أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في يناير الماضي برنامجاً لنقل المهاجرين وتخييرهم بين مغادرة الدولة العبرية طوعاً أو السجن، ومع اقتراب العد التنازلي ترتفع أصوات بعض المنظمات الحقوقية التي تطالب بعدم ترحيلهم.

خديجة حبيب من دبي: مع اقتراب العد التنازلي، لانتهاء المهلة التي منحتها السلطات الإسرائيلية، للأفارقه المتواجدين على أراضيها لمغادرة الأراضي المحتلة، ترتفع أصوات بعض المنظمات الحقوقية، تطالب حكومة نتانياهو بعدم ترحيل المهاجرين وتعديل أوضاعهم ومنحهم فرصة حياة عوضا عن تلك التي لا يمتلكونها في اوطانهم، وإعادة النظر في الخيارين: "قبول الترحيل الطوعي مع بطاقة سفر ومكافأة لإعادة الدمج في بلادهم أو في بلد ثالث، أو السجن".

لكن يبدو أن ذلك بعيد المنال، بعد أن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد ثمن الحملة المعنية بترحيل اللاجئين على بلد ثالث في اجتماع حكومي مطلع الشهر الجاري قائلا: "المتسللون لهم خيار بسيط"، حسب تعبيره وتابع: "أما أن يتعاونوا معنا ويغادروا البلد طوعا وبكل احترام وتقدير وبشكل إنساني، أو يدفعوننا لاستخدام الوسائل الأخرى المتاحة لدينا".

صفيح ساخن

"تخليا امسقدوم" الذي يعيش منذ أربعة أعوام في تل ابيب يقول: "أعمل في وظيفة متواضعة ليس لها علاقة بتخصصي في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكن هذه الوظيفة تؤمن لي ولذوي في اريتريا حياة كريمة".

يضيف: "ككل المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، نحن نعيش على صفيح ساخن بعد تصريحات الحكومة هنا بترحيلنا لدولة أفريقية منذ ثلاثة شهور، فتارة يقال انهم (سيرحلوننا) لرواندا، وتارة يقولون انهم (سيعيدوننا) لأوطاننا، في كلتا الحالتين تحن نواجه مصيرًا مجهولا. نحن لا نريد الكثير، فقط نريد وطنا آمنا، فلقد رضينا بالقليل".

لكن "نزنت سجديا" المهاجرة غير الشرعية في اسرائيل ترى بأن المسألة أبعد من ذلك، وتقول: "في الوقت الذي ينتفض العالم من أجل صورة طفل سوري ميت، لا يقيم العالم لمأساتنا وزناً لمجرد كوننا سود البشرة، نعم لأننا أفارقه سود البشرة، فكونك أسمر البشرة في قطعة ارض محصورة، فيمكنك ان تكون عامل في مهنة وضيعة، او نادل في مطعم يقدم الوجبات الرخيصة للعمالة لا اكثر، وتقطن في جنوب تل ابيب".

وتتابع: "كنت احلم وأخي الذي فقدته في طريقنا {الى هنا} قبل ست سنوات بان أكمل تعليمي، واكون جزءآ من هذه الدولة المتحضرة، التي كما كانت تقول - تلغي كل الفروقات بين الأفراد ولا تؤمن الا بالمواطن الصالح، لكن كل هذا كان مثل فردوس مفقود، حتي اللحظة انا أعجز عن استخراج أوراق رسمية لي رغم اني اتحدث ثلاث لغات بطلاقة ومنها العبرية، والان مهددة انا كالكثيرين بترك هذا المكان الذي ألفناه.

ولا يزال يتذكر المهاجرين الافارقه زيارة نتانياهو الشهيرة لمنطقة جنوب تل أبيب والتي ظهر امام كاميرات وسائل الإعلام إلى جانب مسنة إسرائيلية قالت إنها لا تغادر شقتها في الليل خوفاً من المهاجرين الأفارقة، وبالعودة لعام ٢٠١٢ فقد ذكرت مصادر عالمية بأن ألف شخص تظاهر ضد المهاجرين في تل أبيب. وكان بين المتحدثين العضو في حزب الليكود اليميني الحاكم ميري ريغيف، التي أصبحت فيما بعد وزيرة في حكومة نتانياهو اليمينية. وقالت ريغيف في التجمع: «المتسللون سرطان في أجسادنا»، بينما كان بعض المشاركين يصرخ: «اخرجوا أيها الأفارقة!».

إعادة إلى الوطن

ولَم تتوقف حملة حكومة نتانياهو عند هذا الحد لكنها تبنت لهجة اخف حيال اللاجئين الأفارقه وكلن ذلك جلياً من خلال تصريحات وزير الداخلية الاسرائيلي في مقابلة مع راديو الجيش تحت عنوان: "نحن لا نطرد، ولكن نقوم بحملة إعادة إلى الوطن".. وان خطة الحكومة الإسرائيلية لنقل طالبي اللجوء هي ليست خطو ترحيل وإنما لإعادتهم لأوطانهم وإعادة جنوب تل ابيب لسكانها، مشيراً الى ان الرئيس أوعز إلى إعداد خطة للإبعاد القسري للذين يرفضون المغادرة.

وبالعودة لقرار نقلهم او ترحيل اللاجئين لبلد ثالث وبحسب تقرير صحفي تم ترجمته من صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية بعنوان "رواندا وأوغندا: لا يوجد اتفاق مع إسرائيل لاستيعاب طالبي لجوء"، اكد بأن الكنيست الإسرائيلي وافق على القانون الذي بموجبه يتم طرد طالبي اللجوء إلى رواندا وإلى دول أخرى دون موافقتهم في مقابل منحة نقدية وتذكرة الطائرة، فيما تنكر وزارتا خارجية رواندا وأوغندا توقيع إسرائيل اتفاق معهما.

ونقلت الصحيفة تصريحات وزير الخارجية الراوندية مع وكالة "أسوشيتد برس" بأن بلادها لم توقع قط مل هذا الاتفاق، فيما أوضح وزير الخارجية الأوغندي أيضًا أن بلاده لم توقع على اتفاقية مماثلة مع إسرائيل.

وعلى الرغم من المزاعم التي تكررها الحكومة الإسرائيلية حيال عدم وجود لاجئين او لجوء لديها كانت "ادي دروري – أفراهام" من منظمة العون للاجئين وطالبي اللجوء في إسرائيل قد صرحت إن المهاجرين الذين يتطابقون مع تعريف الأمم المتحدة للاجئين، يعيشون حياة غريبة ويخضعون لمطالب معقدة ومتناقضة.

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فقد أكدت أفراهام: «أن اللاجئين الأفارقة ليسوا غير قانونيين لأنهم يتوجهون مرة كل شهرين للحصول على تأشيرة من وزارة الداخلية. إنهم هنا يعملون ويسددون الضرائب!».

ووفقا لمفوضية الهجرة واللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أنه وحتى كتابة هذا التقرير، لم يحصل غالبية المهاجرين من أصول أفريقية على صفة لاجئ رسميا {يستثنى من ذلك فقط ثمانية اشخاص من اريتريا وشخصان من السودان}، أي عشرة اشخاص فقط حصلوا على صفة لاجئ. أما بقية المهاجرين فيحصلون على إقامة وقتية تمتد لمدة ثلاثة أشهر فقط يجب تمديدها مجددا. والأشخاص الذين لم يقدموا طلب لجوء سيتم مطالبتهم اثناء تمديد إقامتهم المؤقتة القادمة بقبول بطاقة سفر مجانية ومكافأة مالية بقيمة 3500 دولار أميركي لمغادرة البلاد.

وعلى الرغم من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين التي تقضى وتجبر الدول بعدم ترحيل اللاجئين من الدول التي يلجؤون اليها مثل ارتيريا والسودان (خشية على حياتهم من انظمة بلدان قمعية وديكتاتورية)، يظل خيار ابعادهم من اسرائيل مطروحاً دون إي اعتبار لكل الاتفاقيات الدولية التي تؤكد على ضرورة توفير الحماية للاجئين.

تل أبيب ضد الترحيل

وكان موقع "تايم أوت تل أبيب" الإسرائيلي قد نشر خطاباً يطالب فيه سكان مدينة "تل أبيب" بالتوقيع على الألتماس ضد سجن وطرد عشرات الآلاف من طالبي اللجوء، وقال الخطاب على لسان الأهالي: "نحن سكان تل أبيب، المدينة التي بها حوالي 15 ألف من طالبي اللجوء من الدول الإفريقية {من ضمن 35 ألف يعيشون بإسرائيل}، نطالب بإيقاف طردهم إلى بلاد لا يُضمن أمنهم فيها، ووقف حبس الأبرياء.

وتابع الموقع تحت عنوان: "تل أبيب ضد الترحيل: صمت المدينة التي رأت نفسها إنسانية وليبرالية غير مقبول"، أنه "في أوائل يناير أعلنت الدولة على بدء عملية طرد عشرات الآلاف من طالبي اللجوء إلى رواندا، وفي المرحلة الأولى استدعت طالبي اللجوء المحتجزين في السجن وأبلغتهم بأن عليهم المغادرة إلى رواندا، وإلا سوف يتم حبسهم إلى أجل غير مسمى.

وانتقد الخطاب الأسباب التي تسوغها الحكومة الإسرائيلية وزعيمها حيال ضرورة تهجيره اللاجئين بأن طالبي اللجوء يشكلون خطرًا وجوديًا على المجتمع الإسرائيلي، وان الحالة المحزنة التي وصلت إليه أحياء جنوب تل أبيب هي بسبب هؤلاء".

وفِي سياق متصل اورد موقع "كان داروم أشدود" الإسرائيلي، تصريح عضو الكنيست الإسرائيلي، إيلان جيلون، " تم ترجمته" حول الحكومة الإسرائيلية لطرد الإرتريين والسودانيين إن منزله مفتوح لكل طالب لجزء يواجه خطر الحياة في بلده الأصلي".

وقال الموقع الإسرائيلي، إنه في الأيام الأخيرة تزايد الانتقاد لطرد طالبي اللجوء من إسرائيل، حيث أعرب المثقفون والطيارون عن معارضتهم القوية لخطة حكومتهم ودعوا إلى وقفها، لافتة إلى أن 3 طيارين من شركة الطيران الوطنية الإسرائيلية أعربوا عن أنهم لن يكونوا مستعدين لنقل طالبي اللجوء إلى إفريقيا.

جدير بالذكر بأن الفضل في دعم اقتراح القانون الذي يقضي بطرد وسجن طالبي اللجوء في اسرائيل يعود لرئيس حزب العمل {آفي غباي} الذي سعي لتغيير موقف كتلة المعسكر الصهيوني، الذي كان يعارض القيام بعملية طرد جارفة ويدعوا لتسوية مكانة طالبي اللجوء في اسرائيل، الا انه تم المصادقة على اقتراح القانون نوفمبر 2017، حيث أيد 11 عضواً في الكنيست القرار، مقابل رفض 8 أعضاء.

وبحسب احصاءات رسمية منشورة فأن هناك حوالي 37000 يعيشون في اسرائيل من المتسللين عبر الحدود المصرية منهم 2650 من مواطني ارتريا و 7600 من السودان، وحوالي 2600 من دول اخرى بأفريقيا و600 من انحاء العالم، حيث غادر اسرائيل نحو 3300 من الأفارقة و85% من مواطني إرتريا من المتسللين لإسرائيل.