واشنطن: أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أوائل أبريل الماضي أن على الولايات المتحدة أن تسحب قواتها من سورية. ويبدو أن وزير الدفاع جيمس ماتيس أقنعه بتأجيل خطة الانسحاب، مشيرًا إلى ضرورات استراتيجية. ويرى محللون أن على الولايات المتحدة ألا تبقى في سورية فحسب، بل وأن تعزز وجودها فيها لتكون لاعبًا له صدقية في السعي إلى التوصل لحل دائم للحرب يضمن أمن حلفائها واستقرار المنطقة. 

حريق متوقع

فأولًا، كما يقول هؤلاء المحللون، إن الانسحاب في غضون الأشهر الستة المقبلة في وقت تعمل فيه إيران على إقامة قواعد عسكرية دائمة في سورية انما هو وصفة مثلى لحرب بين إسرائيل وإيران. ومن شأن الوجود العسكري الأميركي وزيادته في سورية أن يضفي الصدقية على مطالبة الولايات المتحدة برحيل إيران عن سورية ومنع اندلاع مثل هذا الحريق. 

ثانًيا، سواء التزمت إيران الاتفاق النووي أم لم تلتزم، فانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق سيدفعها إلى مزيد من العربدة لتقويض استقرار المنطقة، ودعم جماعاتها المتطرفة، وتسريع برنامجها الصاروخي. ولا شك في أن إبقاء الوجود العسكري الأميركي في سورية وتوسيعه سيحمل إيران على التفكير مليًا قبل أن ترسخ مواقعها في سورية، خوفًا من رد أميركي تحسب له طهران ألف حساب. 

ثالثًا، إن حلفاء اميركا في المنطقة يعتمدون منذ عقود على درجات متفاوتة من الحماية لأمنهم القومي. ومن دون وجود عسكري أميركي، لن تكون الولايات المتحدة في موقع يتيح لها التأثير في تطور الحوادث بعد هزيمة داعش. وستطلق يد روسيا وإيران، وإلى حد ما تركيا، لتحديد مستقبل سورية. 

قوة ردع

رابعًا، بقاء الوجود العسكري الاميركي وتوسيعه يمنعان داعش من الظهور مجددًا في العراق وسورية. ويجب عدم الخلط بين هزيمة داعش العسكرية واستمرار تأثيره الفكري، لا سيما أنه ما زال يشكل تهديدًا لعدة بلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، ولحلفاء أميركا وأصدقائها في المنطقة. 

خامسًا، لا شيء يردع اللاعبين الأساسيين في سورية - أي نظام الأسد وروسيا وإيران وتركيا - كما يردعهم وجود عسكري أميركي قوي في الأراضي السورية. فهذه الأطراف تفهم لغة القوة أفضل من سواها، ولا يعني هذا أن على الولايات المتحدة أن تستعد لخوض مواجهات مباشرة معها، بل يكفي توجيه رسالة واضحة. 

سادسًا، أرسلت الولايات المتحدة بضعف دورها في سورية إشارة واضحة مفادها أن لا مصلحة جيو-استرايتيجية أو أمنية لها في التورط عميقًا في الحرب الأهلية السورية. وغياب الوجود الأميركي القوي في سورية همش دور الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه سمح لروسيا وإيران وتركيا أن تتجاهل واشنطن بمنأى من أي عواقب. 

التزامات أميركية

هذا وضعٌ لا يمكن تصحيحه بقصف بعض منشآت الأسد الكيماوية، كما فعل ترمب مرتين حتى الآن. وهذه الضربات لا تعوض عن غياب الوجود العسكري الأميركي الذي أدى إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة وسمعتها في المنطقة. 

على الولايات المتحدة إلا تُصاب بالشلل جراء سياسات خاطئة سابقة، مثل غزو العراق. فثمة التزامات أخلاقية وعملية تقع على عاتق الولايات المتحدة لدراسة كل نزاع على حدة، وتحديد تداعياته على المديين البعيد والقريب في حال تدخلها أو عدم تدخلها.

باختصار، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تؤثر في تطور الحوادث في سورية من دون وجود عسكري ذي صدقية وقوة لردع أي خصم عن التحرك بطريقة تهدد مصالحها. والمؤمل أن يتمكن ماتيس الذي لديه فكرة واضحة عن الواقع في سورية، من إقناع ترمب باعتماد هذا الموقف في التعامل مع الوضع في سورية ومع اللاعبين الرئيسيين على هذه الساحة. 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "اوغستا فري بريس". الأصل منشور على الرابط:
https://augustafreepress.com/alon-ben-meir-why-u-s-must-expand-not-withdraw-forces-from-syria/