كان سيزان فنانًا تحدى أباه الذي أراده محاميًا، وتحدى الصعب متسلحًا بنصائح بيكاسو، فصار هذا الفنان الذي أغضب الكثيرين بالعري في لوحاته، بينما ألهم كثيرين آخرين بالعري نفسه.

إيلاف: من الصعب أن نتخيل أن ثمة من رأى قبحًا في لوحات سيزان في زمن حياته. وعندما وضع تاجر الأعمال الفنية الكبير أمبرواز فولار إحدى "مستحمات" سيزان في مكان بارز من واجهة صالونه، أثار ردود فعل عدائية. حتى الناقد التقدمي شارل موريس أبدى استنكاره، قائلًا: "إن لوحات سيزان تقلق جمهورًا، وتسعد فنانين، كل الجمهور وقلة من الفنانين". ولاحظ معلق محافظ أن سيزان لم يتمكن يومًا من إنتاج ما يسميها "صورة". 

ولد بول سيزان في عام 1839 في إيكس أون بروفونس في جنوب فرنسا. وقال فولار عن والدة الفنان إنها رومانسية، لكن حساسة للغاية، وهذه صفة ورثها سيزان لاحقًا. كان والده محاميًا ومصرفيًا ناجحًا شجع ابنه على السير في طريقه، فوافق سيزان على مضض، ودرس في كلية القانون في جامعة إيكس ثلاث سنوات، وكان يحضر في الوقت نفسه دروسًا مسائية في الرسم. 

من المخيلة
حين قرر سيزان أن القانون ليس مهنة له، غادر إلى باريس في عام 1861. تسبب رفض سيزان رغبات والده في تأزم العلاقة بينهما. لكن الأب سلَّم في النهاية بقرار ابنه، وأصبح سيزان يعتمد عليه ماليًا سنوات عديدة. 

سيزان فنان تعلم الرسم بنفسه، بعما رفضته كلية الفنون الجميلة مرتين. واصل الدراسة بصورة مستقلة، وعمل جاهدًا لعرض لوحاته في صالون باريس الشهير، لكن أعماله كانت تُرفض في كل مرة.

في هذه الأثناء، شجّعه صديقه بيكاسو على تجريب ألوان أكثر إشراقًا وحيوية وضربات أكثر شفافية بالفرشاة. وهكذا، تمكن سيزان من تطوير فنه مستخدمًا ضربات استكشافية بفرشاته. كما بدأ العمل على سلسلة كبيرة من اللوحات العارية، نساء ورجال، منفردون أو جماعات. 

وتأثر في العديد من هذه الأعمال بتيشيان وبوسان. وكان سيزان يرسم هذه اللوحات في الغالب من الذاكرة مستخدمًا مخيلته الفنية بدلًا من الملاحظة الفعلية، وبينها لوحات المستحمات والمستحمين الثلاث الرائعة. 

أبونا جميعًا 
في لوحة المستحمات الكبيرة، أراد سيزان تحدي الفارق بين الجنسين والأسلوب الفني على السواء لتكون عملًا فنيًا بلا زمن. ومن المؤكد أنها أصبحت مصدر إلهام، خصوصًا لبيكاسو وتكعيبيين آخرين. وعلق هنري ماتيس: "منحتني الشجاعة، واستمديتُ منها ثقتي وإصراري". واتفق ماتيس وبيكاسو على أن سيزان "أبونا نحن جميعًا".

أمضى سيزان العقد الأخير من حياته وحيدًا معظم الأحيان في مشغله في إيكس منعزلًا عن أصدقائه وعائلته بسبب مرض السكري ونوبات الكآبة الشديدة التي كانت تنتابه. 

في عام 1906، هبّت عاصفة هوجاء حين كان يعمل في الحقل. لكنه، بعناده المعهود، بقي يعمل ساعتين أُخريين تحت مطر غزير قبل أن يقرر العودة إلى البيت. 

وفي اليوم التالي، طلبت السيدة التي كان يرسمها المعونة، لأنه بدا معتلًا، فنُقل إلى فراشه، ولم يبارحه حتى النهاية؛ إذ أُصيب سيزان بذات الرئة، وتوفي بعد أيام عن 67 عامًا. لم يتمتع سيزان عمليًا ولا حتى بيوم واحد من الاعتراف الحقيقي بعبقريته الفنية، مثله مثل عدد من أكبر الفنانين الآخرين. 


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "دايلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط:
https://www.telegraph.co.uk/art/what-to-see/large-bathers-cezannes-genre-defying-classic-appalled-inspired/