تتهم الولايات المتحدة الـ"هاكرز" الروس باختراق نظام الانتخابات الأميركية للتأثير فيه لمصلحة الرئيس الحالي دونالد ترمب، وتتهمهم حكومة المستشارة أنجيلا ميركل باختراق شبكة الاتصالات الحكومية الألمانية، وربما يتمكن الهاكرز (الروس أو غيرهم) من التأثير في مسار صاروخ فضائي يطلق من كاب كنفرال.

إيلاف من برلين: السؤال الذي أثارته وكالة الأنباء الألمانية أخيرًا هو ما إذا كان الهاكرز، بل والبشر الاعتياديون العارفون بخبايا الشبكات الإلكترونية، قادرين على التدخل عن بعد في الأجهزة الطبية الإلكترونية التي يحملها الناس في قلوبهم وأدمغتهم. وتتساءل الوكالة ما إذا كان العالم على هذا الأساس سيشهد نوعًا جديدًا من الجرائم الإلكترونية.

إنذار للرئتين
فهناك اليوم ناظم إلكتروني للقلب يحمله الملايين في العالم، وهناك ناظم إلكتروني لعمل الدماغ، وناظم عمل لسان (للذين يعانون من الشخير) إلكتروني. ويفضل المعانين من سكري مرتفع زرع عبوة أنسولين تحت الجلد تتيح التحكم بكمية الأنسولين التي تفرز في الدم من الخارج أيضًا.

يستخدم الأطباء جهازًا مماثلًا لتفريغ المثانة الكترونيًا من البول عند المرضى المعانين من عجز المثانة، ويستخدمون جهازًا آخر للتحكم بالمنفذ الذي يعملونه في البطن بعد استئصال الأمعاء الغليظة لمريض ما بسبب نمو سرطاني. ولاشك أن هناك العديد من الاستخدامات الأخرى الأقل شيوعًا في عالم الطب الإلكتروني.

وكمثل على مشاكل عجز القلب، التي يعاني منها 1.6 مليون ألماني، بحسب إحصائية وزارة الصحة، طرحت شركة ميديترونك ناظمًا جديدًا للقلب، وزوّدته بتقنية جديد للإنذار من احتمالات تجمع السوائل في الرئتين، وهي حالة قد تسبب الموت بنسبة عالية. 
الجهاز يقوي انقباض القلب ويصحح النبض بتقنية "إعادة نسق القلبCRT" التي تقيس تيارات القلب الكهربائية وتصححها. كما يقيس الناظم نسبة السوائل في الرئة بتقنية قياس المقاومة الكهربائية الصادرة من الصدر. ويتحدث العلماء الأميركيون منذ فترة عن أول غدة بنكرياس صناعية ستضع حقنة الأنسولين على الرف.

وعادة يستطيع الطبيب المعالج التحكم من الخارج بعمل الجهاز وبرمجته، كما يمكنه شحن بعضها بالحث من الخارج من دون الحاجة إلى أخراج الجهاز بوساطة عملية صغيرة. وتتم كل هذه التدخلات وفق شفرة خاصة تصممها الشرطات المنتجة لهذه الأجهزة ويعرفها الأطباء المعالجون.

احتمال ضعيف
وذكر أطباء القلب المتخصصون في الولايات المتحدة أن الخطر على حملة أجهزة ناظم القلب ورادع خفقان القلب من الهاكرز، أو من التدخلات الخارجية، ليس كبيرًا. وقالت الدكتورة دانونيا لاكريدي، من الجامعة الطبية في كنساس، إن احتمال نجاح هاكر في التدخل في عمل أو مهاجمة عمل ناظم قلب شخص معيّن تحديدًا قليل. وهي عضو في جمعية القلب الأميركية التي تعنى بمخاطر زراعة الأعضاء الالكترونية في جسم الإنسان.

كما هي الحال في الولايات المتحدة لم تشهد ألمانيا أية حادثة تتعلق بتدخل خراجي في عمل الأجهزة الإلكترونية المزروعة. وأكد المعهد الألماني الاتحادي للمنتجات الطبية (BfArM) لوكالة الأنباء الألمانية حصول مثل هذه الجرائم حتى الآن في ألمانيا، وتحدث عن "تبليغ إلزامي" فرضته على الشركات المنتجة لهذه الأجهزة عند حصول تدخلات خارجية في الأجهزة.

ثغرات أمنية في أجهزة ضخ الإنسولين المزروعة
واقع الحال، أن السلطات الصحية الألمانية حذرت صناعة الأجهزة الإلكترونية الطبية في ألمانيا من ثغرات أمنية ما في عمل هذه الأجهزة.

جاء في تقرير السلطات الصحية أن فحص بعض الأجهزة، وخصوصًا في العبوات التي تضخ الأنسولين في أجساد المعانين من داء السكري، إن من الممكن للهاكرز، في بعض الحالات فقط، اختراق ثغرات أمنية في شفرة أجهزة WLAN وصولًا إلى التلاعب بكمية الأنسولين التي ينبغي ضخها.

اضطرت شركة "جونسون وجونسون" في العام 2016 إلى الكتابة إلى نحو11 ألف مريض يستخدم مضخة الأنسولين من إنتاجها، منبهة إلى وجود ثغرات في "السوفتوير". وحدث الشيء نفسه مع شركة "سميث ميديكال" في العام2017، وتحدثت حينها عن تطوير جديد في النظام الأمني لعبوات ضخ الإنسولين المزروعة تحت الجلد.

وفي العام2017 أيضًا اضطرت شركة "سانت جود ميديكال" إلى استدعاء نحو نصف مليون إنسان، يحملون ناظم القلب أو رادعات الخفقان من صناعتها، إلى عياداتها كي تجري تعديلات أمنية عليها.

أمن الأجهزة الطبية في المستشفيات ضد الهاكرز
وتؤكد اختصاصية القلب لاكريدي، من كنساس، أن الأمني الإلكتروني"السايبري" يبدأ بتوفير الأمن للسوفتوير العامل في هذه الأجهزة. وتقول إن هذا يسري على أجهزة تنظيم التنفس في المستشفيات، وعلى أنظمة التخدير في غرف العمليات أيضًا.

ويقول هانيس موزلن، المدير الأمني الطبي في شركة صناعة الأجزة الطبية الالكترونية "دريغر" إن عليهم فحص الأجهزة الطبية في المستشفيات باستمرار للتأكد من عدم اختراق وظائفها من قبل الهاكرز، أو لحفظها من التلاعب الإلكتروني. ويلاحظ الخبير الأمني الطبي أن اختلال وظائف الأجهزة الألكترونية يمكن أن يحصل بسبب عدم التجديد والرعاية الدائمة لها أيضًا.

يضيف موزلن إنه من الضروي تطوير السوفتوير المشغل لأجهزة المستشفى باستمرار، وضرورة حمايتها من التدخلات الخارجية ومن الخلل لأنها عمومًا أجهزة كبيرة وباهظة الثمن ومهمة جدًا لحياة المرضى.

خطر الهاكرز قائم
لا يختلف اثنان على أهمية الأنظمة الإلكترونية الكبيرة، وأهمية ربطها في شبكة واحدة، في إسعاف ومعالجة المرضى في المستشفيات اليوم. إلا أن ذلك لا يخلو من مخاطر على عالم الطب الحديث.

قبل سنتين تعرّضت النظام الإلكتروني الأساسي في مستشفى لوكاس في مدينة نويس الألمانية إلى هجوم للهاكرز اخترقوا فيه هذا النظام. ونجحوا في ذلك من خلال دس فيروس إلكتروني معيّن عبر بريد الكتروني مفتوح لأحد العاملين في النظام. 

واضطرت المستشفى إلى وقف عمل كامل النظام حماية للبيانات حول المرضى وحماية للأجهزة والأنظمة الإلكترونية الطبية. وأمرت المستشفى موظفيها، بعد هذا الخرق، بالكف عن استخدام الإيميل واللجوء إلى المكالمات الهاتفية والفاكس والتقارير الورقية.

وذكر البروفيسور توماس ييشكه، المتخصص في المعلوماتية الطبية، أن نقص التمويل هو سبب ضعف أمن الأنظمة المعلوماتية في المستشفيات. وأضاف ييشكه، وهو من معهد حماية البيانات في المجل الطبي، أن بعض هذه الأنظمة قديمة وبحاجة إلى تحديث.

أشار الخبير إلى أن 90 مستشفى من 200 فقط تفي تمامًا بالمتطلبات الأمنية الإلكترونية التي تضعها السلطات الصحية الألمانية، وهي مستشفيات تتسع أكثر من 30 ألف مريض. وتعاني المستشفيات في الضواحي والبلدات الصغيرة أكثر من غيرها من هذه الحال.

يشار إلى أن استخدام الأنظمة الإلكترونية في العلاج والرعاية الطبية عن بعد (التيليميديسين) يتطور ويزداد، ولا بد أن تتطور التقنيات الأمنية على المستوى نفسه، لأن خطر الهاكرز قائم، بحسب رأي ييشكه.