لحظات رعب عاشتها كيرستي جيمس، منذ أن كانت في سن الـ 13 حين أخبرها الأطباء بأنها ستصاب بالعمى الكلي! فمنذ أن علمت ذلك الخبر الصادم، وهي تستيقظ كل صباح لتغسل أسنانها وتتساءل هل ستكون هذه آخر مرة ترى فيها أسنانها في المرآة؟ 

وبدأت مخاوفها تتحول إلى كابوس مفزع، لدرجة أنها لم تعد تخشى فقدان بصرها فحسب، بل فقدان عقلها أيضاً من فرط الخوف والقلق المستمرين.

وكشفت كيرستي، 28 عاما، أنها بدأت تستشعر مشكلتها في أول أسبوع بعد عودتها للدراسة عقب أجازة الصيف، حين طلب المدرس منها ومن زملائها نقل جدول الحصص الجديد من على السبورة، وقد أخطأت وقتها أثناء عملية النقل. 

كيرستي وتوم

ومع هذا، لم تكن تعرف كيرستي وقتها أنها تعاني من مشكلة خطيرة، رغم اعترافها بصعوبة التعامل مع السبورة في المدرسة، لكنها كانت تخفي المشكلة ولا تعترف بها مطلقا.

ولفتت كيرستي إلى أنها لم تتحدث عن تدهور قدرتها على الإبصار مع أحد ولم يشتبه أحد في ذلك، إلى أن قابلت والدتها ذات مرة في الشارع دون أن تراها. وحين واجهتها أمها بالأمر، كانت تعتقد أن ابنتها غير مهذبة لتجاهلها رؤية والدتها في الشارع، لكن كيرستي نفت لها أنها رأتها من الأساس، وحينها كانت بداية ناقوس الخطر.

حيث ذهبت بعد تلك الواقعة للعديد من أطباء العيون، والمفاجأة أنهم لم يكتشفوا أي شيء في البداية، وكانت تكتفي كيرستي بالتظاهر بأنها لا ترى شيئاً لأنها كانت تريد نظارة.

وحين حُوِّلَت في الأخير لإحدى المستشفيات، تم تشخيص إصابتها بحالة تنكسية في العين تعرف بمرض ستارغاردت، وحينها أخبرها الأطباء بأنها ستفقد بصرها تماماً. ونقلت هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" عن كيرستي في نفس السياق قولها "ما أتذكره هو شعور بالفراغ. ولم أكن أعرف ما الذي ينتظرني في المستقبل، فالأمر كان مفزعاً ولم أكن أريد تقبله". 

ونوهت البي بي سي إلى أن ذلك المرض يصعب للغاية اكتشافه، وهو ما قد يفسر سر اخفاق الأطباء في اكتشافه في البداية.

وبعد الخروج من المستشفى دون أن يحصلوا على قدر كاف من المعلومات بخصوص المرض أو ما قد يحدث بعد ذلك، بدأت كيرستي وأسرتها في البحث عن المزيد من المعلومات، وشجَّعها والداها بأن تواصل حياتها بشكل طبيعي، لكن ذلك لم يمنع مشاعر الخوف التي كانت تنمو لديها يوما بعد الآخر وعجزها عن التعبير عن نفسها.

وبعد التحاقها بالجامعة ومعرفة قليل من مدرسيها بحالتها، كانت ترفض كيرستي أي دعم إضافي - وهو الشيء الذي تعترف الآن بأنه أثر سلبا على تعليمها – كما كانت تحاول إخفاء مسألة فقدانها لبصرها وعدم إخبار زملائها وأصدقائها بالمسألة برمتها.

وعاودت هنا لتقول "كنت أريد أن أكون طبيعية مثلي مثل أي شخص آخر، وكنت أتصور أن الأمور ستسير بشكل جيد طالما أني لم أخبر أحد بحالتي. كان المكان الوحيد الذي أشعر فيه أن الأمور طبيعية هو الملهى الليلي، فالكل هناك يلهو ويمرح، ولا مجال هناك لأن تكون إعاقتك حاجزا بينك وبين شعورك بالمتعة وقضاء وقت مميز".

وبعد انتقالها للعيش في منزل آخر، بدأت تسوء الأمور بالنسبة لها، خاصة وأنها كانت تعتمد على نفسها بعيدا عن أسرتها، ورغم أن حبيبها توم وأصدقائها المقربين كانوا على علم بمسألة فقدانها لبصرها، لكنها لم تصرح لهم بالأشياء الغريبة التي كانت تراها، وحينها بدأت تعتقد أنها أصيبت بثمة مشكلات فيما يتعلق بصحتها العقلية، ولم تكن تريد أن تتحدث عنها، بل كانت تحرص على تجاهلها وعدم الاكتراث بها.

وبعد فترة من الوقت، فقدت كيرستي جزءا كبيرا من بصرها ولم يعد بوسعها فعل معظم الأشياء التي كانت تفعلها من قبل، وفجأة لم يعد بوسعها مغادرة المنزل وبدأت تشعر بانعزال، وبعدها بدأت تتوتر علاقتها بالمحيطين بها بسبب شعورها بحالة احباط.

ومع الوقت، بدأ يزداد قلقها بخصوص تلك التغييرات الجذرية التي طرأت على بصرها، لكن في المقابل، كان توم إلى جوارها، معلنا عن دعمه ومساندته لها في تلك الأزمة. وفي الأخير، أدركت كيرستي أن عليها أن تتعامل مع تداعيات المرض على حياتها، وبدأت تتناول مضادات اكتئاب، وبدأت تتحدث عن مرضها وبدأت تتقبل المساعدة، لكن دون أن تخبر أحد بالأشياء الغريبة التي تراها أمامها من وقت إلى آخر.

كيرستي وتوم

وبعدها تزوجت كيرستي من توم في يونيو عام 2015، وبعدها توجهت لأحد الأطباء وطلب منها قراءة نص بفونط 12، ورغم تأكيدها أنها لا تقرأ سوى بفونط 20، إلا أنها فاجأت نفسها بقدرتها على قراءة النص بفونط 12 بكل سهولة، وحينها طمأنت نفسها بأن بصرها أفضل كثيرا، لكن المفاجأة الأكبر أنها لم تكن تقرأ النص الذي كان موضوعا أمامها، بل كانت تهلوس وكانت تقرأ ثمة نص مختلف تماما، وحينها سألها الطبيب عما إن كانت سمعت من قبل عن متلازمة تعرف باسم متلازمة شارل بونيه، لترد عليه بالنفي، ليخبرها هو بدورها أن تلك المتلازمة تصيب الأشخاص الذين يفقدون بصرهم ويحث أدمغتهم على استبدال الصور بالهلوسة لأنها تحاول فهم ما تراه.

وحينها استشعرت كيرستي الطمأنينة لتذكرها تلك الأشياء الغريبة التي كانت تراها من وقت لآخر ومطابقتها مع تأكيدات الطبيب وتفسيره لحالتها الخاصة بمتلازمة شارل بونيه، ومن ثم بات بوسعها تطوير استراتيجيات للتعامل مع الهلوسة التي تشاهدها، وهو ما أشعرها بحالة من الارتياح وجعلها راغبة في مساعدة من هم مثلها، خاصة بعد أن عرفت حالتها على وجه التحديد، وهي أنها مصابة بعمى مركزي وأنها لا ترى سوى أجزاء عبر جوانب الرؤية المحيطية لعينيها وأنها ترى أشكال الأشياء دون تفاصيل ودون تحديد بعض الألوان، لذا بدأ يزول منها الشعور بالخوف.

أعدت "إيلاف" المادة نقلا عن هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، الرابط الأصلي أدناه
http://www.bbc.com/news/stories-43306441