إيلاف من دبي: توفي المفكر المؤرخ برنارد لويس، فتحول خبر وفاته إلى حفلة شتائم وأدعية واحتفالات، وهناك من قال إنه الوجه الآخر لداعش! هكذا يبدأ الكاتب ممدوح المهيني دفاعه عن لويس في مقالة نشرها موقع العربية، تحت عنوان "برنارد لويس إلى الجحيم!"، مقارنًا ذلك بما تعرض له المفكر السياسي فؤاد عجمي من حملات تشويه وشيطنة خلال حياته، "ولم تتوقف حتى بعد سنوات على رحيله. في حقيقة الأمر زادت الشتائم من زمرة المثقفين لحظة انتشار نبأ وفاته، وبسرعة تحولوا إلى دعاوى العجائز الأميات يتمنون له الخلود في الجحيم إلى الأبد".

سلوك الغوغاء

يقول المهيني: "هذا السلوك البدائي هو أقرب إلى سلوك الغوغاء، الذين يحكمون قبل أن يقرؤوا، أو الوعاظ المتعصبين الذين يحفظون ويصدرون الفتاوى ولا يفكرون، لكن المثقفين المشاهير حراس الحرية الفكرية هم من يقودون حملات التخوين والتحريض ليس فقط الفكري، لكن الديني أيضًا. وليس من الغريب بعد ذلك أن نشتكي من تراجع مستوى الوعي وسيادة ثقافة القطيع إذا كان رموز الفكر والمعرفة هم من ينشرون الأكاذيب ويحرضون البسطاء".

يضيف أن في حالة عجمي، "شاهدتُه في العديد من المقابلات، وقرأتُ له مقالاتٍ وكتبًا تميزت بالثراء التاريخي وبراعة الأسلوب. أما في ما يخصُّ الأفكار، فقد تميزت بالصراحة والعقلانية وتحدث عن أمراض الثقافة والسياسة العربية بدون خداع ومجاملة. هل كل ما قاله صحيح؟ بالطبع لا، هذه هي طبيعة الجدل والحوار الفكري حول القضايا الكبرى"، مؤكدًا أن لحسن الحظ أن أغلبية الصحافيين والمفكرين العقلانيين الكبار شخصيات شجاعة غير مرتعشة، لا تخيفها حملات الابتزاز والتخويف المستمرة، ولا تهرع إلى حرق كتبها وإعلان التوبة النصوح.

مقنع ومنطقي

أما المؤرخ برنارد لويس، يقول المهيني، فدرس في أهم الجامعات، ونشر مؤلفات مهمة عن التراث الإسلامي، ومن السهل الاطلاع على محاضراته ومقابلاته التي تملأ اليوتيوب، "يتميز بالمعرفة التاريخية العميقة والتحليل العقلاني المقنع والمنطقي. هناك من اختلفوا معه وصححوا بعض استنتاجاته، ولكنه مؤرخ كبير تحول مع حفلات التخوين الصاخبة إلى صهيوني وفاشي واستعماري".

وإذ يضيف إلى المفكرَين ثالث هو الراحل جورج طرابيشي الذي قدَّم كتبًا وقراءاتٍ مهمة ومضيئة عن التراث الإسلامي، ولم ير كارهوه فيه إلا "مسيحيًا مندسًا وخبيثًا يريد هدم أركان الدين"، يقول المهيني: "من الملاحظ أن هذه الشتائم والحملات المغرضة لا تنصب إلا على نوعية معينة من المثقفين والباحثين، أولئك الذين يقدمون قراءة عقلانية وتاريخية للتاريخ والواقع من دون مجاملة أو تحريف. وفي ذات الوقت يتلقى باحثون عرب وأجانب المديح والثناء لقدرتهم على اختراع تاريخ معدل ومحرف وإلقاء اللوم على الآخرين سبب المشكلة وليس نحن".

جدار من الشك

يرى المهيني أنَّ لحملات التخوين هدفًا آخر: "عزل تأثير هذه الشخصيات العقلانية من التأثير والتوسع، لأن تلطيخها بصفات العمالة والخيانة سيصنع بينها وبين القرَّاء جدارًا من الشك يَصعُب اختراقُه. إلى جانب التمنيات بالخلود بالجحيم، هذه آلية أخرى يستعيرها هؤلاء المثقفون من الصحويين الذين استغلوا عدم اطلاع الجمهور، بإلصاق التهم بالصحافيين والكتاب الذين يكرهونهم ويخافون من قوة أفكارهم".

وبحسبه، تحرم هذه الحملات المجتمعات من حرية الجدل الفكري واستقبال أفكار جديدة من دون محاكمات مسبقة، وتزيد من قيم الهجاء والشتائم وتعزز من ثقافة التآمر وتلبس المثقفين العقلانيين الذين لديهم الجواب لمشاكلنا لباس الخونة والعملاء، وبالطبع تزيد من شعبية وجماهيرية المحرضين على حساب الوعي والمعرفة. ولا نعرف شيئًا عن مصيرنا في العالم الآخر، لكن في الدنيا، سيخلد اسم لويس كأحد أهم المؤرخين في العصر الحديث.

مقالة ممدوح المهيني منشورة على الرابط:

https://bit.ly/2s01uzk