مع بدء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولايته الرابعة على رأس الكرملين، تكثف السلطات حملتها على المواقع الالكترونية والتطبيقات الرائجة بهدف محاربة الإرهاب ظاهريًا، في وقت يشير محللون إلى أن الدافع الحقيقي هو تكميم أفواه المعارضة. 

إيلاف: يشكل تحرك هذا الأسبوع لحجب تطبيق الرسائل المشفرة "تلغرام" بعد أقل من شهر من الفوز الكاسح الذي حققه بوتين في الانتخابات مرحلة جديدة في الحملة الأمنية التي أطلقت بعد فوزه السابق في 2012.

الخوف محركًا
صُمم تلغرام، الذي يحظى بمئتي مليون مستخدم، من قبل مطوّرين روس للالتفاف على السلطات الروسية، وللمفارقة يعد تطبيق الرسائل النصية المنصة المفضلة لكبار مسؤولي الكرملين. ووضع بوتين وسائل الإعلام، على رأسها القنوات التلفزيونية، تحت سيطرة الدولة تدريجيًا منذ مطلع القرن الحالي. 

ويشير خبراء إلى أن الكرملين يرى في الانترنت التهديد الأول لهيمنته وأحد آخر ملاذات حرية التعبير، خاصة بعدما ساهم في التعبئة لتنظيم تظاهرات حاشدة غير مسبوقة لدى عودة بوتين إلى سدة الرئاسة، بعد ستة أعوام كرئيس للوزراء. 

يرى رئيس تحرير موقع "أجينتورا.رو" المتخصص في شؤون الاستخبارات أندري سولداتوف أن "الكرملين شعر بالخوف، ورد بالهجوم على الحريات عبر الانترنت". 

حجب "لينكد إن"
وفي صيف العام 2012، وضعت روسيا لائحة سوداء للمواقع التي تعرض مواد إباحية خاصة بالأطفال أو تروّج لاستخدام المخدرات، إضافة إلى تلك التي تعتبرها "متطرفة" - وهو مصطلح ضبابي قد يشمل أنشطة المعارضة. وكان الهدف المعلن من التحرك حماية الأطفال من المواد المؤذية عبر الانترنت. 

وبعد عامين، أقر البرلمان سيلًا من القوانين ضد الإرهاب، ينص أحدها على أن على المدونات التي تحظى بأكثر من 3000 مشاهدة في اليوم أن تخضع للقواعد الصارمة نفسها المفروضة على وسائل الإعلام. منذ ذلك الحين، أُلزم مزوّدو خدمات الانترنت قانونيًا بحفظ بيانات المستخدمين الروس في روسيا. أدى ذلك إلى حجب شبكة التواصل المهني "لينكد إن" لعدم امتثالها.

تباعًا، أجبر تشريع جديد أشار إلى تهديدات إرهابية جميع "موزعي المعلومات"، بمن فيهم مدونون، وحتى منصة التواصل الاجتماعي "في كي"، والتي عرفت سابقًا بـ"في كونتاكت" و"ميل.رو" المالكة لها ومجموعة "يانديكس" العملاقة الحفاظ على جميع بيانات المستخدمين لمدة ستة شهور لتزويد السلطات بها عند الطلب. 

بموجب الإجراء الأخير الذي فرض أواخر العام الماضي، بإمكان السلطات منع استخدام خدمات الشبكات الخاصة الافتراضية (في بي أن) التي تسمح للمستخدمين بتجاوز الحجب المفروض من السلطات في روسيا عبر محاكاة اتصال من دولة أخرى.

غير مرغوب فيها!
استخدم هذا الهجوم القانوني بشكل واسع ضد المعارضة، التي تتجاهلها وسائل الإعلام التقليدية، لكنها تنشط عبر الانترنت، فيما طال كذلك المجموعات الحقوقية. 

تم حجب مدونة وموقع المعارض الأبرز للكرملين أليكسي نافالني جزئيًا أو بشكل كامل مرات عدة على خلفية دعواته إلى التظاهر أو قيامه بالكشف عن وجود فساد في أوساط المسؤولين. 

حجبت كذلك المواقع التي استخدمتها منظمة المعارضة التابعة لقطب النفط السابق ميخائيل خودوركوفسكي، الذي يعيش حاليًا في لندن، بعدما تم تصنيفها على أنها "غير مرغوب فيها"، وهو مصطلح جديد للكيانات الأجنبية، استخدم كذلك في وصف مؤسسة الملياردير الأميركي جورج سوروس. 

بث الرعب
في هذا السياق، أوضح المحامي ومدير مركز للحقوق الرقمية في موسكو يدعى سركيس داربنيان أن "الهدف هو إشاعة الخوف وجعل الناس يعتقدون بأن الدولة تسيطر على كل شيء، وبأنه لا يمكنك الاختباء في أي مكان، وبأنه يتم جمع كل البيانات". 

أضاف أن روسيا لا يمكنها بكل بساطة فرض نسخة محلية من "جدار الحماية العظيم" الصيني عبر منع الوصول إلى مواقع الكترونية. وقال إنه "على خلاف الصين، حيث تم تقييد الانترنت من البداية، كانت الانترنت في روسيا لدى انطلاقها حرة للغاية". 

في النهاية، سيتعيّن على الشركات الدولية على غرار "فايسبوك" و"تويتر" وغوغل" و"واتساب" و"تلغرام" الراغبة في الاستمرار بالعمل في روسيا الالتزام بقيود الدولة، وإلا فسيتم حجبها، وفق داربنيان، الذي اعتبر أنها مجرد "مسألة وقت". 

يوتيوب للتحشيد
حظيت تحقيقات نافالني المرتبطة بالفساد بملايين المشاهدات على موقع "يوتيوب" ووسائل التواصل الاجتماعي، وساهمت في العام الماضي بحشد عشرات الآلاف للنزول إلى الشوارع في تظاهرات مناهضة للكرملين. 

قال مدير المنظمة غير الحكومية المعنية بالحقوق عبر الانترنت "روسكومسفوبودا" أرتيوم كوزليوك إن شخصيات المعارضة "عثرت على طرق جديدة للعمل - يتوجّهون إلى الخدمات السحابية ويستخدمون بشكل واسع وسائل التواصل الاجتماعي على غرار فايسبوك وتويتر- ويزودون الناس بمعلومات بشأن كيفية الالتفاف على الحجب". 

لكنه أشار إلى أنه لاحظ عملية رقابة ذاتية "يتبعها ببطء مستخدمو الانترنت"، حيث أدرك العديد أنه "من الأفضل عدم نشر شيء خطير لتجنب لفت انتباه أجهزة الاستخبارات والإدعاء".