يتعامل المجتمع مع الرجال في الغالب كممارسي العنف الأسري ضد النساء، إلا أن ظاهرة تعرّض الرجال أنفسهم للعنف الجسدي والنفسي من قبل النساء لم تنل ما تستحقه من دراسات.

إيلاف من برلين: ليس من الخطأ التركيز على عنف الرجال ضد النساء، لأن الإحصائيات تكشف عن فارق عظيم مع عنف النساء ضد الرجال. هذا رغم أن الرجال يميلون إلى الخجل والتكتم عن تعرّضهم للضرب على أيدي زوجاتهم.

الخجل يجعلهم يسكتون
وتكشف دراسة ألمانية نفسية جديدة أن نسبة لا يستهان بها من الرجال تتعرّض لاضطهاد من الزوجات، يشتمل هذا الاضطهاد على سوء المعاملة والعزل والحرمان الجنسي والابتزاز والترهيب والاستغلال الجنسي والإهانات والضرب باليد أو بأشياء حادة ومسببة للأذى.

ذكرت الدكتورة أوته هابل، رئيسة عيادة الأمراض النفسية في مدينة آخن، أن المجتمع عادة لا يتقبل، بل ويسخر، من الرجل الذي يتعرّض للعنف الأسري من قبل المرأة. تضيف إن الرجال يخجلون بالتصريح عن تعرّضهم للاضطهاد من قبل النساء، ولا يذكرون ذلك أمام أطبائهم أيضًا.

تقود هابل حاليًا مشروعًا علميًا ألمانيًا لدراسة ظاهرة العنف الأسري الذي يمارسه الرجال والنساء على حد سواء. وتركز الدراسة على العنف الذي يتعرّض له الرجال، وتدعو إلى مراكز إرشاد نفسي خاصة بالرجال الصامتين عن عنف نسائهم.

4 % من الرجال ضحايا التعنيف
وتكشف الدراسة، التي شملت 500 رجل يمارسون العنف الأسري أو يتعرّضون له، أن 4% منهم يتعرّضون للعنف الجسدي من قبل زوجاتهم، إضافة إلى نسبة 12% قالت إنها تتعرّض لعنف نفسي مماثل.

ستتواصل الدراسة حتى مايو 2019، وتدور في مناطق مدينة آخن وضواحيها المحاذية للمثلث الهولندي البلجيكي الألماني. تلقت الدراسة دعمًا ماليًا قدره مليون ونصف مليون يورو من قبل مفوضية الاتحاد الأوروبي ومن قبل ولاية الراين الشمالي فيستفاليا. 

حرصت الباحثة وفريق عملها على إجراء مقابلات مطولة وتفصيلية مع 100 سجين تعرّضوا للعقوبات الجزائية بسبب ممارستهم العنف الأسري بشدة.

وذكرت هابل أن الهدف من الدراسة هو وضع برنامج وقائي للرجال الذين يتعرّضون للعنف الأسري من قبل النساء. وأضافت إن ألمانيا وضعت ما يكفي من برامج وخطط لردع العنف الذكوري ضد النساء وحماية المضطهدات، إلا أنه لا توجد برامج كثيرة لحماية الرجال.

للطفولة آثارها الممتدة
توصلت الدراسة حتى الآن إلى استنتاج أكيد مفاده أن الرجال من ممارسي العنف ضد النساء كانوا ضحايا العنف الأسري أو غيره بدورهم في مرحلة الطفولة. 

اعترف هؤلاء الرجال بنسبة 44% بأنهم تعرّضوا أنفسهم لعنف شديد مرة واحدة في الأقل في حياتهم. واعترفت نسبة 58% من الرجال في هذه الفئة بأنها من ممارسي العنف ضد النساء.

ظهر من المقابلات مع الرجال الذين تعرّضوا لعنف زوجاتهم، أن نسبة 32% منهم تعرّضوا للعنف الجسدي، مقابل نسبة مماثلة تقريبًا (33 %) تحدثت عن تعرّضها لعنف واضطهاد نفسي.

وقال 5% من الرجال المضطهدين إنهم تعرّضوا للعنف الجنسي من قبل نسائهم. وكانت نسبة الرجل الذي تعرّض للاستغلال الجنسي في موقع العمل عالية، وترتفع إلى 43%.

مرحلة قبل المراهقة الأخطر
تقول الباحثة أوته هابل إن الدراسة توصلت إلى أن مخاطر تحوّل الطفل، الذي يتعرّض للعنف، تزداد كثيرًا، إذا كان عمر الطفل يقلّ عن 12 سنة أثناء تعرّضه للعنف. إذ إن هذا الطفل أكثر عرضة من غيره لممارسة العنف الأسري في مرحلة النضوج.

العامل المهم الآخر الذي كشفته الدراسة هو أن العنف المتبادل بين الأطفال والمراهقين، يلعب دورًا آخر في تحويل المضطهد (بفتح الهاء) إلى مضطهد (بكسر الهاء) في مرحلة الزواج وتربية الأبناء. يزداد احتمال تحوّل المضطهَد إلى مضطهِد إذا ما ترك العنف في مرحلة الطفولة ندوبًا جسدية أو نفسية.

للتحكم بالمشاعر دور
تعلم تربية الطفل على العنف وإخضاعه بالضرب من قبل العائلة، وكذلك شق الطريق بين الأصدقاء بالعنف، وتخلق قناعة كافية لديه بأنه قادر على تحقيق ما يريد مستقبلًا عن طريق العنف أيضًا.

وترى الباحثة الألمانية أن هذا لا يعني أن كل طفل يتعرّض للضرب سيتحوّل أوتوماتيكيًا إلى ممارس عنف في مرحلة النضوج. فالقضية تتعلق بطريقة التحكم بالمشاعر وكيفية التغلب على التوتر الناجم من الموضوع.

الإدمان عامل مساعد
لكن مخاطر الانزلاق في العنف الأسري تزداد في مرحلة نضوج الطفل الذي عاش هذا النوع من العنف، وفي مرحلة الزواج، إذا ما ترافقت مع إدمان الكحول والمخدرات. وهذا ما اعترف به معظم نزلاء السجون الذين شملتهم المقابلات، والذين يخضعون في السجن إلى برامج جسدية ونفسية للتحكم بالعنف الزائد لديهم.

اتضح من الدراسة أن 46% من السجناء من ممارسي العنف الأسري الشديد، كانوا من مدمني المخدرات. وتنخفض هذه النسبة إلى 26% في حالة السجناء المدمنين على الكحول. الأخطر من هذا هو أن 82% من السجناء من ممارسي العنف ضد النساء، ومن مدمني المخدرات والكحول، واصلوا هذه الممارسات بعد مغادرتهم السجن. 

سبب مواصلة الدراسة حتى مايو 2019، بحسب هابل، يعود إلى خطط لشمول كل أنحاء ألمانيا بالدراسة. لكن الاستنتاج الأساسي واضح لأصحاب الدراسة، وهو الحاجة إلى المزيد من برامج وبيوت رعاية الرجال الذين يتعرّضون لعنف النساء.

زيجات الشراكات
وتقول إحصائية "مركز إرشاد الرجال" الألماني إن 4000 رجل اشتكى لدى الشرطة في سنة 2016 من تعرّضه للضرب على يد زوجته. 

يضاف إلى ذلك نحو 6000 رجل يتعرّض للضرب على يد شريكته في الزيجات المسماة "الشراكات". وطبيعي فإن هذا لا يمثل سوى قمة جبل الجليد، لأن الرجال يخجلون من الحديث عن تعرّضهم للضرب من قبل زوجاتهم، ونادرًا ما يسجل الرجال شكاوى من عنف النساء لدى الشرطة.