إيلاف من نيويورك: يبدو ان الرئيس الاميركي دونالد ترمب عيّن في إدارته موظفين كان يثق بهم، لكنهم باتوا يتنافسون على تسريب معلومات بيته الأبيض الى الاعلام، وتحول عدد منهم الى عدوٍ غير مباشر يقدم نصائح سلبية للرئيس تنعكس على سياسته وقراراته التي سرعان ما يتراجع عنها بعد انتقادات داخلية وخارجية.

لا تتوقف معاناة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عند مواجهاته مع وسائل الاعلام التي تعمل دائمًا على ابراز سلبيات إدارة البيت الابيض، والسياسات المتبعة المثيرة للجدل.

ومن المعروف ان كل رئيس أميركي جديد فور تسلمه منصبه، يختار ادارته، ويجري حركة تعيينات كبيرة على صعيد موظفي الحكومة، والوكالات الأمنية، والقضاة، والسفراء خصوصًا في الدول الكبيرة، ويعمل الجميع كفريق واحد لضمان نجاح عهد الرئيس.

 ولكن في زمن ترمب اختلفت المقاييس، فمن يعول عليه في العادة، يتحول الى معارض بغير ارادته، ويُصبح الحليف القريب عدوًا بشكل غير مباشر، ويتنافس الموظفون على تسريب معلومات خطرة الى الاعلام. 

أعداء الداخل

إدارة البيت الأبيض الحالية تضم في صفوفها شخصيات تشكل حجر عثرة امام الرئيس اكثر من خصومه، وتكبل حركته، وتجعله أسيرًا للتحقيقات المرتبطة بالتدخل الروسي، وأيضًا تقدم له نصائح سلبية لينتهي به المطاف متراجعًا عن سياسات عمل المقربون منه على اقناعه بتطبيقها نظرًا لفعاليتها.

دعمه مرة وخذله مرات

على رأس لائحة أعداء ترمب في البيت الأبيض، يقف وزير العدل جيف سيشنز، الذي دعم ترمب مرة يتيمة عام 2015 عندما اعلن تأييده للمرشح الرئاسي الجمهوري آنذاك، وفي المقابل جلب إلى رئيسه الويلات بعد أيام قليلة من تسلمه منصبه في وزارة العدل اثر إعلانه تحييد نفسه عن التحقيقات الروسية.

يتعادل مع الديمقراطيين

ويتحمل سيشنز الذي يعد اكثر شخص يتلقى انتقادات من الرئيس الأميركي بالتساوي مع الديمقراطيين، جزءًا كبيرًا من مسؤولية ما آلت اليه التحقيقات بعدما ترك إدارة الدفة لنائبه رود روزنستاين، ولم ينجح حتى الان في تعويض الانتكاسة التي الحقها بترمب.

وفي نفس الوقت، فإنه لا يريد العودة عن قرار تحييد نفسه كما يريد الاخير، ويبدو انه لا يفكر بالاستقالة رغم كونها تشكل مخرجًا مشرفًا له من جهة، وتجعل ترمب يتنفس الصعداء عبر خلط حسابات وزارة العدل مجددًا واستعادة السيطرة على تحقيقات المحقق الخاص من جهة ثانية.

ينحدر من بالتيمور؟؟

وفي مقابلة صحفية له في شهر يوليو 2017، عبر الرئيس ترمب عن عدم رضاه عن نائب وزير العدل، رود روزنستاين، وقال انه اُصيب بخيبة امل عندما علم انه من مدينة بالتيمور حيث قال، "هناك عدد قليل جدًا من الجمهوريين في بالتيمور، هذا إن وُجد". 

من يفك اللغز؟

العلاقة بين ترمب وروزنستاين قد تعد الأسوأ بين رئيس ونائب لوزير العدل في تاريخ الإدارات الحديث، وبلا ادنى شك هناك لغز في هذه العلاقة، وقد تكون تحقيقات مولر قادرة على كشفه.
ويقول ترمب الذي طرد مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، جيمس كومي، إن قرار اخراج الأخير من منصبه جاء بناء على توصية من روزنستاين الذي عين بعد ذلك روبرت مولر في منصب المحقق الخاص واشرف على عمله، وما زال ويؤمن له الغطاء الكامل، علما بأنه مولر يحقق في أسباب طرد كومي ودوافعها ايضًا، وإمكانية ان يكون قرار الطرد يرتبط بمحاولات من قبل الرئيس لعرقلة العدالة.

عدو عن غير قصد

وثالث الشخصيات، ستيفان ميلر الذي استفاد من اعلان جيف سيشنز تأييده المبكر لترمب في الانتخابات، فحجز مكانا له في حملة المرشح الجمهوري نظرًا لقربه من وزير العدل الحالي.
وبعد انتصار ترمب وجد كاتب خطاباته نفسه في البيت الأبيض الى جانبه، واستطاع الحفاظ على رأسه ابان المعارك التي اندلعت بين جاريد كوشنر وايفانكا من جهة، وستيفن بانون من جهة ثانية، علماً بأنه كان يتلاقى في أفكاره مع كبير المساعدين الاستراتيجيين السابق لترمب.

وكسب ميلر ثقة الرئيس، ولكن نزعته المعادية للمهاجرين واقناعه ترمب بضرورة السير بسياسة الفصل بين الأطفال وذويهم على الحدود لردع حركة الهجرة غير الشرعية، أصابا الإدارة في مقتل، وجعلاها تخرج بمظهر ضعيف امام العالم، وإتُهمت بالخروج عن الإنسانية والأخلاق، والفضل في ذلك يعود لميلر الذي ورط رئيسه وجعله يصدر أمرًا بإنهاء السياسة التي كانت متبعة على الحدود.

مصائب قوم عند قوم فوائد

وقبل عشرة أيام فقط، كانت وزيرة الامن الداخلي كيرستين نيلسن في موقف صعب، فترمب شكا من عدم فعاليتها في حماية الحدود مع ورود اخبار عن اجتياح المهاجرين للأراضي الأميركية انطلاقا من المكسيك، ووجهت وسائل الاعلام المُحافظة انتقادات عنيفة الى نيلسن التي اعتُبرت انها اقرب الى الديمقراطيين من الجمهوريين.

وعلى غرار روزنستاين، عملت نيلسن في إدارة بوش الابن، وكانت حتى الأسبوع الماضي مرشحة فوق العادة للطرد من الإدارة، بسبب سياساتها المناقضة لإرادة ترمب، غير ان مؤتمرًا صحافيًا عقدته يوم الاثنين الماضي، ودافعت فيه عن سياسة الإدارة حيال ما يجري على الحدود الجنوبية، لقي ترحيب ترمب، ويبدو انها تحولت في الوقت الحالي من مصاف الأعداء الى الأصدقاء حتى إشعار آخر.