلي هيئة تحرير الشام، وعمد جيش الإسلام فعلاً على إجلاء 13 جهادياً كانوا معتقلين لديه وإرسالهم إلى ادلب. 

ماذا عن المدنيين؟
قبل التصعيد الأخير، كانت الغوطة الشرقية تعد 400 ألف نسمة، فرّ 50 ألفاً منهم إلى مناطق سيطرة الحكومة خلال الأيام الماضية على وقع الهجوم البري والقصف المستمر.

وبرغم أن الكثير منهم أعرب في وقت سابق عن خشيته من الخروج الى مناطق سيطرة النظام خوفاَ من الاعتقال او التجنيد الإلزامي، لم يجدوا حالياً خيارات أخرى أمامهم. وفي اتفاقات الإجلاء، عادة ما يخرج المدنيين الرافضين لدخول قوات النظام برفقة المقاتلين المعارضين. 

يُذكّر ما يحصل في الغوطة الشرقية بمعركة مدينة حلب التي حاصرت قوات النظام أحياءها الشرقية قبل أن تشن هجوماً برياً، دفع آلاف المدنيين إلى الفرار الى مناطق سيطرة النظام غرباً. وانتهت المعركة بإجلاء آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين الباقين إلى مناطق تسيطر عليها الفصائل المقاتلة في شمال غرب سوريا

ويذكر لوند بأنه عندما استعادت القوات الحكومية السيطرة في الماضي على بعض معاقل المعارضة، أعطي المدنيون خيار البقاء في مناطق سيطرة الحكومة.

وقال "أعتقد أن كثيرين يريدون فقط البقاء على قيد الحياة، وإنقاذ عائلاتهم، واستكمال حياتهم، أيا تكن الجهة التي تسيطر على مدينتهم". ولكن في الغوطة الشرقية "لن يتمكن بعضهم من البقاء مهما كان العرض الذي سيُقدم اليهم".

وأوضح لوند أن "معارضي النظام المقربين من الفصائل المعارضة سيخشون حصول هجمات انتقامية واعتقالات وتعذيب"، وسيخاف آخرون من التجنيد الإجباري، مضيفاً أن "عائلاتهم قد تشعر أنها مجبرة على اللحاق بهم".