باريس: تسعى فرنسا لتعزيز وجودها في منطقة "الهند والمحيط الهادئ"، للحد من النفوذ الصيني وحماية مصالحها التجارية التي تمر من هناك، وتعتبر باريس هذه المساحة الجغرافية ذات أهمية الاستراتيجية، إذ تشكل ممراً لثلث حجم التجارة العالمية.

من مرور سفن حربية في بحر الصين الى تدريبات عسكرية في جنوب شرق آسيا، تستخدم فرنسا ورقة الدبلوماسية العسكرية في منطقة الهند والمحيط الهادئ لحماية مصالحها والمساهمة في الحد من الاطماع الاقليمية للصين.

بحر الصين الجنوبي
وعبرت السفينة الفرنسية "ديكسمود" برفقة فرقاطة اواخر ايار/مايو، مياه بحر الصين الجنوبي الذي تطالب به بكين بشكل كامل تقريبا رغم التحكيم الدولي الذي لم يعترف لها بذلك العام 2016.

وبغرض دعم مطالبهم في هذه المنطقة الاستراتيجية حيث يمر ثلث حجم التجارة العالمية، يبني الصينيون منشآت ثابتة على الجزر والشعاب كما هو الحال في جزر سبراتلي حيث يتهمهم الاميركيون بنشر معدات عسكرية.

جمع معلومات
وقال قائد سفينة "ديكسمود" الكابتن جون بورشيه الخميس عبر الفيديو "مرت دوريتنا قرب هذه الجزر لجمع معلومات استخباراتية بواسطة اجهزة الاستشعار التي يمكن استخدامها في المياه الدولية"، مشيرا الى "اتصالات لاسلكية مجاملة" مع "السفن الصينية الموجودة في المنطقة حتى خروجنا".

"بيغاس"
وخلال آب/اغسطس، ستقوم فرنسا بمهمة جوية غير مسبوقة في جنوب شرق آسيا، تطلق عليها تسمية "بيغاس" تشمل ثلاث مقاتلات من طراز "رافال"، وطائرة نقل عسكرية من طراز "اي 400 ام"، وطائرة "اي 310" وطائرة للتزود بالوقود تنطلق في رحلة من استراليا الى الهند مع توقف متعدد في دول شريكة بهدف "المساهمة في تعزيز وجود فرنسا في هذه المنطقة ذات الاهمية الاستراتيجية".

هدف ماكرون
وتتماشى هذه الدبلوماسية العسكرية مع الهدف الذي حدده الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارته الى استراليا في نيسان/ابريل: "بناء محور الهند- المحيط الهادئ" من أجل "فرض حرية الملاحة وحركة الطيران" من دون ان يكون ذلك موجها ضد بكين لكن تجنبا لـ"الهيمنة".

وتعكس تصريحاته مخاوف حلفاء فرنسا الاقليميين في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المحيط الهادئ.

تحدي الصين
ويقول جوناس باريلو بلزنر، الخبير الاميركي في معهد هدسون، "يبدو ان لدى الرئيس ماكرون تحليلات واقعية للتحدي الصيني، انه تغيير مرحب به مقارنة مع اسلافه الذين ابدوا اهتماما مطلقا بالفرص التجارية في الصين".

فقد بدأ موقف باريس يتطور قبل بضع سنوات. ومنذ عام 2014 تقوم فرنسا بانتظام بتسيير دوريات لسفنها في بحر الصين الجنوبي تأكيدا لالتزامها بحرية الملاحة.

دولة مشاطئة
وفي عام 2016، دعا وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان القوات البحرية الاوروبية "الى وجود منتظم وظاهر الى اقصى درجة في المناطق البحرية في آسيا".

وبالاضافة الى رفضها "الامر الواقع" الذي يمكن ان يشكل خطرا على النظام الدولي لقانون البحار، تسلط باريس الضوء على وضعها كدولة مشاطئة مع 1,5 مليون نسمة من مواطنيها في جميع انحاء المحيطين الهندي والهادئ ضمن خمس مناطق تابعة لها، وتسعة ملايين كيلومتر مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة.

وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي اعلنت اوائل حزيران/يونيو في سنغافورة ان "هذه منطقتنا ايضا".

أميركا وحرية الملاحة
من جهتها، تقول فاليري نيكيه خبيرة شؤون آسيا المحيط الهادي في مؤسسة ابحاث "حتى ذلك الحين، كان الشعور السائد أن واشنطن هي الوحيدة التي تنشط في المنطقة". وتقوم البحرية الاميركية بعمليات تحت مسمى "حرية الملاحة" في بحر الصين الجنوبي منذ سنوات عدة.

واضافت "من الواضح ان الولايات المتحدة تلعب دورا رئيسيا في ردع الصين، لكن ليس امرا تافها او غير مهم ان تكون قوة مثل فرنسا، العضو الدائم في مجلس الامن، تتخذ مواقف قوية على صعيد المبادئ وخطوات ملموسة" معتبرة ان "هذا يسمح بنزع الشرعية والمزيد من التهميش للمواقف الصينية".

المصالح التجارية
وهناك عامل رئيسي آخر يكمن في المصالح التجارية لفرنسا في هذه المنطقة حيث وقعت في السنوات الاخيرة عقودا ضخمة لبيع الاسلحة تنطوي على تعاون عسكري مثل بيع 36 مقاتلة رافال الى الهند، وطلب استراليا شراء 12 غواصة من الجيل الجديد وغيرها.

وتابعت نيكيه ان ذلك "يدفع دون شك فرنسا الى ان تكون اكثر حزما في مواضيع كانت حتى وقت قريب تتعامل معها بمزيد من الحذر".