رغم وفاته منذ أيام في بودابست حيث استقر، إلا أن اسم بسام غراوي الملقب بملك الشوكولاته تجاوز حدود الفرد إلى مؤسسة عريقة وذائعة الصيت إقليميًا نالت جوائز واكتسبت شهرة أوصلتها إلى ملوك ورؤساء أجانب. 

إيلاف: قبل أن يرتبط اسم دمشق بدكتاتورية الأسد، الأب والابن، كانت معروفة بوردها وتفاحها المعطر الذي يُزرع في الزبداني، ويُباع في سلال مصنوعة من الورق خلال الموسم. وقبل أن تصبح حلب خرائب، كانت مشهورة بفستقها. وقبل ان تصبح الغوطة مكان رعب وغازات سامة، كانت رديفًا لبساتين الخوخ والمشمش والكمثرى واللوز وتزوّد دمشق بالحلاوة.

اخترق القصور الرئاسية
من هذا الخوخ والمشمش كان عمّال بسام غراوي يصنعون فواكه محلاة تشبه المجوهرات، حتى إنها كانت تباع في علب فضية.

كانت الفواكه الكبيرة تُحشى بالفستق الحلبي، وتُغمس في الشوكولاته الداكنة. وكان لوز الغوطة يُطحن ويُمزج مع الشوكولاته لإنتاج "القاناش" أو نكهة ماء الزهر لصنع المرزبانية. وكانت هذه الحلوى، لا سيما الشوكولاته، كثيرًا ما تعتبر الأفضل في العالم.

وكان بسام الغراوي، الذي توفي في بودابست يوم 1 مايو الفائت عن 63 عامًا، يصدّرها إلى قصر بكنغهام، لتتذوقها الملكة إليزابيث وإلى الإليزيه ليتمتع بها الرئيس جاك شيراك.

ضيف معارض عالمية
كانت شهادات الغراوي التقديرية تزيّن كل جدران محله الرئيس في وسط دمشق، إلى جانب عشرة محال أخرى. وكانت شابات ترتسم الابتسامة على وجوههن يضعن عيّنات من الحلوى بملاقط فضية في ورق برتقالي هو العلامة التجارية المميزة للشركة.

لم يكن غراوي يُشاهد كثيرًا في المحل، لأنه كان رجل أعمال واسع الاهتمامات، وشخصية مرموقة بين تجار دمشق. وكان الأقرب إلى نمط حياته أن يحضر صالون الشوكولاته في باريس، حيث فاز منتوجه بجائزة شرف خاصة في عام 2005، أو معرض أزياء الشوكولاته في موسكو، حيث كانت العارضات يطلَّن بفساتين مرصعة بالشوكولاته.

لكنه كان يستقبل الزوار بحفاوة حين يأتون إلى مصنعه في الغوطة الذي يزهو بالآلات الحديثة. وكانت سويسرا وبلجيكا تحسدان سوريا على ما لديها من وفرة. فباستثناء الكاكاو، كان كل شيء يستخدمه غراوي من إنتاج محلي. كان عامله المفضّل بلال، الذي وبعد 60 سنة، كان لا يزال مستمرًا في فتح حبات الجوز المقطوفة من البساتين المجاورة.

تأميمات لم تنهه
بدأ الغراوي حياته المهنية مهندسًا، وكان أن اتجه إلى إنتاج الحلوى من باب الوفاء لوالده صادق، الذي عاد من باريس في عام 1931، ومعه عيّنات من الشوكولاته لتجريبها مع المستهلك السوري الصعب. وإلى دمشق استُقدم خبير فرنسي بالشوكولاته، بقي 12 عامًا يدرّب العمّال السوريين في معمل غراوي.

في عام 1961 وخلال الوحدة مع مصر، قرر عبد الناصر تأميم المصانع والشركات التجارية، وكان من بينها معمل والد غراوي. وكرر نظام البعث في عام 1965 تأميمات عبد الناصر. ولعشرات السنين أُحيلت شركة بسام غراوي متجرًا صغيرًا في دمشق.

لم تزدهر أعمال بسام غراوي من جديد إلا في عام 1996، حين بدأت سوريا تنفتح مجددًا على العالم. وبحلول عام 2010 كان 60 في المئة من الإنتاج يُصدَّر إلى الخارج. ثم جاءت الحرب في عام 2011. 

القرار الصعب
لم تكن السياسة من مجالات اهتمام الغراوي، وكان موقفه المعلن هو أن تخرج سوريا من محنتها وتتعافى في أسرع وقت. دُمّر المصنع، وتعطلت التجارة، لكن المتجر الرئيس استمر في العمل بصعوبة، لا يبيع الشوكولاته إلا نقدًا. وخلال رحلة إلى باريس في عام 2012، قرر بسام غراوي وزوجته ألا يعودا إلى سوريا. 

لم يكن فراق سوريا سهلًا، وكان غراوي يعزّي نفسه بالأمل في إنقاذ المعمل واسم الشركة. وفي عام 2015 قرر أن يستقر في المجر، التي زارها للإطلاع على منظومات تبريد لمحطات كهربائية. افنتقلت العائلة إلى بودابست، وسرعان ما فتحت محلًا بجوار دار الأوبرا. وخطط غراوي لبناء مصنع كبير يشتغل فيه 540 عاملًا.

أراد بسام غراوي أن يبني أمبراطورية شوكولاته جديدة في المجر. وكان يحلم بمنافذ في سائر أنحاء أوروبا الغربية وفي آسيا، قبل أن توافيه المنية، ويُدفن في بلاد الغربة.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "إيكونومست". الأصل منشور على الرابط أدناه
https://www.economist.com/news/obituary/21741951-syrias-premier-chocolate-maker-was-63-bassam-ghraoui-died-may-1st?frsc=dg%7Ce