انقرة: يشرف على الاعتناء بصفا الحسين وابنتها عهد التي تبلغ الرابعة من عمرها وأصيبت في ساقها في قصف في الرقة طبيب وممرضة سوريان مثلهما، ولكن كل ذلك يجري في مركز طبي في أنقرة، على بعد مئات الكيلومترات من بلدهما.

في هذا المركز، يضم الطاقم الطبي لاجئين سوريين حصلوا على تدريب مهني نظمته وزارة الصحة التركية والمنظمة العالمية للصحة وتم تأهيلهم على مدى أسابيع لممارسة مهنتهم الأصلية والاهتمام باللاجئين الذين يتحدثون العربية ومعظمهم سوريون.

تستقبل تركيا أكثر من 3,5 ملايين لاجىء سوري يعيش أقل من عشرة بالمئة منهم في مخيمات اللجوء.

ويقول فيليكس ليجيه المكلف ملف الصحة لدى منظمة العمليات الأوروبية للاغاثة وحماية المدنيين التي تمول جزءاً من دورات التدريب ان "الحكومة التركية تبنت تشريعا تقدمياً تماماً بالنسبة للاجئين. فاللاجئ المسجل يحصل على الرعاية الصحية والتعليم مثله مثل اي مواطن تركي".

ولكن الحواجز اللغوية والثقافية كانت تعيق حصولهم على الرعاية، ومن هنا جاءت فكرة الاستفادة من "الممرضين والأطباء من بين اللاجئين الذين يمكنهم أداء دور مهم هنا".

بدأ التدريب مطلع 2017 في سبعة مراكز وهو يجري بسرعة ويتضمن أسبوعا من المحاضرات النظرية وستة أسابيع من التدريب العملي مع أطباء أتراك. والهدف منه هو التأكد من مؤهلات هؤلاء وإصدار شهادات لهم نظرا لان كثيرين منهم لجأوا دون شهاداتهم. بعدها يمكنهم ممارسة مهنتهم فقط في واحد من 99 مركزاً للرعاية الصحية للاجئين في مختلف أنحاء تركيا.

انضم حتى الآن أكثر من 800 طبيب الى البرنامج، من بينهم نضال عرب الذي جاء من حلب في 2012 وهو يمارس مهنته منذ حزيران/ونيو في مركز أنقرة للاجئين الذي يزوره كل يوم نحو 600 مريض.

ويقول الطبيب نضال "بما ان المرضى لا يتحدثون التركية، لا يمكنهم أن يشرحوا للطبيب حالتهم. الآن بات الأمر أسهل".

ومن أصل أطباء المركز العشرة وممرضيه الثلاثة عشر، ثمانية أطباء وعشرة ممرضين سوريون.

- بناء الثقة -
ويقول الطبيب الذي يعاين عهد مبتسما، ان "والدها كان اسمه نضال. المرة الأولى التي جاءت فيها، تعلقت بي ولم تشأ أن تتركني".

وتقول أمها في حين تلهو عهد ببالونات وزعها المركز "كنا في البيت عندما ضربت طائرة المنزل. مات زوجي وابنتي، وأصيبت (عهد) بجروح".

وبعد العملية الجراحية الأولى، أوصى الأطباء في سوريا بنقل الطفلة إلى الخارج، فجاءت بها أمها الى تركيا قبل ستة أشهر حيث سمعت من يقول "ان هذا المركز به أطباء سوريون يعتنون بالمرضى".

وتنظر الأم الى ابنتها وتبتسم "إنها تمشي الآن".

يساعد الأطباء السوريون كذلك خلال حملات التحصين التي تنظمها وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية و"كانت تقابل في الماضي بموقف متشكك بين الطواقم الطبية والناس البسطاء القادمين من مناطق النزاع ويملأهم الخوف"، وفق ما يشرح الطبيب محمد خطاب الذي وصل الى تركيا من حلب كذلك في 2015.

ويضيف ان "وجود أطباء وممرضين سوريين الى جانب زملائنا الاتراك ساهم الى حد كبير في انجاح هذه الحملات" التي تجري من باب الى باب.

- مأساة مشتركة -
وفي طابق في المبنى نفسه، تحصل لاجئات على الدعم النفسي والاجتماعي. هنا أيضا كان لا بد من بناء الثقة. هنا يتم التركيز على المسائل الجنسية والعنف ضد النساء، وهي مسائل حساسة ومعقدة.

وتقول ديغو اريغ المديرة الاقليمية للبرامج الانسانية في صندوق الامم المتحدة للسكان انه "نظرا لصعوبة بناء الثقة معهن، استعنا بميسِّرات صحيات يشكل جسراً بين المركز واللاجئات". تتلقى الميسرات الصحيات تدريباً مكثفاً لخمسة أيام. وتعمل خمس منهن في مركز أنقرة الصحي.

وتروي إحداهن وهي أم لاربعة اطفال من حلب انضمت الى المركز في الصيف الماضي وطلبت عدم كشف اسمها ان النساء يبدأن أحياناً بالبكاء ما أن تبدأ الحديث معهن.

وتضيف "إنهن يثقن بنا ويتعاون معنا لأننا مررنا بظروف مماثلة وعشنا المأساة نفسها".