اتهمت منظمة حقوقية دولية السلطات العراقية باخفاء أدلة عن "جرائم حرب" محتملة خلال معركة تحرير مدينة الموصل وقالت إن فرقة عسكرية عراقية دربتها القوات الأميركية قامت بتعذيب عناصر لداعش ثم إعدامهم وطالبت العبادي بأعلان نتائج تحقيق وعد به في هذه الانتهاكات. 

إيلاف من لندن: قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية في تقرير لها اليوم تابعته "إيلاف" إن الحادث الذي وقع في 29 مارس 2018، والذي قام فيه موظفون حكوميون عراقيون بنقل رفات حوالي 80 جثة من منزل مدمر، يثير شكوكا بالتغطية على عمليات قتل لمن يشتبه في احتمال انتمائهم إلى تنظيم داعش حيث شاهدت المنظمة المشهد وبعد أيام أُحرق المنزل.

وقالت السلطات العراقية في الموقع إنها رفات تعود لأشخاص مشتبه بانتمائهم إلى داعش فيما قال مسؤولون في وزارتي الصحة والداخلية في الموقع إنه يُمنع عليهم مشاركة معلومات حول وجهة الجثث النهائية فيما لم يكن هناك أي مؤشر على أي إجراء تحقيق في تلك الوفيات.

وعود بتحقيق بلا نتائج

وقالت لما فقيه نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش "بالنظر للانتهاكات الخطيرة التي جرت في الأسابيع الأخيرة من المعركة ضد داعش في مدينة الموصل القديمة كان ينبغي الحفاظ على الموقع والرفات كأدلة محتملة للمحققين الشرعيين. وعد رئيس الوزراء حيدر العبادي بالتحقيق في جرائم الحرب المحتملة هذه، ولكن مع مرور عام تقريبا دون نتائج ملموسة "فإن تصرفات مسؤوليه في الموقع أبلغ من كلماته".

وقد استعادت القوات العراقية مدينة الموصل القديمة من داعش في يوليو 2017 وقالت "هيومن رايتس ووتش" أنها وثقت قيام القوات العراقية باعتقال المشتبه بانتمائهم إلى داعش وتعذيبهم ثم اعدامهم في نفس الشهر قرب ذالك الموقع. وأوضحت ان بعض هذه القوات كانت من فرقة من الجيش العراقي دربتها السلطات الأميركية وخلال الفترة نفسها، نُشرت 4 فيديوهات على فيسبوك زُعم تصويرها غرب الموصل تُظهر جنودا وعناصر شرطة اتحادية عراقيين يضربون المعتقلين ويقتلونهم دون محاكمات.

وأضافت المنظمة انه في سبتمبر الماضي أعلن مكتب رئيس الوزراء العبادي إنشاء لجنة خاصة للتحقيق في الانتهاكات وقال إن الجنود المدانين بارتكاب انتهاكات في سياق المعركة ضد داعش يخضعون للمساءلة لكن رغم محاولات الاستفسار المتعددة، لم تتمكن من الحصول على معلومات حول نتائج التحقيقات ولم تجد أي دليل على محاسبة أي ضابط تجاه الانتهاكات في عملية الموصل.

تعذيب وإعدام في المدينة القديمة

وأوضحت ان باحثيها زاروا المنزل المتضرر في 29 مارس، بعد تنبيههم من قبل عامل طبي في المنطقة إليه فوجدوا حجرة مليئة برفات بشرية حيث كان المسؤولون في البلدية، إلى جانب مسؤولي وزارتي الصحة والداخلية، في الموقع فقال 3 أشخاص، ممن تحدثوا اليها في يوليو 2017 عن رؤيتهم لحالات تعذيب وإعدام في المدينة القديمة، بعد ما حدث في 29 مارس وإن هذا المنزل قريب جداً من مكان رؤيتهم للقوات العراقية تعتقل المشتبه بانتمائهم لداعش وتحتجزهم.

وقدر مسؤولو وزارة الصحة الذين وضعوا الرفات في أكياس الجثث أنه كان هناك ما بين 80 إلى 100 جثة في الغرفة. وقد تم توظيف مقاول من قبل بلدية الموصل ووزارة الصحة لإزالة الأنقاض والجثث من الحي حيث قال أن الوزارة أزالت رفات 40 جثة، يبدو أنها تعود لرجال من الغرفة، يوم 28 مارس، وقدّر إزالتهم 40 جثة أخرى يوم 29 مارس.

جثث متحللة

وأشارت المنظمة إلى أنّ الجثث كانت متكدسة ومتحللة بشكل سيئ مما منع الباحثين من معرفة سبب الوفاة من دون معاينة الموقع ولكن تبدو إحداها على الأقل مقيّدة الأرجل ولم تكن هناك علامات مقذوفات على الجدران أو بقع دم، مما يشير إلى أن الجثث وضعت هناك بعد وفاتها. لم يكن هناك ما يشير إلى قيام السلطات العراقية بالتعامل مع الموقع كموقع جريمة. لم يكن هناك عناصر شرطة أو محققون ولم يبدو أن العمال الذين كانوا يزيلون الجثث يجمعون الأدلة .. وكان مسؤولو وزارة الصحة يسحبون الرفات ويضعونها في أكياس جثث ويطلبون من موظفي البلدية نقلها.

لا رد من مكتب العبادي

وأضافت "هيومن رايتس ووتش" أنها كتبت إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في مكتب رئيس الوزراء في 17 أبريل تسأل عما إذا كانت هناك جهود لتحديد هوية القتلى وسبب الوفاة، وما إذا كان قد تم فتح تحقيق، وما هي وجهة الجثث النهائية. لم نتلقَ أي رد.

وقالت إنها عندما سألت مسؤولاً من وزارة الصحة في الموقع عن مكان نقل الجثث وماذا سيفعلون بها، رد المسؤول بحدة قائلا إن السلطات منعته من الإفصاح عن هذه المعلومات. واتصل الباحثون بمهندس في بلدية الموصل وطرحوا عليه نفس السؤال فأجاب إن ضباط المخابرات أبلغوه وموظفين آخرين بعدم الإفصاح عن تلك المعلومات. قال مسؤولون في الموقع لهيومن رايتس ووتش إنهم لا يستطيعون تصوير الجثث.

واوضحت المنظمة انه في 4 أبريل، عاد باحثوها إلى الموقع ليكتشفوا إزالة الجثث المتبقية وإحراق الغرفة بلا أي أثر للجثث. لا أحد ممن سألناه يعرف من أحرق الموقع ثم ابلغها خبير دولي في الطب الشرعي إنه شاهد في بعض الدول عمليات حرق تُستخدم لتخليص المناطق من الجثث التي تحمل أمراض، خاصة إذا كان الناس يعيشون في مكان قريب، أو كتطهير رمزي لموقع ما لكنه لم يعرف أي سابقة في العراق. 

أهمال وليس انتهاكا منهجيا

وبينت المنظمة انه في 17 أغسطس 2017 في أعقاب تقارير لها عن انتهاكات في معركة الموصل، اصدر مكتب رئيس الوزراء بيانا مفاده أنه أنشأ لجنة للتحقيق في أكثر من 20 ادعاء بحدوث انتهاكات خلال عملية الموصل ذكر البيان أنه أُلقي القبض على عدد من الضباط وهم قيد المحاكمة. 

وأشارت إلى أنّه في 17 سبتمبر، قال حيدر العبادي أن التحقيقات الأولية خلصت إلى أن الانتهاكات كانت فردية، وغير "منهجية". وابلغ وكالة الاسوشيتدبريس الأميركية للاخبار إنه تم محاسبة الجنود المدانين وأنه "في الوقت الحالي، نحن نصغي لجميع التقارير وجميع الادعاءات. لا يوجد هناك ما يشير إلى أن هذا انتهاك منهجي لحقوق الإنسان". أضاف أن الضباط المتورطين في القضية كانوا متهمين "بالإهمال"، ما لم يثبت أنهم أصدروا أوامر بارتكاب انتهاكات.

ولم تنشر السلطات العراقية أي معلومات تتعلق بالإجراءات القضائية ضد أي جندي أو ضابط بخلاف البيانات العامة التي قالت بأن التحقيقات جارية والقوات قيد المساءلة. 

خلاف الباحثين مع القضاء

وفي 4 أبريل، أبلغ الباحثون رئيس محكمة الاستئناف في نينوى عن الجثث، لكنه أصر على أن الرجال قُتلوا خلال المعارك، ولم يقلقه اكتشاف أنها جثث لأشخاص يشتبه في انتمائهم إلى داعش، حتى مع عددها الكبير وقال إنه عندما يتم العثور على جثث أعضاء يشتبه في انتمائهم إلى داعش، تصدر المحكمة شهادة وفاة من دون التحقيق في أسبابها.

دعوة العبادي لاعلان نتائج التحقيق

وطالبت "هيومن رايتس ووتش" رئيس الوزراء العبادي أن يعلن نتائج التحقيقات التي أجرتها حكومته في الانتهاكات أثناء العمليات العسكرية ضد داعش، بما فيها الموصل، وتفاصيل حالات محددة .. ودعته الى أن يأمر مسؤولي البلدية في الموصل بالإعلان عن مكان الجثث التي شوهدت في 29 مارس والسماح لخبراء الطب الشرعي بفحصها.

وشددت على ضرورة قيام العبادي بأصدار اوامره بوقف إزالة الجثث من أماكن أخرى من المدينة القديمة إلى أن يتم إجراء فحوص جنائية في الحالات التي يبدو فيها أن هناك جريمة ارتكبت، وعليه أن يعد بإصدار نتائج هذه التحقيقات علنا.

وفي الختام قالت فقيه نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش "إذا أراد العبادي أن يؤكد حدوث تغيير في ثقافة الإفلات من العقاب للقوات التي ترتكب أفظع الإساءات فأن عليه اتخاذ خطوات ملموسة لحماية الأدلة المحتملة حول جرائم حرب وإحضار خبراء الطب الشرعي للتحقيق قبل فوات الأوان بشفافية وعلى الملاْ". 

يشار إلى أنّ "هيومن رايتس ووتش" هي منظمة دولية غير حكومية معنية بالدفاع عن حقوق الانسان والدعوة لها ومقرها مدينة نيويورك الأميركية وتأسست عام 1978 للتحقيق من ان الاتحاد السوفيتي يحترم اتفاقات هلسنكي لحقوق الانسان .. وقد تم دمج منظمات أخرى لمراقبة حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم فنتج عن ذلك تأسيس هذه المنظمة.