«إيلاف» من الرياض: شهد لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على شبكة CBS الأميركية تفاعلا سعوديا واسعاً بين محللين ومغردين خاصة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" اذ تم تناول أجزاء من لقائه تحت وسم لقاء ولي العهد على CBS.

وفي حدث غير مسبوق على صعيد الوسائل الاعلامية الغربية، وترقب سعودي بكثير من التفاؤل، كشف ولي العهد من ذلك المنبر عن أبرز سياسات المملكة، وموقفها من أهم الأحداث والقضايا في منطقة الشرق الأوسط، وعلاقات السعودية مع الولايات المتحدة، كما تَحَدّث بشفافية كبيرة عن مرحلة الإصلاحات المهمة على كافة الأصعدة، معلنا عن استمرار مسيرة بناء سعودية جديدة، وماضيًا بالوعود والتغييرات نحو المسار الصحيح الذي يجعل المملكة تتبوأ مكانها الطبيعي والمؤثر بين العالم . 

الشفافية عنوان خطابه 

قال المحلل السياسي مبارك آل عاتي في تصريحه لـ(إيلاف) إن الشفافية كانت عنوان حديث ولي العهد لقناة cbs العريقة، اذ أكد الأمير محمد بن سلمان في ثنايا الحديث «أن ليس لدى السعودية شيء تخفيه، فالمملكة اليوم باتت تؤمن بالعمل تحت الشمس وبالحوكمة والمحاسبة ، معتبرا ذلك منبعاً للقوة والثقة في رؤية ولي العهد لمستقبل الدولة السعودية» .

وتابع آل عاتي تصريحه قائلا « إن حديث ولي العهد السعودي حاز على اهتمام الرأي العام نظراً لما اتسم به من شفافية تامة وقوة في الطرح، اذ تناول فيه الحديث عن السياسة التي تتبعها السعودية حاليًا في مختلف الملفات الاقليمية والعالمية، بجانب الحديث عن اقتصاد المملكة وعملية التحول الاقتصادي والاعتماد على النفط الى التنوع، اضافة للتغييرات الثقافية والاجتماعية التي شهدتها وتشهدها المملكة ودور المؤسسات الدينية في حياة الناس، وأشار العاتي الى اهتمام ولي العهد في حديثه على توضيح كل ما يهم شرائح المجتمع السعودي كافة، مشيرًا الى تفاعل السعوديين مع الجوانب التي أثارها الأمير محمد تجاه التغيير الذي يعمل عليه من أجل الوطن والمواطن» .

اليمن وايران أولى اهتمامات ولي العهد
وأردف المحلل السياسي مبارك آل عاتي بقوله،« أن ولي العهد حرص على أن يتحدث باللغة العربية أثناء لقائه الذي استغرق أكثر من تسعين دقيقة ليكون دقيقاً وحريصًا في وصف الملفات الهامة التي تتصدر قائمة اهتماماته، كالملف اليمني، والمشروع الايراني واطماعه»، مؤكدا بذلك عن «عزمه وحزمه على تنفيذ ما تعهد به لجعل المملكة بلدًا عصريًا منفتحًا على الجميع ومتسامحًا مع الآخرين، قابلاً للحوار والنقاش ومستعدا لتبادل رغد العيش مع كل الشعوب بالمحبة والسلام ، رافضًا رفضا قاطعا لأي تدخل او تهديد يمس أمن المملكة وامن المنطقة ككل ، وأنه لن يتوانى لحظة واحدة في امتلاك السلاح النووي الرادع في حال امتلكته إيران التي عربدت كثيرًا وعبثت في الأمن القومي العربي» .

ولي العهد رجل الشرق الأوسط

وتابع المحلل حديثه لـ "إيلاف" قائلا «إن ولي العهد السعودي تناول ملف المرأة السعودية مؤكدًا استمرار مشروع تمكين المرأة والذي تمثل عبر جملة من القرارات مكنت المرأة من الوصول الى ساحات صنع القرار ، مشيرا الى مجلس الشورى الذي تمثل المرأة ثلثه، واصفا ذلك بالتمكين غير المسبوق في تاريخ الدولة السعودية ».
وأضاف «أن ولي العهد أكد خلال حديثه على تمسك المملكة بثوابتها الدينية البعيدة عن الغلو والتطرف دون تفريط في المسلمات والقواعد التي بني عليها استقرار البلاد».
وختم مبارك العاتي مشاركته واصفا ولي العهد محمد بن سلمان «انه رجل الشرق الاوسط القوي والحريص على امن المنطقة وخلوها من بواعث التطرف والارهاب ومن داعميه وحاضنيه وان هذا الخطاب يؤكد على ان الغرب والمجتمع الدولي ككل مدعو للاصطفاف مع السعودية لتحجيم اطماع ايران وحماية المنطقة من اذرعها الارهابية وان اتفاق خمسة زائدا واحدا كان بابا لشرعنة اطماعها النووية التي ستجعل المنطقة في سباق تسلح جديد جراء اطماع خامنئي وزبانيته».

العلاقات السعودية الاميركية نحو مسار صحيح

من جانبه، قال الكاتب السعودي محمد العصيمي لـ(إيلاف) «إن جميع لقاءات ولي العهد محمد بن سلمان الإعلامية، لا سيما الدولية منها، تركز على تقديم السعودية الجديدة، سواء في ما يتعلق بالسياسة الخارجية أو السياسة الداخلية. وفي هذا اللقاء مع قناة cbs ، وهو أول لقاء يجريه مع شبكة تلفزيونية أميركية، أعاد التأكيد على ما أصبح من ثوابت سياسة المملكة بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز. مؤكدا على جملة أمور في علاقات المملكة الخارجية باعتبارها لاعباً رئيسياً إقليمياً بل ولاعباً أساسياً في الساحة الدولية لا يمكن تجاهله. ومن هنا يُفهم مغزى كلامه عن قوة المملكة الاقتصادية والعسكرية وبأنها مستعدة دائماً للتجاوب مع المستجدات التي تحفظ لها أمنها وتحفظ أمن وسلامة المنطقة ككل».

وفي ما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية قال العصيمي «إن ولي العهد استبق زيارته إلى هناك للتأكيد على أن هذه العلاقة قديمة وراسخة لا تغيرها السحابات العابرة أو افتعالات المخربين والمحرضين، سواء من تنظيمات إرهابية كما فعل بن لادن والقاعدة من قبل، أو كما تفعل إيران وقطر في الوقت الحاضر. ويشير الكاتب الى أن الإدارة الأميركية الآن بقيادة الرئيس ترمب تعيد تصحيح هذه العلاقة بحماسة كبيرة لتكون أقوى مما كانت عليه من قبل وتتجاوز تأثيرات الإدارة السابقة بقيادة الرئيس أوباما التي وقعت في بعض الأخطاء والمغامرات التي لم تعرض المنطقة فحسب للخطر، بل عرضت المصالح الأميركية نفسها لخطر كبير وواضح. وهذه الزيارة، التي تصفها وسائل الإعلام الأميركية وليس السعودية فقط، بالزيارة الكبرى ستعزز من تحالف الدولتين وتعاونهما الوثيق في كل ما من شأنه تحقيق مصلحتهما ومصلحة شعبيهما».

واردف العصيمي الى «ان الملف الإيراني من أهم ملفات السياسة الخارجية السعودية في الوقت الحاضر. ومن الطبيعي أن يشغل قيادة المملكة ويشغل بال ووقت ولي العهد لسبب بسيط وهو أن إيران تمثل خطراً حقيقياً يُهدد المنطقة برمتها ويهدد مصالح شعوبها ويتهدد المملكة من خاصرتها في اليمن. ويضيف العصيمي بقوله (نحن نرى كما يرى الأميركيون والأوروبيون) ، ماذا فعلت إيران في العراق وسوريا واليمن وحتى في لبنان الذي يمثل فيه حزب الله، المنتمي لولاية الفقيه الإيرانية، خطراً كبيراً على حياة ومصالح اللبنانيين وغيرهم».

 وأكد «أن إيران دولة مدمرة نصت علناً على تصدير ثورتها في دستورها وقد عبثت كثيراً في بعض الدول ومكوناتها الشعبية الشيعية واستخدمت الطائفية البغيضة لتدمر هذه الدول وتعيدها إلى الخلف مئات السنوات. ويرى الى أن مواجهة السعودية لهذا الخطر الإيراني هي مواجهة مطلوبة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ليس من أجل المملكة فقط بل من أجل أن تعيش شعوب منطقة الشرق الأوسط بهدوء وسلام وتتجه للبناء والتقدم بعد كل هذا الخراب الذي حدث بفعل الصلف والغطرسة الإيرانية المستمرة حتى الان».

مكافحة الفساد متطلبات الدولة الحديثة

وتابع الكاتب محمد العصيمي مداخلته حول خطاب ولي العهد التلفزيوني قائلا «حين انطلقت حملة مكافحة الفساد التي تم فيها إيقاف ومحاسبة كبار الفاسدين شكك البعض بجدية هذه الحملة وأهدافها لكن النتائج أظهرت لهم أن المملكة عازمة على اجتثاث الفساد بدليل ما تم الإعلان عن تحصيله من هذه الحملة أكثر من مرة، وما نتج عنها من إعادة كثير من الأمور إلى نصابها، سواء على مستوى الفساد المالي أو الإداري، وسواء على مستوى مسؤولين كبار وإدارت عليا أو على مستوى الموظفين في الإدارات المتوسطة والصغيرة. كانت هذه الحملة، التي لم يتوقعها أحد، ضربة معلم أعادت الاعتبار للمحافظة على المال العام في المملكة، وقدمت للعالم والمستثمرين نوايا سعودية جادة بأن السوق السعودية جاهزة لاستقبالهم ضمن المقاييس العالمية لمكافحة الفساد وضمن شروط ومتطلبات الدول الحديثة التي تتجه في مشروعاتها لإحداث قيم مضافة إلى الاقتصاد المحلي والتنمية من أجل تحقيق مصالح المواطنين سواء في توظيفهم أو ترقيهم أو تحقيق صيغ العيش الكريم لهم.

وأشار الى خلال زيارة ولي العهد للولايات المتحدة سيكون موضوع مكافحة الفساد وإجراءات المملكة الأخيرة فيه مطروحاً ومشجعاً لكثير من المستثمرين والشركات الكبرى لتأتي إلى المملكة وتساهم في نهضتها الجديدة في كل القطاعات التي تنشأ الآن أو التي سيجري تخصيصها وإعادة هيكلتها، لذا يرى العصيمي أن الأمر باختصار هو حرب على الفساد من أجل أن تُبني السعودية الجديدة الطامحة لتكون دولة حديثة بكل المقاييس لا تقل ابداً عن الحرب على التطرف أو الحرب على التنظيمات الإرهابية أو الحرب ضد أعداء المملكة في اليمن وفي المنطقة.

الملف الاقتصادي ورؤية شاملة

وفي الوقت الذي تتجه فيه السعودية لبناء اقتصاد قوي وتطوير حكومي واسع، لم يغفل ولي العهد السعودي خلال حواره التلفزيوني التطرق للملف الاقتصادي , وأشارت الكاتبة والمحللة الاقتصادية ريم اسعد الى «ان حديث ولي العهد كان حديثا منتظراً، اذ تراه رسالة للعالم يكشف من خلالها عن رؤية شاملة وخطة طويلة الأجل من اجل توفير مصادر للدخل بعيدا عن النفط وتحقيقا للرؤية الجديدة 2030».
واضافت « أن ولي العهد ومن خلال هذا الخطاب الشفاف يوضح التغيير الجذري في هذا الملف وأن الحراك الاقتصادي حقق قفزات غير مسبوقة باتجاه تحقيق الرؤية بحسب الخطة الزمنية، معتبرة هذه الخطة هي الأكثر جرأة والأكثر شمولا في تاريخ السعودية الجديدة».

التطرف وضع السعودية في دائرة الاتهام 

وتطرق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال لقاءه التلفزيوني الى ملف التطرف والإرهاب والى الجهود المبذولة لتخليص المنطقة من مخاطره، مشيرا الى أنه كان أحد ضحايا هذا التطرف والتشدد الديني الذي عانى منه جيل كامل لعقود .

وأكدت ذلك الكاتبة السعودية زينب غاصب في تصريحها لـ(إيلاف) «أن ‏التطرّف في السعودية كان عائقا في نمو التطور والتقدم بحجة الدين الإسلامي الذي هو بريء مما ألصقه به المتطرفون، من الإنغلاق الاجتماعي، والثقافي، وحتى الاقتصادي، ولم يكن الّدين في يوم من الأيام عائقا في حياة الناس الطبيعية ، التي شوهتها أهداف المتطرفين , فلم يكونوا إلا دعاة تضليل، وتكفير، أنشبوا فيها أظافرهم على حساب المجتمع بالحرام، والممنوع، وسد الذرائع»، بحسب قولها.

واضافت« بذلك هدموا مبادئ الدين السليم ، وأوصلوا الناس إلى درجة التشكك في دينهم، بل وفي أهلهم، وجيرانهم، فهذا كافر، وهذا علماني، وهذا ليبرالي، وهكذا وصلوا إلى مفاصل الدولة خصوصاً التعليم، الذي أفرز جيلاً بأكمله منخدعاً بأولئك المتطرفين، اذ جعل منهم أدوات هدمٍ مشلولة الفكر، والتفكير، ضد كل مناحي الحياة الطبيعية حتى تطور الوضع إلى الإرهاب والهجوم على مؤسسات الدولة ، ومنجزاتها، وقتل الأبرياء، وقمع المرأة، ومنعها من نيل حقوقها المشروعة، وترى "غاصب" ان هذا التشدد والعبث جعل المجتمع السعودي في دائرة الاتهام العالمي» .

وتابعت الكاتبة قائلة «إن خلف كل حادثة إرهابية يدعمها لوبي خبيث من أهدافه القضاء على الحكم السعودي، ونيل السلطة، وبدا هذا واضحًا خلال ثورات الدمار العربي الذي كان يترصد المملكة ويستميت في جرها لمتاهة الحروب، والدمار، لكن الوعي الكبير للدولة، ولمعظم المواطنين الشرفاء أحبط تلك المخططات للمتطرفين، وعجل بفضحهم وبسقوط أقنعتهم» . 

وأشادت غاصب بعهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد، انه بمثابة الصدمة التي أيقظت الشعب من غيبوبته الغافلة عن الأهداف الحقيقية للتطرف، والمتطرفين، واتضحت الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الدين وعن المملكة نفسها التي لم تكن كذالك قديماً، مشيرة الى التغييرات الفعلية التي احدثها الأمير محمد بطموحه، وعزيمته، على العودة لطبيعة الحياة الفطرية التي خلقها الله، للعمل، وللبناء، وللثقافة، وللفن ، وللجِمال الحياتي، بكافة صوره وبدأ بمحاربة الفساد الذي أفرزه التطرّف في جميع الجوانب .

واضافت «أن الشعب السعودي بأجمعه رأى هذا التغيير على أرض الواقع، مما رفع وتيرة التفاؤل وسار خلف القيادة الشابة، بكامل وعيه مسانداً، ومناصراً، لما رآه واقعاً، وبمدة وجيزة» وتختم الكاتبة بقولها « أنا من أكثر المتفائلين لهذا التغيير الذي تنطلق منه السعودية الجديدة على قواعد راسخة من الرؤى والأهداف الكبيرة في زيادة رفعة الوطن وتطويره».