بعد نحو عشرة أشهر من تنظيمه لقاء نادرا بين رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، ورجل الشرق القوي، خليفة حفتر، عاد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى توسيع دائرة المحادثات بهدف إيجاد حلّ للأزمة في ليبيا.

وفي خطوة أولى، حدد اجتماع للفرقاء في باريس موعدا لانتخابات رئاسية وبرلمانية، قد لا تحظى بالإجماع الكافي أو الظروف الملائمة لتحقيقها.

أقرت وثيقة باريس أهمية وضع أسس دستورية للانتخابات واعتماد قوانين ضرورية لإنجاح أي عملية اقتراع. وحددت الوثيقة تاريخ 16 سبتمبر/ أيلول المقبل لإعداد الإطار القانوني للانتخابات، على أن يُجرى الاقتراع في 10 ديسمبر/ كانون الأول.

لكن "ليبيا ليست مستعدة لذلك"، حسبما ترى الباحثة في الشؤون الليبية، هدى مزيودات.

وحذرت مزيودات من إعادة إنتاج سيناريو 2012 "حين أدى التسريع بإجراء انتخابات إلى مزيد تعميق الأزمة السياسية".

وأضافت الباحثة، التي ساهمت في صياغة تقرير عن تهجير الليبيين نشرته جامعة جورجتاون في يناير/ كانون الثاني 2016، أن "على الأطراف الليبية حل الملفات الشائكة، وفي مقدمتها المصالحة بين تاورغاء ومصراتة".

ولفتت مزيودات إلى أنه في حال إجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل فعلا فإن "الميليشيات ذاتها التي تجرح وتداوي ستؤمن على سير العملية الانتخابية".

بدوره، أعرب الباحث في العلاقات الدولية، البشير الجويني، عن خشيته من أن تتحول الانتخابات، في هذه الحالة، إلى "غلاف مقنع لديكتاتورية قد تكون باسم العسكر أو المنطقة أو القبيلة".

إطار آخر للحل؟

المشاركون في اجتماع باريس
Reuters

وبالنسبة لدور ماكرون، فقد رمى سيد الإليزيه بثقله لجمع جميع الأضداد، سواء الليبيين أو الإقليميين أو الدوليين "من أجل وضع كل طرف أمام مسؤولياته"، كما ورد في بيان للرئاسة الفرنسية.

ولا يختلف هذا كثيرا عن توجه المبعوث الدولي إلى ليبيا، غسان سلامة، حين أعلن خطة جديدة لحلحة الأزمة الليبية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي.

وتقول مزيودات إن تحرك ماكرون يهدف إلى "إضفاء مزيد من الشرعية على مهمة سلامة بلاده والإبقاء عليها كطرف أساسي في المعادلة الليبية".

وتساءل الباحث في العلاقات الدولية، البشير الجويني، عن مصير اتفاق الصخيرات، الذي يعتبر "الإطار السياسي الوحيد المنظم للعلاقات بين مختلف الفرقاء في ليبيا، على ما فيه من هنات"، مضيفا أن "أي محاولة لتجاوزه أو القفز عليه هي محاولة مشبوهة لتوريط ليبيا في مسار ظاهره التوجه نحو الديمقراطية وباطنه ديكتاتورية قد تكون تحت عناوين عدة".

وشدد نص اتفاق باريس على وجوب انخراط الأطراف الليبية في ضمان سلامة المسار الانتخابي، مع التلويح بفرض عقوبات دولية في حال عرقلة المسار. وشددت الوثيقة على ضرورة توحيد جميع المؤسسات الليبية، وفي مقدمتها الجيش والأمن والبنك المركزي.

عراقيل جمّة

فرد أمن
Reuters

ويصطدم ماكرون بعوامل عدّة قد تحول دون الذهاب بعيدا بمخرجات اجتماع باريس.

فحالة الاستقطاب الثنائي في الداخل الليبي لا تزال على أشدها، في الوقت الذي تواصل قوى إقليمية إدارة الأزمة، في ما بدا حربا بالوكالة، سواء بتوفير الأسلحة أو المال أو الدعم السياسي والدبلوماسي.

وتدعم مصر والإمارات العربية حفتر، في الشرق، بينما يحظى السراج، في الغرب، بمساندة كل من قطر وتركيا.

كما أن السلاح لا يزال يمثل ورقة هامة، خاصة أن حكومة الوفاق الوطني و"جيش ليبيا الوطني" لم يتمكنا من فرض نفوذهما في المناطق التي يسيطران عليها، وهو ما ساهم في تغوّل سلطة التنظيمات المسلحة.

وكانت جماعة تمثل 13 مجلسا وفصيلا عسكريا تتمركز غربي ليبيا قد استبقت انعقاد اجتماع باريس لتعلن تبرؤها من ما يخرج به، داعية إلى "حوار حقيقي يركز على طموحات المجتمع الليبي" ومشددة على رفضها "أي تدخل أجنبي" أو محاولة لتأبيد "حكم العسكر".

فتور دبلوماسي

والرئيس الفرنسي يعلم جيدا أن محاولة تحريكه المياه الراكدة في ليبيا لا تحظى بدعم كبير داخل الأوساط الغربية، خاصة في عواصم شديدة التأثير في الشأن الليبي.

فالجار الإيطالي، الذي احتل ليبيا بداية القرن الماضي، لا يخفي امتعاضه من محاولة باريس منافسته على أرض يعتبرها مجاله الحيوي التقليدي.

وذهبت صحيفة "إل جيورنالي"، المملوكة لعائلة رئيس الوزراء الإيطالي السابق، سيلفيو برلسكوني، إلى حد اتهام ماكرون بمحاولة "استغلال أجواء الفوضى في ليبيا لنهب ثرواتها"، مضيفة أن "الرئيس الفرنسي استغل أيضا الفراغ السياسي الحالي في إيطاليا ومشاورات تشكيل الحكومة" للعب دور أكبر في ليبيا.

ولم تمنح منظمات حقوقية صكا على بياض للرئيس الفرنسي بل حملته مسؤولية إثارة انتهاكات حقوقية مزعومة تشهدها ليبيا على هامش اجتماع باريس.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن "على الرئيس ماكرون أن يوضح أن ذريعة المفاوضات السياسية لن تدفع فرنسا إلى غض الطرف عن مسؤولية القادة السياسيين عن تردي الأوضاع الحقوقية في ليبيا".

ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى "سماع القادة الليبيين يتعهدون بتحسينات مهمة لسيادة القانون والعدالة والمساءلة التي تشمل قواتهم المسيئة، قبل تنظيم أي انتخابات".