افتتح أول متحف مخصص للفن الفلسطيني في أميركا الشمالية والجنوبية. وهذا حدث كبير بالنسبة إلى الفلسطينيين، لأنه نافذتهم على عالم آخر، ثقافي وجيوبوليتيكي.

إيلاف: فيصل صالح فخور بتراثه الفلسطيني. لكنّ الجانب البوهيمي فيه لم يظهر إلا أخيرًا. وهو ولد في البيرة في الضفة الغربية، وجاء إلى أميركا طالبًا ثانويًا في عام 1969. درس في كلية أوبرلين، وحصل على شهادة الدراسات العليا في إدارة الأعمال من جامعة كونيتيكت، وساعد في النهاية على إنشاء شركة صغيرة للموارد البشرية مقرها واشنطن.

لكن، منذ يونيو الماضي، وجد صالح نفسه يختلط بفنانين عالميين، يحاولون عرض أعمالهم في متحف فلسطين الجديد في الولايات المتحدة. وهذا معرض مساحته 4000 قدم مربع في الطبقة الأرضية من مبنى المكتب الذي يمتلكه في ليتشفيلد تورنبايك في وودبريدج. 

يقول صالح: "عندما فتح المتحف أبوابه في 22 أبريل، كان أول متحف مخصص للفن الفلسطيني في أميركا الشمالية والجنوبية. وهذا حدث كبير بالنسبة إلى الفلسطينيين. نريد أن ندعو الناس إلى القدوم والإطلاع على الفن والتعبير الفلسطينيين، ونحن ننشئ مساحة، حيث نعرضهما بشكل مرئي وبارز".

هذا حلم
يموّل صالح المتحف بنفسه، لكنه يأمل في أن يجتذب في نهاية المطاف ما يكفي من الداعمين الماليين لنقل المعرض من محيط الضواحي والطريق السريع إلى قلب المدينة الرئيسة. سيفتح المتحف في أيام الأحد من الواحدة حتى الخامسة مساءً.

فيصل صالح مرتاح أكثر في وجود الفن والفنانين

ستعرض في الافتتاح أعمال 20 فنانًا، معظمهم من الضفة الغربية وغزة، وهم لا يزالون يعيشون هناك أو يعملون بصفتهم مغتربين.
الجدير بالذكر أن الوسائط المستخدمة للأعمال الفنية المعروضة تشمل اللوحات والمنسوجات وقطع التركيب والتصوير الفوتوغرافي. والموضوع الموحد والتأهيلي للعمل الفني هو أنه من إنجاز الفنانين الفلسطينيين أو يمثل الحياة الفلسطينية. 

"هذا حلم" وفقًا للفنانة منال ديب التي تظهر أعمالها ذات الوسائط المختلطة في المعرض. تضم أعمالها صورًا ولوحات الخط العربي. عرضت أعمالها أيضًا في مركز الزوار التابع للأمم المتحدة في نيويورك في 2012 - 2013. ولدت ديب في رام الله وانتقلت إلى أميركا في سن المراهقة في عام 1986. وفي مكالمة هاتفية، قالت إن المتحف الفلسطيني الجديد سيوفر لها وللفنانين الفلسطينيين الآخرين منفذًا إلى العالم.

علّقت قائلة: "بصفتنا فلسطينيين، كلنا نتشارك البحث الجوهري عن الهوية، وهذه طريقة لنا جميعًا لنحافظ على هذه الهوية".

ليس سياسيًا أو دينيًا
قال صالح إن جدول أعمال المتحف ليس سياسيًا أو دينيًا، لكنّ عددًا صغيرًا من الفنانين تجنب الصراعات التاريخية والمستمرة بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل. فآثار الحرب على النساء والأطفال موضوع لفن ديب، وكذلك بالنسبة إلى الفنانة رنا بشارة (47 عامًا) التي ولدت في عام 1971 في قرية ترشيحا في الجليل الأعلى، حيث لا تزال تعيش بشكل جزئي.

تتميز لوحاتها في المتحف بملخصات تستكشف ذكريات الطفولة عندما تنمو وسط المظاهرات السياسية المتناقضة مع جمال العالم الطبيعي. لذا، فإن الكثير من أعمالها يحتوي على قطع حقيقية من الصبار، وهو رمز للقرى المهدّمة، حيث لا يبقى شيء سوى النباتات الشائكة.

في حديث لبشارة عبر الهاتف خلال الزيارة الأخيرة إلى سافانا في ولاية جورجيا، حيث حصلت على شهادة الماجستير في الفنون الجميلة في كلية سافانا للفنون في عام 2003، أشارت قائلة: "بالنسبة إليّ، الصبار يعني التحلي بالصبر. أحد أعمالي المشهورة يحتوي على قطع من الصبار المخلل، المعبأة بإحكام في إناء، وهذا يصوّر الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل تحت ضغط القوانين التي تعاملنا كمواطنين من الدرجة الثانية أو أسوأ".

المعرض الأول في المتحف الفلسطيني بالولايات المتحدة

مع كل تصريح عن المقاومة السياسية، هناك صور تستحضر ببساطة التجربة الإنسانية. في لوحة داخلية غامضة تتمتّع بأسلوب ما بعد الانطباعية للفنان عايد عرفة، وهو رسام من مخيم الدهيشة للاجئين، بالقرب من بيت لحم، تنظر قطة بشكل مؤلم من لفة ورق الحمام المبعثرة. 

بينما تقوم مجموعة من الصور الملونة بجرأة، والتي أنجزتها الرسامة الأصغر سنًا في المعرض، ملك مطر (18 عامًا) تقوم بالتذكير بالبدائية الأسلوبية للحداثة الفائقة. بدأت مطر الغزاوية بالرسم بشكل علاجي عندما كانت في الـ 13 من عمرها، وسط القصف خلال الصراع العسكري مع إسرائيل، الذي استمر 51 يومًا في عام 2014. وعلى الرغم من هرج فنّها، فإنّ قصة حياة مطر تنقل زوار المعرض إلى الاضطراب الذي يمكن أن تواجهه وغيرها من الفنانين الفلسطينيين، وهذا بدوره يؤثّر في فنّهم.

صنع في فلسطين
في هذا السياق، قال جيمس هريثاس، مدير متحف ستيشن للفن المعاصر في هيوستن: "في كثير من الأحيان، عندما يكون الفنانون تحت هذا النوع من الضغط الحربي، فإنهم ينتجون بعض أفضل أعمالهم".

في عام 2003، استضاف معرض تكساس "صنع في فلسطين"، وربما كان أول معرض للفن الفلسطيني في الولايات المتحدة. ثم قام المعرض بجولة على الصعيد الوطني، وكان " الأكثر شعبية على الإطلاق".

من بين الفنانين الـ23 في معرض هيوستن، كانت ابنة القدس، سامية حلبي، التي عرضت أعمالها أيضًا في متحف وودبريدج. 
تعيش حلبي الآن في نيويورك، وهي في الـ 81 من العمر، وتعتبر من عظماء عالم الفن الفلسطيني. في كتابها الصادر في عام 2001 بعنوان "فن التحرير الفلسطيني: فن الرسم والنحت الفلسطيني في النصف الثاني من القرن العشرين"، تتبعت جذور الفن الفلسطيني الحديث وربطتها بالتعبير التجريدي الأميركي والنشاط الاجتماعي لرسّامي الجداريات المكسيكية في أوائل القرن العشرين. 

ولفتت إلى أن الأعمال الثورية القوية لدييغو ريفيرا، وديفيد ألفارو سيكييروس، وكذلك بيكاسو والـرسامين التكعيبيين- الذين جسّدت أفكارهم التجريدية الأنماط الهندسية للفن الإسلامي الكلاسيكي – قد زرعت بذور إلهام للفنانين الفلسطينيين في السبعينيات والثمانينيات.

لوحة من المعرض

أشارت حلبي إلى أنّها كانت فترة الذروة للفنانين الفلسطينيين، وكان من أهمّ الأمور بالنسبة إليهم أن يفهم شعبهم هذه الأعمال التي ينجزونها. "اليوم، هناك فنانون فلسطينيون مهتمون بتفسير القضية الفلسطينية للعالم الخارجي والجمهور الغربي، وهذا هو السبب في أهمية هذا المتحف الجديد".

بناء جسور وحوار
تدرك حلبي وصالح بأي سرعة قد تصبح هذه الرسالة مثيرة للجدل. عندما انتقل معرض "صنع في فلسطين" إلى نيويورك في عام 2005، قام اثنان من المشرّعين في الولاية وعضو واحد على الأقل في اللجنة التشريعية بالاعتراض على العرض، معتبرين أنه يؤيد الإرهاب.

حتى الآن، لم يواجه المتحف أي رد فعل عكسي من المجتمع المحلي، بحسب صالح. في الواقع، يتمتع بعلاقات جيدة مع أحد جيرانه غير الربحيين، وهو Jewish Federation of Greater New Haven. عندما احتاج المركز المجتمعي اليهودي التابع للمنظمة منزلًا موقتًا في العام الماضي بعد نشوب حريق، قام صالح بتأجيرهم مساحة في مبناه وودبريدج.

في رسالة إلكترونية، أعربت المنظمة عن تقديرها لدعم صالح للمركز المجتمعي، وأكدت الرئيسة التنفيذية للاتحاد اليهودي، جودي ألبرين، أنها تأمل في أن تكون هناك فرص لبناء الجسور والحوار بمجرد افتتاح المتحف.

من جانبها، قالت حلبي إن فنها ليس متأثّرًا بأي أجندة سياسية محددة، بقدر ما هو متأثر بولعها في التكعيبية والفن الإسلامي في العصور الوسطى والبنائية السوفياتية. لكنّها في الوقت نفسه، لا تتراجع عن هويتها.

قالت: "لن أسمح لك مطلقًا بنسيان أنني فلسطينية. فإذا نظرت إلى فنّي، فأنا أقول إنني فلسطينية، سواء أعجبك أم لا، هذا ما أفعله، وأنا أفعله بشكل جيد جدًا".


أعدّت إيلاف هذا التقرير نقلًا عن "نيويورك تايمز". المادة الأصلية منشورة على الرابط الآتي:
https://www.nytimes.com/2018/04/19/nyregion/in-suburban-connecticut-the-palestinian-avant-garde.html