الرباط: يعتقد أكثر من 50 في المائة من عينة المغاربة التي أجابت عن سؤال استطلاع" إيلاف المغرب " بخصوص حظوظ بلادهم في الحصول على شرف احتضان فعاليات كاس العالم لكرة القدم عام 2026؛ أن المغرب لم يخطئ في الحساب حين قرر خوض تجربة التنافس في وجه أقوياء.

واستمر تشبث المغاربة ، حسب مؤشرات الاستطلاع، بحقهم حتى بعد أن ألقت الولايات المتحدةً بكامل ثقلها وعلى لسان رئيسها دونالد ترامب في منافسة شرسة لم تمنعها من اللجوء إلى أساليب الضغط والتهديد ضد الدول التي لوحت أو أعربت عن الرغبة في التجاوب مع طموح المغرب، بما فيها دول سبق أن قررت وأعلنت عن موقفها في نفس الاتجاه مثل دولة جنوب إفريقيا التي تراجعت عن تأييد المغرب، على إثر تداعيات وضغوطات الموقف الأميركي الذي فاجأ بنزعة استحواذه ،الأوساط الرياضية الدولية .

والواضح أن نتيجة "استطلاع إيلاف المغرب"، رغم رمزيتها ومحدوديتها ، تعكس إلى حد كبير، وجهات نظر فئات واسعة من المغاربة حيال بعض السياسات والقرارات التي تتخذها بلادهم ، خاصة حينما ترتبط السياسات بالجانب الوجداني والعاطفي في حياة المغاربة ؛ذلك ما يتجلى دائما في المناسبات والمعارك الرياضية وتحديدا كرة القدم : فأي انتصار أو إنجاز إيجابي يطول انتظاره ، يفجر فرحا عارما مكبوتا لدى قطاعات عريضة من الشعب المغربي ، لا تقتصر المشاركة في إظهار الفرح والحماس العارم، على العارفين بتقنيات لعبة كرة القدم، بل إنه يمس شرائح نائية في البلدات والأرياف المغربية على امتداد التراب الوطني ؛على اعتبار أن كرة القدم باتت رياضة شعبية في اغلب بلدان العالم ، لدرجة أن منتقدين يعتبرونها "آفة "أصابت البلدان المتخلفة كونها خلقت عند الشباب أوهاما وأحلاما عسيرة المنال، مثلما أنها تؤثر سلبا على المسار الدراسي لعدد من التلاميذ من يساورهم حلم الأبطال النجوم ؛ ما يتسبب في أزمات داخل المئات من الأسر المغربية .

وكان المغرب قد خاض تجربة سابقة مريرة لانتزاع الحق في تنظيم كاس العالم، ضد دولة جنوب إفريقيا ، حيث تطورت المنافسة بين الدولتين إلى ما يشبه المواجهة السياسية وتبادل الاتهامات الثقيلة ، جراء الخلاف الذي كان قائما بينهما على خلفية نزاع الصحراء ، إذ لا تخفي دولة" نيلسون مانديلا" دعمها لجبهة البوليساريو الساعية إلى انفصال الأقاليم الصحراوية الجنوبية عن المغرب.

ويوجد سبب آخر يفسر تعلق عدد كبير من المغاربة بحلم كأس العالم ، يتمثل في الأسلوب الحضاري الذي اختارته بلادهم للترويج والإقناع. 

حملة المغاربة ،يصفها كثير من المحللين الرياضيين بكونها نظيفة وهادفة . لم تنجر وراء الأحلام الكاذبة مثلما لم تطمئن إلى وعود المجاملة التي التزم بها البعض ؛ وبالتالي فإن الحملة حافظت على حيويتها دون الاستسلام لليأس أو السقوط في ردود أفعال انفعالية ودون النزول إلى مستوى متدني من المهاترات مع الدول التي رفضت صراحة تأييد الرباط في مسعاها الرياضي.

في هذا السياق ،سجل محللون مختصون أن المغرب قاد حملة رياضية متوازنة ، وظف فيها بعض ما يتوفر عليه من صداقات إنسانية وعلاقات سياسية واقتصادية وثقافية ، دون إغفال عامل مهم يتجلى في التناغم والانسجام الحاصل بين قطبي حملة "الترويج والإقناع" أي وزير التجارة مولاي حفيظ العلمي وهو منسق الحملة ، وفوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم .

في هذا الصدد ، لم تتسرب إلى الصحافة خلافات بين المشرفين الرئيسين حيث يراقب الرأي العام الشعبي والكروي ، فصول العلاقة بين الطرفين وأطوار الحملة الجارية ، معربا ( الرأي العام) عن الثقة في فعالية الفريق الذي يقوده العلمي ولقجع،من دون إفراط في الآمال وتضخيم الأحلام والاستهانة بمواطن الضعف .

ويمكن النظر لموقف المغاربة الشعبي والرسمي، بكونه دفاعا عن النفس وتعبيرا عن الكبرياء الوطني ، وهو في ذات الوقت إقرار وتسليم بواقع حيال العملاق الاميركي .

يصعب على المغرب التصدي للرغبة الجامحة التي أظهرتها دون مواربة ، القوة العظمى في العالم ، بلغة بعيدة عن روح المنافسة وأخلاقياتها، ودون مراعاة التطلعات العميقة والمشروعة لحلم المغرب وإفريقيا ، خاصة وقد بذل الأول جهودا جبارة تفوق إمكانياته المالية ، لكنه نجح في استمالة أصوات كثيرة اقتنعت بمصداقيته وجديته ، قبل أن تهب رياح قوية من البيت الأبيض بواشنطن، لتطيح بآمال القارة السمراء.

في هذا السياق ، يلزم الربط بين رغبة المغرب ،بتوجيه من عاهله ،في تنظيم كاس العالم ، وبين التوجه التنموي للملك محمد السادس الذي يؤمن أن التزام بلاده أمام العالم بإعداد جيد للعرس الكروي الدولي ، وفق الضوابط الفنية واللوجستية التي تشترطها بصرامة إدارة "الفيفا" كل ذلك سيحمل المغاربة وملكهم على تسريع إيقاع أوراش تنمية، يتمنون أن تشمل كل جهات المملكة ، تكمل الجهود الجبارة التي بذلت في العهد الجديد فغيرت حقا صورة المغرب ،رأسا على عقب وفي الاتجاه المنشود ، منذ أن أخفقت الرباط في الفوز بالفرصة الأولى أمام جنوب إفريقيا، وكانت قاب قوسين أو أدنى .

من البديهي أن " كاس العالم" ليس فرجة ومتعة رياضية فقط ،بل هو بامتياز ورش اقتصادي وسوق تجاري كبير ، تستفيد منه أطراف وشركات عدة ، يعود بالنفع الكبير في النهاية على البلد المنظم الذي يظفر بعدد من التجهيزات الرياضية والبنيات التحتية التي أنفق عليها المال والجهد الوطني ،لترسيخ الروح الرياضية و توفير الراحة والأمان للوافدين والمشجعين من شتى مناطق العالم. 

جانب مهم آخر ، تبرزه نتيجة استطلاع "إيلاف المغرب" يتمثل في الروح الواقعية والنظرة الموضوعية التي يتحلى بها المغاربة وتوقعهم كافة الاحتمالات ؛ فالتقارب واضح بين كفة المؤيدين والمعارضين في الاستطلاع ، علما أن الفئة الثانية من المستجوبين التي يقترب عددها من نصف العينة ، لا تعارض مطلقا ولا تشكك في قدرات بلادها على التنظيم والإعداد الجيد والكفاءة في تدبير فعاليات وتظاهرة رياضية ضخمة ؛ بل ينزع موقف العينة نحو ما يمكن اعتباره " تساؤلا منهجيا" عن طبيعة قدرات المملكة المغربية على التصدي لثلاث دول :الولايات المتحدة ، المكسيك وكندا.

لا يليق بعاقل أن يترك الشك يتسرب إلى نفسه بالانسياق مع المشاعر الرومانسية الحالمة، فيتوهم بأن النصر بات قريبا على " الخصوم الثلاثة" أو أن التصدع سيصيب حلفهم غير المقدس.

فهل انتهى الحلم المغربي ؟ لا يمكن الجزم برأي قبل موعد إعلان النتيجة واسم الدولة أو الدول المنظمة. كل الاحتمالات تظل جائزة وقائمة ومرجحة ، كيفما كانت نسبة تحققها .

وهذا الموقف لا يمليه دافع التشبث بالأمل فقط أو التوجه نحو السماء للدعاء بترجيح كفة المغرب ؛ إنه مراهنة مشروعة على متغيرات طارئة لا يستبعد حدوثها بإطلاق . عامل السياسة مثلا زاخر بالمفاجآت، وأحوالها في الوقت الراهن شديدة الاضطراب وفي شتى أنحاء العالم ، يمكن معها أن تتغير موازين القوى .

ربما يميل مغاربة إلى ممارسة شكل من أشكال الشعائر الغيبية ،مثلما يفعلون حينما يواجه منتخبهم الوطني منافسا أجنبيا قويا ، فيتذرعون حينها بالتعاويذ والرقيات والأدعية ، إلى السماء لعلها تنصفهم وتمطر مرمى الخصم بأهداف لا يطعن الحكام فيها ولا يتسرب شك الجمهور إلى صحتها .

مهما تكن النتائج ، يمكن القول إن المغرب كسب المعركة.